الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              ( ولو سامت ) الماشية ( بنفسها ) فلا زكاة بناء على الأصح أنه يشترط قصد السوم [ ص: 238 ] ( أو اعتلفت السائمة ) بنفسها القدر المؤثر فلا زكاة أيضا لحصول المؤنة ، وقصد العلف غير شرط لرجوعه إلى الأصل ، وهو عدم الوجوب ( أو كانت عوامل ) للمالك ولو في محرم أو بأجرة أو لغاصب ( في حرث ونضح ) ، وهو محل الماء المعد للشرب ( ونحوه ) كحمل ( فلا زكاة في الأصح ) ؛ لأنها معدة لاستعمال مباح فأشبهت ثياب البدن وصح { ليس في البقر العوامل شيء } ، وفي رواية { ليس على العوامل شيء } .

                                                                                                                              وزمن كونها عوامل يقاس بزمن علفها فيما مر ويفرق بين عدم وجوب الزكاة في المستعملة في محرم ووجوبها في حلي محرم بأنها متأصلة في النقد ، ومن ثم لم يحتج لقصد ، ولا فعل فلم يسقطها فيه إلا قوي ، والمحرم لا قوة فيه بخلافها في الحيوان ، ومن ثم احتاجت إلى إسامة وقصد فتأثرت بأدنى مؤثر ، ومنه الاستعمال المحرم ( وإذا وردت ماء أخذت زكاتها عنده ) ندبا للأمر به رواه أحمد ولأنه أسهل ولا يكلفون حينئذ ردها للبلد ، ولا الساعي أن يتبع المراعي ( وإلا ) ترد الماء لنحو استغنائها بالكلأ ( فعند بيوت أهلها ) وأفنيتهم فيكلفون الرد إليها ؛ لأنه أضبط ويظهر فيما لا ترد ماء ، ولا مستقر لأهلها لدوام انتجاعهم معها تكليف الساعي النجعة إليهم ؛ لأن كلفته أهون من كلفة تكليفهم ردها إلى محل آخر ثم رأيت المتولي قال : اللازم للملاك التمكين من أخذ الزكاة دون حملها إلى الإمام ثم استشكله بأن { وآتوا الزكاة } يقتضي وجوب الحمل إليه حتى لو كان بعيرا جموحا لزمه العقال ، وعليه حمل قول أبي بكر رضي الله عنه لو منعوني عقالا أعطوه رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه ا هـ والقاضي قال : يلزمه التسليم بالعقال ثم يسترده واعتمده في الكفاية فقال : مؤنة إيصالها إلى الساعي أو المستحق على المؤدي فيلزمه العقال في الجموح وعليه حمل أصحابنا ما ذكر عن أبي بكر رضي الله عنه ا هـ ويوافقه قول المجموع عن صاحب البيان وأقره ومؤنة إحضار الماشية إلى الساعي على المالك ؛ لأنها للتمكين من الاستيفاء ولك أن تقول إن قلنا بوجوب الدفع إلى الإمام أو نائبه وجبت المؤنة على المالك أو بعدمه فإن أرسل ساعيا وجب تمكينه من القبض ولو بنحو عقال الجموح ثم يؤخذ منه بعد القبض لا حملها إلى محله إن بعد ؛ لأن في ذلك مشقة لا تطاق [ ص: 239 ] وبهذا التفصيل يجمع بين كلام التتمة وغيره ، وتعليل المجموع يشير لما ذكرته فتأمله ، وفيه عن الأصحاب يلزمه بعث السعاة لأخذها أي : ممن لا يعلم منهم أنهم يؤدونها بأنفسهم

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              حاشية ابن قاسم

                                                                                                                              ( قوله : ويفرق بين عدم وجوب الزكاة إلخ ) فرق أيضا بأن الأصل فيها الحل ، وفي الذهب والفضة الحرمة إلا ما رخص فإذا [ ص: 239 ] استعملت الماشية في المحرم رجعت إلى أصلها ، ولا ننظر إلى الفعل الخسيس ، وإن استعمل الحلي في ذلك فقد استعمله في أصله شرح م ر



                                                                                                                              حاشية الشرواني

                                                                                                                              قول المتن ( ولو سامت بنفسها إلخ ) ، ومن ذلك ما جرت به العادة من رعي الدواب في نحو الجزائر فهي سائمة ، وأما ما يأخذه المتكلم عليها من نحو الملتزم من الدراهم فهو ظلم مجرد لا يمنع [ ص: 238 ] من الإسامة ، ومعلوم أنه لا تجب الزكاة إلا إذا كانت كذلك جميع السنة وبقي ما لو كانت ترعى في كلإ مباح جميع السنة لكن جرت عادة مالكيها بعلفها إذا رجعت إلى بيوت أهلها قدر الزيادة لنماء أو دفع ضرر يسير يلحقها هل ذلك يقطع حكم السوم أم لا فيه نظر ، وقد يؤخذ من قول الشارح م ر ، ولو كان يسرحها نهارا ويلقي لها شيئا لم يؤثر أنها سائمة ع ش .

                                                                                                                              ( قوله : أو اعتلفت السائمة بنفسها ) أي : أو علفها الغاصب أو المشتري شراء فاسدا نهاية ومغني قول المتن ( أو كانت عوامل إلخ ) أي : وإن أسيمت ( تنبيه ) وقع السؤال في الدرس عما لو حصل من العوامل نتاج هل تجب فيه الزكاة أم لا والجواب عنه بأن الظاهر أن يقال تجب فيه الزكاة إذا تم نصابه وحوله من حين الانفصال ، وما مضى من حول الأمهات قبل انفصاله لا يعتد به لعدم وجوب الزكاة فيها ع ش وقوله إذا تم نصابه وحوله إلخ أي : وسومه بشرطه ( قوله : ولو في محرم ) أي : كأن تكون معدة لغارة أو قطع طريق كما قاله الماوردي إيعاب ا هـ كردي على بافضل .

                                                                                                                              ( قوله : أو لغاصب ) لعل وجه الإتيان به دفع توهم وجوب زكاتها إذا استعملها غاصبها ؛ لأنه لا مؤنة لها على مالكها كالسائمة فتجب زكاتها ( قوله : وهو محل الماء المعد للشرب ) كذا في أصله رحمه الله تعالى والذي في المحلي والمغني والنهاية ، وهو حمل الماء للشرب فليحرر بصري قال ع ش قوله : م ر وهو حمل الماء للشرب لعل المراد به إخراج الماء من البئر للشرب أو نحوه لما يأتي في كلام المحلي من أن النضح السقي من ماء بئر أو نهر ببعير أو بقرة ويسمى ناضحا ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وزمن كونها إلخ ) عبارته في شرح بافضل وشرط تأثير استعمالها أن يستمر ثلاثة أيام أو أكثر ، وإلا لم يؤثر ا هـ أي متوالية أم لا كما يفيده القياس على زمن الفعل .

                                                                                                                              ( قوله : ويفرق بين عدم وجوب إلخ ) عبارة النهاية والمغني والأسنى وفرق بين المستعملة في محرم وبين الحلي المستعمل فيه بأن الأصل فيها الحل ، وفي الذهب والفضة الحرمة إلا ما رخص فإذا استعملت الماشية في المحرم رجعت إلى أصلها ، ولا ينظر إلى الفعل الخسيس ، وإذا استعمل الحلي في ذلك فقد استعمل في أصله ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : بأنها إلخ ) أي : الزكاة ( قوله : والمحرم إلخ ) أي : الاستعمال المحرم ( قوله للأمر ) إلى قوله ثم رأيت في النهاية والمغني ( قوله : ولأنه أسهل ) أي على كل من المالك والساعي نهاية زاد المغني : ولو كان له ماشيتان عند ماءين أمر بجمعهما عند أحدهما إلا أن يعسر عليه ذلك ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : حينئذ ) أي حين اعتياد الماشية ورود الماء ( قوله : لنحو استغنائها إلخ ) عبارة المغني بأن استغنت عنه في زمن الربيع بالكلأ ا هـ ( قوله بالكلأ ) عبارة النهاية بالربيع ا هـ .

                                                                                                                              ( قوله : وأفنيتهم ) عطف تفسير ( قوله : لو منعوني إلخ ) كذا في أصله رحمه الله تعالى بدون والله والذي في المغني والنهاية وغيرهما والله لو منعوني إلخ فليحرر بصري ولك أن تقول اقتصر الشارح على ما يتوقف على الحمل ( قوله : والقاضي إلخ ) عطف على المتولي كردي ( قوله : واعتمده في الكفاية إلخ ) وكذا في النهاية والمغني فقال : ولو كانت الماشية متوحشة يعسر أخذها وإمساكها فعلى رب المال تسليم السن الواجب للساعي ، ولو توقف ذلك على عقال لزمه أيضا ، وهو محمل قول أبي بكر رضي الله تعالى عنه والله لو منعوني عقالا ؛ لأن العقال هنا من تمام التسليم ا هـ قال ع ش قوله : ولو توقف ذلك على عقال لزمه إلخ أي : ويتصرف فيه الساعي بما يتعلق بمال الزكاة ويبرأ المالك بتسليمها للساعي على الوجه المذكور ، ولا ضمان على الساعي أيضا إن تلفت في [ ص: 239 ] يده بلا تقصير ا هـ وقوله أي : ويتصرف إلخ تقدم ويأتي في الشرح خلافه ولعله لم يطلع عليه ( قوله : وبهذا التفصيل ) أي : قوله إن قلنا إلخ و ( قوله : يجمع بين كلام التتمة ) أي : بحمله على الشق الأول منه و ( قوله : وغيره ) أي : كالقاضي بحمله على الثاني منه ( قوله : وتعليل المجموع ) أي قوله : لأنها للتمكين إلخ و ( قوله : لما ذكرته ) أي : قوله أو بعدمه فإن أرسل إلخ ( قوله : وفيه ) أي : في المجموع قوله : يلزمه أي : الإمام




                                                                                                                              الخدمات العلمية