الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                        وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعو ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا

                                                                                                                                                                                                                                        وأن المساجد لله فيه أربعة أقاويل : أحدها : يعني الصلوات لله ، قاله ابن شجرة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنها الأعضاء التي يسجد عليها لله ، قاله الربيع .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنها المساجد التي هي بيوت الله للصلوات ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الرابع : أنه كل موضع صلى فيه الإنسان ، فإنه لأجل السجود فيه يسمى مسجدا . فلا تدعوا مع الله أحدا أي فلا تعبدوا معه غيره ، وفي سببه ثلاثة أقاويل : أحدها : ما حكاه الأعمش أن الجن قالت : يا رسول الله ائذن لنا نشهد معك الصلاة في مسجدك ، فنزلت هذه الآية .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : ما حكاه أبو جعفر محمد بن علي أن الحمس من مشركي أهل مكة وهم كنانة وعامر وقريش كانوا يلبون حول البيت : لبيك اللهم لبيك ، لبيك لا شريك [ ص: 120 ]

                                                                                                                                                                                                                                        لك ، إلا شريكا هو لك ، تملكه وما ملك ، فأنزل الله هذه الآية نهيا أن يجعل لله شريكا ، وروى الضحاك عن ابن عباس : أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا دخل المسجد قدم رجله اليمنى وقال : وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا اللهم أنا عبدك وزائرك ، وعلى كل مزور حق وأنت خير مزور فأسألك برحمتك أن تفك رقبتي من النار وإذا خرج من المسجد قدم رجله اليسرى وقال : اللهم صب الخير صبا ولا تنزع عني صالح ما أعطيتني أبدا ولا تجعل معيشتي كدا واجعل لي في الخير جدا ( . وأنه لما قام عبد الله يدعوه يعني محمدا ، وفيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : أنه قام إلى الصلاة يدعو ربه فيها ، وقام أصحابه خلفه مؤتمين ، فعجبت الجن من طواعية أصحابه له ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنه قام إلى اليهود داعيا لهم إلى الله ، رواه ابن جريج . كادوا يكونون عليه لبدا فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : يعني أعوانا ، قاله ابن عباس .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : جماعات بعضها فوق بعض ، وهو معنى قول مجاهد ، ومنه اللبد لاجتماع الصوف بعضه على بعض ، وقال ذو الرمة


                                                                                                                                                                                                                                        ومنهل آجن قفر موارده خضر كواكبه من عرمص لبد .



                                                                                                                                                                                                                                        وفي كونهم عليه لبدا ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : أنهم المسلمون في اجتماعهم على رسول الله صلى الله عليه وسلم قاله ابن جبير .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : أنهم الجن حين استمعوا من رسول الله قراءته ، قاله الزبير بن العوام .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : أنهم الجن والإنس في تعاونهم على رسول الله في الشرك ، قاله قتادة . قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا يعني ضرا لمن آمن ولا رشدا لمن كفر ، وفيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 121 ]

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : عذابا ولا نعيما .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : موتا ولا حياة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : ضلالا ولا هدى . قل إني لن يجيرني من الله أحد روى أبو الجوزاء عن ابن مسعود قال : انطلقت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الجن حتى أتى الحجون فخط خطا ثم تقدم عليهم فازدحموا عليه ، فقال سيد لهم يقال له وردان : أنا أزجلهم عنك ، فقال : (إني لن يجيرني من الله أحد) ويحتمل وجهين :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لن يجيرني مع إجارة الله لي أحد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لن يجيرني مما قدره الله علي أحد . ولن أجد من دونه ملتحدا فيه ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدها : يعني ملجأ ولا حرزا ، قاله قتادة .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : وليا ولا مولى ، رواه أبو سعيد .

                                                                                                                                                                                                                                        الثالث : مذهبا ولا مسلكا ، حكاه ابن شجرة ، ومنه قول الشاعر


                                                                                                                                                                                                                                        يا لهف نفسي ولهفي غير مجدية     عني وما من قضاء الله ملتحد .



                                                                                                                                                                                                                                        إلا بلاغا من الله ورسالاته فيه وجهان :

                                                                                                                                                                                                                                        أحدهما : لا أملك ضرا ولا رشدا إلا أن أبلغكم رسالات الله ، قاله الكلبي .

                                                                                                                                                                                                                                        الثاني : لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالات الله ، قاله مقاتل . روى مكحول عن ابن مسعود : أن الجن بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الليلة ، وكانوا سبعين ألفا ، وفرغوا من بيعته عند انشقاق الفجر .

                                                                                                                                                                                                                                        [ ص: 122 ]

                                                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية