ولما فرغ مما أراد من أحوال الطاعنين في القبلة التي هي قيام للناس وما استتبع ذلك مما يضطره إليه في إقامة الدين من جدالهم وجلادهم وختم ذلك بالهدى شرع في ذكر ما كان البيت به قياما
[ ص: 262 ] للناس من المشاعر القائدة إلى كل خير الحامية عن كل ضير التي جعلت مواقفها أعلاما على الساعة لا سيما والحج أخو الجهاد في المشقة والنزوح عن الوطن وقد سماه النبي صلى الله عليه وسلم أحد الجهادين مع أنه من أعظم مقاصد البيت المذكورة في هذه الآيات مناقبه المتلوة مآثره المنصوبة شعائره التي هي في الحقيقة دعائمه من الاعتكاف والصلاة والطواف [المشار ] إلى حجه واعتماره بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125مثابة للناس وأمنا فأفصح به بعد تلك الإشارة بعض الإفصاح إذ كان لم يبق من مفاخره العظمى غيره وضم إليه العمرة الحج الأصغر لمشاركتها له في إظهار فخاره وإعلاء مناره فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إن الصفا والمروة فهو كالتعليل لاستحقاق البيت لأن يكون
[ ص: 263 ] قبلة ، وعرفهما لأنهما جبلان مخصومان معهودان تجاه الكعبة ، اسم الصفا من الصفوة وهو ما يخلص من الكدر ، واسم المروة من المرو وهو ما تحدد من الحجارة - قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي . وخصهما هنا بالذكر إشارة إلى أن بركة الإقبال عليهما على ما شرع الله سبحانه وتعالى مفيدة لحياة القلوب بما أنزل على هذا الرسول صلى الله عليه وسلم من الكتاب والحكمة الباقيين إلى آخر الدهر شفاء للقلوب وزكاة للنفوس زيادة للنعمة بصفة الشكر وتعليما بصفة العلم كما كان الإقبال على السعي بينهما تسليما لأمر الله مفيدا لحياة أبيه
إسماعيل عليه الصلاة والسلام ونفع من بعده بما أنبع له من ماء زمزم الباقي إلى قيام الساعة طعام طعم وشفاء سقم ، وفي ذلك مع تقديم الصفا إشارة للبصراء من أرباب القلوب إلى أن الصابر لله المبشر فيما قبلها ينبغي أن يكون قلبه جامعا بين الصلابة والصفا ، فيكون بصلابته الحجرية مانعا من القواطع الشيطانية ، وبرقته الزجاجية جامعا للوامع الرحمانية ، بعيدا عن القلب المائي بصلابته ، وعن الحجري بصفائه واستنارته . ومن أعظم المناسبات أيضا كون
[ ص: 264 ] سبيل الحج إذ ذاك كان ممنوعا بأهل الحرب ، فكأنها علة لما قبلها وكأنه قيل : ولنبلونكم بما ذكر لأن
nindex.php?page=treesubj&link=3278الحج من أعظم شعائر هذا البيت الذي أمرتم باستقباله وهو مما يفرض عليكم وسبيله ممنوع بمن تعلمون ، فلنبلونكم بقتالهم لزوال مانع الحج وقتال غيرهم من أهل الكتاب وغيرهم لإتمام النعمة بتمام الدين وظهوره على كل دين . ومن أحسنها أيضا أنه تعالى لما ذكر البلايا بنقص الأموال بسبب الذنوب
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم أتبعها الدواء الجابر لذلك النقص دينا ودنيا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=663108 "فإن الحج والعمرة ينفيان الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الذهب والفضة" رواه الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13114وابن خزيمة nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان في صحيحهما عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم وروي أيضا عن عدة من الصحابة رضي الله تعالى عنهم كما بينته في كتابي الاطلاع على حجة الوداع .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : لما تقدم ذكر جامعة من أمر الحج في قوله سبحانه وتعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150ولأتم نعمتي عليكم من حيث إن النعمة المضافة إليه أحق بنعمة الدين وفي ضمنها نعمة الدنيا التي لم يتهيأ الحج إلا بها من الفتح والنصر والاستيلاء على كافة العرب كما قال تعالى فيما أنزل يوم تمام الحج الذي
[ ص: 265 ] هو يوم عرفة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي وذلك بما أتم الله سبحانه وتعالى عليهم من نعمة تمام معالم الدين وتأسيس الفتح بفتح أم القرى التي في فتحها فتح جميع الأرض لأنها قيام الناس نظم تعالى بما تلاه من الخطاب تفصيلا من تفاصيل أمر الحج انتظم بأمر الذين آمنوا من حيث ما في سبب إنزاله من التحرج للذين أعلموا برفع الجناح عنهم وهم طائفة من الأنصار كانوا يهلون لمناة وكانت مناة حذو قديد فتحرجوا من التطوف بين الصفا والمروة . وطائفة أيضا خافوا أن يلحقهم في الإسلام بعملهم نحو ما كانوا يعملونه في الجاهلية نقص في عمل الإسلام ، فأعلمهم الله سبحانه وتعالى أن ذلك موضوع عنهم لمختلف نياتهم فإن الأعمال بالنيات ، فما نوي لله كان لله ولم يبل فيه بموافقة ما كان من عاداتهم في الجاهلية ، وفي فقهه صحة السجود لله سبحانه وتعالى لمن أكره على السجود للصنم ، وفي طي ذلك صحة التعبد لله بكلمة الكفر لمن أكره عليها ، أذن صلى الله عليه وسلم
[ ص: 266 ] غير مرة في أن يقول فيه قائل ما يوافق الكفار بحسن نية للقائل فيه ذلك ولقضاء حاجة له من حوائج دنياه عند الكفار ، فظهر بذلك كونه صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين ، يقبل الضمائر ولا يبالي بالظواهر في أحوال الضرائر ، فرفع الله سبحانه وتعالى عنهم الجناح بحسن نياتهم وإخلاصهم لله سبحانه وتعالى عملهم ، فبهذا النحو من التقاصر في هذه الرتبة انتظم افتتاح هذا الخطاب بما قبله من أحوال الذين آمنوا من المبتلين بما ذكر . انتهى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158من شعائر الله أي : أعلام دين الملك الأعلى الذي دان كل شيء لجلاله . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وهي أي الشعائر ما أحست به القلوب من حقه ، وقال : والشعيرة ما شعرت به القلوب من أمور باطنة
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=32ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب وإنما ذكرها تعالى بالشعائر وعملها معلم [من ] معالم الإسلام
[ ص: 267 ] وحرمة من حرم الله لما كان حكم في أمر القلوب التي كان في ضمائرها تحرجهم فمن حيث ذكرها بالشعيرة صححها الإخلاص والنية
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فمن حج من الحج وهو ترداد القصد إلى ما يراد خيره وبره . وقال الأصفهاني : أصله زيادة شيء تعظمه . انتهى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158البيت ذكر البيت في الحج والمسجد الحرام في التوجه لانتهاء الطواف إلى البيت واتساع المصلى من حد المقام إلى ما وراءه لكون الطائف منتهيا إلى البيت وكون المصلي قائما بمحل أدب يؤخره عن منتهى الطائف مداناة البيت ، وذكره تعالى بكلمة "من" المطلقة المستغرقة لأولي العقل تنكبا بالخطاب عن خصوص المتحرجين ، ففي إطلاقه إشعار بأن الحج لا يمنعه شيء مما يعرض في مواطنه من مكروه الدين لاشتغال الحاج بما هو فيه عما سواه ، ففي خفي فقهه إعراض الحاج عن مناكر تلك المواطن التي تعرض فيها بحسب الأزمان والأعصار ، ويؤكد ذلك أن الحج آية الحشر وأهل الحشر
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=37لكل امرئ منهم يومئذ شأن يغنيه فكذلك
[ ص: 268 ] حكم ما هو آيته ; وحج البيت إتيانه في خاتمة السنة من الشهور الذي هو شهر ذي الحجة أنه ختم العمر ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم حيث ختم الله سبحانه وتعالى عمره بعمل الحج ; قال سبحانه وتعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158أو اعتمر فذكر العمرة مع الحج لما كان الطواف بين الصفا والمروة من شعائر العملين
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فلا جناح وهو المؤاخذة على الجنوح ، والجنوح الميل عن جادة القصد . انتهى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158عليه أن يطوف أي : يدور بهمة وتعمد ونشاط
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158بهما باديا بما بدأ الله . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : رفع الجناح عن الفعل حكم يشترك فيه الجائز والواجب والفرض والمباح حتى يصح أن يقال : لا جناح عليك أن تصلي الظهر ، كما يقال : لا جناح عليك أن تطعم إذا جعت ; وإنما يشعر بالجواز والتخيير نفي الجناح عن الترك لا عن الفعل ، كما
nindex.php?page=hadith&LINKID=673780قال عليه الصلاة والسلام للذين سألوه عن العزل : "لا جناح عليكم أن لا تفعلوا" أي : أن لا تنزلوا ، لأن الفعل كناية عن الثبوت لا عن الترك الذي هو معنى العزل "وهو الذي قررته
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها لما قال
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة :
[ ص: 269 ] ما أرى على أحد شيئا أن لا يطوف بهما ، فقالت : لو كان كما تقول كان : فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما الحديث . قلت : ولعل التعبير بالنفي إنما اختير ليدل على نفي ما توهموه بالمطابقة ، وتقع الدلالة على الوجوب بإفهام الجزاء لأن من حج أو اعتمر ولم يتطوف بهما كان عليه حرج ، وبالسنة التي بينته من قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=13476اسعوا فإن الله قد كتب عليكم السعي ومن فعله صلى الله عليه وسلم مع قوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=18285 ." خذوا عني مناسككم " ومن عدهما من الشعائر ونحو ذلك . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وما روي من قراءة من قرأ "أن لا يطوف بهما" فليست " لا " نافية على حد ما نفت معناه
