الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قوله تعالى: لا تضار والدة بولدها ولا مولود له بولده وعلى الوارث مثل ذلك (233).

وظن ظانون أن قوله: وعلى الوارث مثل ذلك من النفقة، فإنها على الوارث.

وليس ذلك مذهبا لأبي حنيفة، فإنه لا يعلقها على الإرث، وإنما يعلقها على الرحم والمحرمية مع الإرث، ولا نعلم في العلماء من يعلق على الإرث سوى ما ذكر عن أحمد، فإنه طرد ظاهر الإرث حتى قال: الجد من قبل الأم لا نفقة عليه مع وجود ابن العم، وطرد ذلك في النساء والرجال والحجب بالأشخاص والأوصاف.

وذلك في غاية البعد عن الأوضاع الشرعية، ومع هذا فلا دلالة للقرآن عليه، فإن قوله تعالى: وعلى الوارث مثل ذلك يمكن أن يحمل على أقرب مذكور، وهو نفي المضارة.

وعن ابن عباس والشعبي: وعلى الوارث أن لا يضار في تفسير هذه الآية. [ ص: 189 ] ولما أراد النفقة بعد ذلك قال: وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم ذكر الولادة، ورد الأمر في النفقة إليها.

وقال القاضي أبو إسحاق إسماعيل بن إسحاق رحمه الله في كتاب "معاني القرآن" :

أما أبو حنيفة فإنه قال: تجب نفقة الصغير ورضاعه على كل ذي رحم محرم، مثل أن يكون رجل له ابن أخت صغير محتاج، وابن عم صغير محتاج وهو وارثه، أن النفقة تجب على الحال لابن أخته الذي لا يرثه، وتسقط عن ابن العم لابن عمه الوارث، ثم قال:

وقالوا قولا ليس في كتاب الله تعالى، ولا نعلم أحدا قاله، ثم قال هذا الرجل: وإذا ولد الولد وأبوه ميت، فعلى أمه أن ترضعه لأن الله تعالى جعلها المرضعة، فلا يسقط عن الأم ما كان واجبا عليها بسقوطه عن الأب بالموت.

فلم ير هذا الرجل ما وجب عليها بإزاء ما وجب لها، فإذا لم يكن ما وجب لهم، لم يجب ما يقابله.

ولا خلاف أنه إذا انقطع لبنها بمرض أو غيره، فلا شيء عليها، وإن أمكنها أن تسترضع، ولا عليها نفقة بعد الرضاع، وكذلك قبله لا فرق.

ومالك لا يوجب النفقة إلا على الأب للابن، وعلى الابن للأب، ولا يوجبها للجد على ابن الابن..

التالي السابق


الخدمات العلمية