الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا

                                                                                                                                                                                                                                      وإذ قلنا للملائكة أي: اذكر وقت قولنا لهم اسجدوا لآدم سجود تحية، وتكريم، وقد مر تفصيله فسجدوا جميعا امتثالا بالأمر. إلا إبليس فإنه لم يسجد بل أبى واستكبر، وقوله تعالى: كان من الجن كلام مستأنف سيق مساق التعليل لما يفيده استثناء اللعين من الساجدين، كأنه قيل: ما له لم يسجد. فقيل: كان أصله جنيا. ففسق عن أمر ربه أي: خرج عن طاعته كما ينبئ عنه الفاء، أو صار فاسقا كافرا بسبب أمر الله تعالى إذ لولاه لما أبى، والتعرض لوصف الربوبية المنافية للفسق لبيان كمال قبح ما فعله، والمراد بتذكير قصته تجديد النكير على المتكبرين المفتخرين بأنسابهم، وأموالهم، المستنكفين عن الانتظام في سلك فقراء المؤمنين ببيان أن ذلك من صنيع إبليس، وأنهم في ذلك تابعون لتسويله كما ينبئ عنه قوله تعالى: أفتتخذونه ... إلخ. فإن الهمزة للإنكار والتعجيب، والفاء للتعقيب، أي: أعقيب علمكم بصدور تلك القبائح عنه تتخذونه. وذريته أي: أولاده وأتباعه جعلوا ذريته مجازا. قال قتادة : يتوالدون كما يتوالد بنو آدم، وقيل: يدخل ذنبه في دبره فيبيض فتنفلق البيضة عن جماعة من الشياطين. أولياء من دوني فتستبدلونهم بي فتطيعونهم [ ص: 228 ] بدل طاعتي. وهم أي: والحال أن إبليس وذريته لكم عدو أي: أعداءكما في قوله تعالى: فإنهم عدو لي إلا رب العالمين ، وقوله تعالى: هم العدو وإنما فعل به ذلك تشبيها له بالمصدر نحو القبول والولوع، وتقيد الاتخاذ بالجملة الحالية لتأكيد الإنكار وتشديده، فإن مضمونها مانع من وقوع الاتخاذ، ومناف له قطعا. بئس للظالمين أي: الواضعين للشيء في غير موضعه. بدلا من الله سبحانه إبليس وذريته، وفي الالتفات إلى الغيبة مع وضع الظالمين موضع الضمير من الإيذان بكمال السخط، والإشارة إلى أن ما فعلوه ظلم قبيح ما لا يخفى.

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية