الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
            ذكر من توفي في هذه السنة من الأكابر

            1197 - أحمد بن يوسف بن القاسم بن صبيح ، أبو جعفر الكاتب مولى بني عجل .

            كان من أفاضل كتاب المأمون وأذكاهم ، وأفطنهم وأجمعهم للمحاسن ، وكان فصيحا مليح الخط يقول الشعر ، وزر للمأمون بعد أحمد بن [أبي] خالد .

            قال الحسين بن عبد الرحمن أشرف أحمد بن يوسف وهو يموت على بستان له [على] شاطئ دجلة ، فجعل يتأمله ويتأمل دجلة ، ثم تنفس وقال متمثلا:


            ما أطيب العيش لولا موت صاحبه ففيه ما شئت من عيب لعائبه

            قال: فما أنزلناه حتى مات . وكانت وفاته في هذه السنة .

            1198 - أسد بن الفرات بن سنان ، أبو عبد الله الفقيه .

            قاضي إفريقية مغربي صاحب الكتب على مذهب مالك المعروفة بالأسدية . ولد سنة أربعين ومائة ، وكان عنده الموطأ عن مالك ، وأقام بالكوفة ، فكتب عن أهلها وكتب بالري عن جرير بن عبد الله بن عبد الحميد .

            وتوفي بصقلية في ربيع الآخر من هذه السنة . وهو محاصر بسرقوسة ، وهو أمير تلك السرية .

            1199 - أسود بن سالم ، أبو محمد العابد .

            سمع حماد بن زيد ، وسفيان بن عيينة ، وإسماعيل بن علية ، وغيرهم ، وكان ثقة ورعا فاضلا . وكان بينه وبين معروف الكرخي مؤاخاة ومودة .

            قال أبو يوسف القاضي كنا عند أسود بن سالم وقد كان يستعمل من الماء شيئا كثيرا [ثم ترك ذاك] فجاء رجل فسأله عن ذلك فقال: هيهات ذهب ذاك ، كنت ليلة باردة قد قمت في السحر فأنا أستعمل ما كنت أستعمله ، فإذا هاتف هتف بي فقال: يا أسود ما هذا يحيى بن سعيد الأنصاري حدثنا عن سعيد بن المسيب " إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم ترتفع إلى السماء" . قال: قلت: أجني؟ ويحك من تكون؟ قال: ما هو إلا ما تسمع . فقلت: من أنت عافاك الله؟ قال: يحيى بن سعيد الأنصاري قال: حدثنا عن سعيد بن المسيب إذا جاوز الوضوء ثلاثا لم ترتفع إلى السماء . قال: قلت: لا أعود [لا أعود] فأنا اليوم يكفيني كف من ماء .

            قال أحمد بن الحاكم الصاغاني : جاء رجل إلى ابن حميد فقال: إني اغتبت أسود بن سالم ، فأتيت في منامي فقيل لي: تغتاب وليا من أولياء الله لو ركب حائطا ثم قال له سر لسار .

            1200 - بشر بن أبي الأزهر القاضي [النيسابوري] . واسم أبي الأزهر: يزيد ، وكنية بشر: أبو سهل .

            كان من أعيان فقهاء الكوفيين وزهادهم . سمع ابن المبارك ، وابن عيينة ، وأبا معاوية ، وغيرهم . وتفقه على أبي يوسف .

            قال محمد بن عبد الوهاب : سمعت بشر بن أبي الأزهر وسأله رجل عن مسألة فأخطأ فيها فقال: كنت هممت أن آتي الطاهري - يعني عبد الله بن طاهر - فأسأله أن يأمر الحراس فينادوا في البلد في الناس: من سأل بشر بن أبي الأزهر عن مسألة في النكاح فإنه قد أخطأ فيها ، فقال له رجل: أنا أعرف الرجل الذي سألك عن المسألة هو في مكان كذا وكذا . فأتى به فرجع عن قوله ذلك وبصره بالصواب .

            توفي في رمضان في هذه السنة .

            1201 - ثمامة بن أشرس أبو معين النميري .

            أحد المعتزلة البصريين ، ورد بغداد ، واتصل بالرشيد وغيره من الخلفاء ، وحكى عنه الجاحظ وغيره .

            وروى أبو بكر الصولي قال: حدثني المقدمي قال: حدثنا الحارث بن أبي أسامة قال: حدثني الوليد بن عباس قال: خرج ثمامة بن أشرس من منزله بعد المغرب وهو سكران ، فإذا هو بالمأمون قد ركب في نفر ، فلما رأى ثمامة عدل عن طريقه وبصر به المأمون فضرب كفل دابته وحاذاه ، فوقف ثمامة ، فقال له المأمون : ثمامة ، قال: إي والله ، قال: سكران أنت؟ قال: لا . قال: أفتعرفني؟ قال: إي والله ، . قال: من أنا؟ قال: لا أدري ، فضحك المأمون حتى انثنى عن دابته ، قال: عليك لعائن الله ، قال: تترى يا أمير المؤمنين ، فعاد في الضحك .

            قال ثمامة : دخلت إلى صديق لي أعوده وتركت حماري على الباب فخرجت ، وإذا فوقه صبي ، فقال: حفظته لك ، قلت: لو ذهب كان أعجب إلي قال: فاحسبه قد ذهب وهبه لي واربح شكري ، فلم أدر ما أقول [له] .

            وعن الحسن بن رجاء : أن الرشيد لما غضب على ثمامة دفعه إلى سلام الأبرش ، وأمره أن يضيق عليه ، ويدخله بيتا ويطبق عليه ويترك فيه ثقبا ، ففعل دون ذلك ، وكان يدس إليه الطعام ، فجلس سلام عشية يقرأ في المصحف فقرأ: ويل يومئذ للمكذبين . فقال له ثمامة : إنما هو للمكذبين ، وجعل يشرحه ويقول: المكذبون هم الرسل ، والمكذبون هم الكفار ، فقال: قد قيل لي إنك زنديق ولم أقبل ، ثم ضيق عليه أشد الضيق! ثم رضي الرشيد عن ثمامة وجالسه . فقال: أخبروني من أسوأ الناس حالا؟ فقال كل واحد شيئا . قال ثمامة : فبلغ القول إلي ، فقلت: عاقل يجري عليه حكم جاهل فتبينت الغضب في وجهه ، فقلت: يا أمير المؤمنين ، ما أحسبني وقعت بحيث أردت؟ قال: لا والله فاشرح لي ، فحدثته بحديث سلام ، فجعل يضحك حتى استلقى ، وقال: صدقت والله ، لقد كنت أسوأ الناس حالا .

            قال أبو منصور عبد القاهر بن طاهر التميمي : قتل ثمامة بن أشرس النميري وهو زعيم المعتزلة بين الصفا والمروة من أجل [بدعة ومن أجل] سعيه في دم أبي أحمد الخزاعي ، قتله بنو خزاعة .

            1202 - عبد الله بن داود الهمذاني .

            تحول من الكوفة فنزل الخربية بناحية البصرة ، وكان ثقة ناسكا ، سمع الأعمش وغيره .

            قال إسماعيل الحطبي : سمعت أبا مسلم إبراهيم بن عبد الله يقول: كتبت الحديث وعبد الله بن داود حي ، ولم أقصده لأني كنت في بيت عمتي ولها بنون أكبر مني ، فلم أرهم ، فسألت عنهم ، فقالوا: قد مضوا إلى عبد الله بن داود ، فأبطئوا ثم جاءوا يذمونه ، وقالوا: طلبناه في منزله فلم نجده ، وقالوا: هو في بسيتينة له بالقرب فقصدناه ، فإذا هو فيها فسلمنا عليه وسألناه أن يحدثنا ، فقال: متعت بكم أنا في شغل عن هذا هذه البسيتينة لي فيها معاش وتحتاج أن تسقى ، وليس لي من يسقيها . فقلنا نحن ندير الدولاب ونسقيها قال: فافعلوا ، قال: فتسلحنا وأدرنا الدولاب حتى سقينا البستان ، ثم قلنا له: حدثنا الآن ، قال: متعت بكم ، ليس لي نية في أن أحدثكم ، وأنتم كان لكم نية تؤجرون عليها .

            توفي الجرمي في شوال هذه السنة .

            1203 - عبد الله بن سنان الهروي .

            نزيل البصرة ، حدث عن ابن المبارك والفضيل ، وسفيان بن عيينة .

            روى عنه: ابن المديني ، وابن خيثمة ، وأبو زرعة . وقال أبو داود : هو ثقة . توفي في هذه السنة .

            1204 - علي بن جبلة بن مسلم ، أبو الحسن الشاعر ، المعروف بالعكوك الضرير .

            ولد سنة ستين ومائة ، وذهب بصره في الجدري ، وهو ابن سبع سنين ، مدح المأمون وأبا دلف وندرت من شعره نوادر ، وسارت عنه أمثال . روى عنه: الجاحظ .

            قال علي بن هارون : أخبرني أبي قال: من مختار شعر علي بن جبلة :


            لو أن لي صبرها أو عندها جزعي     لكنت أعلم ما آتي وما أدع
            لا أحمل اللوم فيها والغرام بها     ما حمل الله نفسا فوق ما تسع
            إذا دعى باسمها داع فأسمعني     كادت له شعبة من مهجتي تقع

            ولما مدح أبا دلف بقصيدته التي أولها:


            زاد زور الغي عن صدره     وارعوى واللهو من وطره
            [وأبت إلا البكاء له     ضاحكات الشيب في شعره
            جبل عزت مناكبه     آمنت عدنان في ثغره
            إنما الدنيا أبو دلف     بين ناديه ومحتضره
            فإذا ولى أبو دلف     ولت الدنيا على أثره
            يا دواء الأرض إن فسدت     وبديل اليسر من عسره
            كل من في الأرض من عرب     بين باديه إلى حضره
            مستعين منه مكرمة     يكتسيها يوم مفتخره ]



            ولما أنشد هذه القصيدة أمر له بمائة ألف درهم وبكى وقال: لم أقض حقه والله لو أعطيته مائة ألف دينار ما كنت قاضيه حقه .

            قال علي بن جبلة : وكنت لا أدخل على أبي دلف إلا يلقاني ببر فلما أفرط انقطعت عنه حياء منه ، فبعث إلي أخاه يقول: لم هجرتنا؟ فكتبت إليه:


            هجرتك لم أهجرك من كفر نعمة     وهل يرتجى نيل الزيادة بالكفر
            ولكنني لما أتيتك زائرا     فأفرطت في بري عجزت عن الشكر
            من الآن لا آتيك إلا مسلما     أزورك في الشهرين يوما وفي الشهر
            فإن زدتني برا تزايدت جفوة     ولم تلقني طول الحياة إلى الحشر

            فلما وصلت إليه كتب إلي:


            ألا رب ضيف طارق قد بسطته     وآنسته قبل الضيافة بالبشر
            أتاني يرجيني فما حال دونه     ودون القرى من نائلي عنده ستري
            وجدت له فضلا علي بقصده     إلي وبرا يستحق به شكري
            فلم يعد أن أدنيته وابتدأته     ببشر وإكرام وبر على بر
            وزودته مالا قليلا بقاؤه     وزودني مدحا يدوم على الدهر

            ثم وجه الأبيات مع وصيف يحمل كيسا فيه ألف دينار .

            ومدح حميدا الطوسي فبالغ في مدحه ، فقيل له: ما بلغت في مدح أحد ، ما بلغت في مدح حميد فقال: وكيف لا أفعل؟ وأدنى ما وصل إلي منه أني أهديت إليه قصيدة في يوم نيروز فسر بها وأمر أن يحمل إلي كلما أهدي له ، فحمل إلي ما قيمته مائة ألف درهم .

            وقد روينا أن المأمون لما بلغه ما بلغ فيه [علي] بن جبلة من مدح أبي دلف طلبه فجيء به ، فقال له: فضلت أبا دلف على العرب كلها ، وأدخلت في ذلك قريشا وآل رسول الله صلى الله عليه وسلم وعترته ، وأنا لا أستحل دمك بهذا بل بكفرك في شعرك حيث تقول:


            أنت الذي تنزل الأيام منزلها     وتنقل الدهر من حال إلى حال
            وما مددت مدى طرف إلى أحد     إلا قضيت بأرزاق وآجال

            ما يقدر على ذلك إلا الله - عز وجل- سلوا لسانه من قفاه ففعل به ذلك .

            والصحيح أنه هرب من المأمون فمات في تواريه بغداد في هذه السنة ، ولم يقدر عليه .

            1205 - علي بن إسحاق ، أبو الحسن السلمي ثم الداركاني:

            وهي قرية بمرو ينزلها الحاج إذا خرجوا من مرو .

            وكان من أصحاب ابن المبارك . وروى عنه أحمد بن حنبل . [وكان ثقة صدوقا . توفي في هذه السنة .

            1206 - محمد بن سابق ، أبو جعفر . وقيل: أبو سعيد البزاز ، مولى بني تميم .

            حدث عن مالك بن مغول وغيره . روى عنه: أحمد بن حنبل] وأبو خيثمة ، وعباس الدوري في آخرين ، وقد اختلفوا فيه .

            سئل يحيى بن معين ، عن محمد بن سابق فقال: ضعيف .

            عن محمد بن أحمد بن يعقوب : أخبرنا جدي قال: محمد بن سابق كان ثقة صدوقا .

            قال المصنف: وعلى هذا الأكثرون في توثيقه .

            توفي في هذه السنة . وقيل: في سنة أربع عشرة .

            1207 - محمد بن يوسف ، أبو عبد الله الفريابي .

            روى عن سفيان ، والأوزاعي ، وزائدة . وسكن قيسارية .

            وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة .

            روى السري بن معاذ أمير الري قال: كنت مع أبي وكان قائدا من قواد عبد الله بن طاهر وأنا غلام فوجه عبد الله بن طاهر إلى ناحية الشام فخرج أبي فكنت معه ، وكان قريبا من شهر رمضان ، فقال عبد الله بن طاهر : هاهنا أحد من العلماء نسأله عن الصيام والإفطار؟ فأنا على ظهر سفر ، فقيل له: ها هنا بالقرب منك محمد بن يوسف الفريابي ، صاحب سفيان الثوري ، قال: فضرب بعسكره إلى باب داره . قال: وكان له حاجبان أحدهما عزير ، والآخر ميكال ، وكانا على مقدمته ، فتقدما إلى الباب ، فأومأ إليهما عبد الله بن طاهر أن يرفقا في قرع الباب ، فقرعا ثم وقفا مليا .

            فخرجت جارية . تخدم الفريابي ، فقالا لها: قولي للشيخ الأمير عبد الله بن طاهر بالباب ، قال: فمضت ، ثم أطالت ، ثم جاءت فقالت: يقول لكم الشيخ ما حاجته؟ قال: فتذمرا فأومأ إليهما عبد الله بن طاهر أن اسكتا ، فقال عبد الله بن طاهر : قولي للشيخ: إنا على [ظهر] سفر ، وقد أظلنا شهر رمضان ، فما ترى في الصيام أو الإفطار؟ قال: فمضت ، ثم رجعت بعد هوي فقالت: يقول لكم الشيخ إن كنتم على سفر في طاعة الله فأنتم مخيرون بين الصيام والإفطار ، وإن كنتم على سفر في معصية الله فلا تجمعوا بين العصيان والإفطار ، فلما انصرفا نظر عبد الله بن طاهر إلى عزير وميكال ، فقال: هذا العز لا الذي نحن فيه .

            التالي السابق


            الخدمات العلمية