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها وإنما هي مؤكدة للإثبات بمنزلة
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12ما منعك ألا تسجد و
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لئلا يعلم أهل الكتاب لأن من تمام المبهم استعماله في المتقابلين من النفي والإثبات كاستعماله في وجوه من التقابل كما تستعمل " ما " في النفي والإثبات ، وكذلك جاءت" لا "في لسان العرب بمنزلتها في الاستعمال وإن كان دون ذلك في الشهرة ، فوارد القرآن معتبر بأعلى رتبة لغة العرب وأفصحها ، لا يصل إلى تصحيح عربيته من اقتصر من النحو والأدب على ما دون
[ ص: 270 ] الغاية لعلوه في رتبة العربية
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون انتهى . والذين قرؤوا بزيادة "لا"
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس - بخلاف عنه -
nindex.php?page=showalam&ids=34وأبي بن كعب nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك رضي الله تعالى عنهم
nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16972ومحمد بن سيرين nindex.php?page=showalam&ids=17188 [وميمون بن مهران ، كما نقل ذلك الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13042أبو الفتح عثمان بن جني في كتابه المحتسب في توجيه القراءات ] الشواذ ; ومعنى قول
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله تعالى عنها لكان أن لا يطوف خاصة ، ولم ترد قراءة بالإثبات ; وأما مع قراءة الإثبات فإن المعنى يرشد إلى أن قراءة النفي مثلها ، لأن كونهما من الشعائر يقتضي التطوف بهما لا إهمالهما . والله سبحانه وتعالى أعلم . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وذكره
[ ص: 271 ] تعالى بالتطوف الذي هو تفعل أي : تشبه بالطواف ، ومع البيت بالطواف في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125أن طهرا بيتي للطائفين لما كان السعي ترددا في طول ، والمراد الإحاطة بهما ، فكان في المعنى كالطواف لا في الصورة ، فجعله لذلك تطوفا أي : تشبها بالطواف . انتهى .
ولما كان الصحابة رضي الله تعالى عنهم لم يقصدوا بترك الطواف بينهما إلا الطاعة فأعلموا أن الطواف بينهما طاعة ، عبر بما يفيد مدحهم فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158ومن تطوع قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : أي : كلف نفسه معاهدة البر والخير من غير استدعاء له
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158خيرا فيه إعلام بفضيلة النفقة في الحج والعمرة بالهدي ووجوه المرافق للرفقاء بما يفهمه لفظ الخير ، لأن عرف استعماله في خير الرزق والنفقة ، كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وإنه لحب الخير لشديد و
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إن ترك خيرا ولما كان رفع الجناح تركا عادلها في الخطاب بإثبات عمل خير ليقع في الخطاب إثبات يفيد عملا حين لم يفد الأول إلا تركا ، فمن تحقق بالإيمان أجزل نفقاته في الوفادة
[ ص: 272 ] على ربه واختصر في أغراض نفسه ، ومن حرم النصف من دنياه اقتصر في نفقاته في وفادته على ربه وأجزل نفقاته في أغراض نفسه وشهوات عياله ، فذلك من أعلام المؤمنين وأعلام الجاهلين ، من وفد على الملك أجزل ما يقدم بين يديه ، وإنما قدمه بالحقيقة لنفسه لا لربه ، فمن شكر نعمة الله بإظهارها حين الوفادة ، عليه في آية بعثة إليه ولقائه له شكر الله له ذلك يوم يلقاه ، فكانت هدايا الله له يوم القيامة أعظم من هديه إليه يوم الوفادة عليه في حجه وعمرته
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فإن الله أي : المحيط بجميع صفات الكمال
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158شاكر أي : مجاز بالأعمال مع المضاعفة لثوابها ; قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158عليم فيه تحذير من مداخل الرياء والسمعة في إجزال النفقات لما يغلب على النفس من التباهي في إظهار الخير . انتهى .
وَلَمَّا فَرَغَ مِمَّا أَرَادَ مِنْ أَحْوَالِ الطَّاعِنِينَ فِي الْقِبْلَةِ الَّتِي هِيَ قِيَامٌ لِلنَّاسِ وَمَا اسْتَتْبَعَ ذَلِكَ مِمَّا يَضْطَرُّهُ إِلَيْهِ فِي إِقَامَةِ الدِّينِ مِنْ جِدَالِهِمْ وَجِلَادِهِمْ وَخَتَمَ ذَلِكَ بِالْهُدَى شَرَعَ فِي ذِكْرِ مَا كَانَ الْبَيْتُ بِهِ قِيَامًا
[ ص: 262 ] لِلنَّاسِ مِنَ الْمَشَاعِرِ الْقَائِدَةِ إِلَى كُلِّ خَيْرٍ الْحَامِيَةِ عَنْ كُلِّ ضَيْرٍ الَّتِي جُعِلَتْ مَوَاقِفُهَا أَعْلَامًا عَلَى السَّاعَةِ لَا سِيَّمَا وَالْحَجُّ أَخُو الْجِهَادِ فِي الْمَشَقَّةِ وَالنُّزُوحِ عَنِ الْوَطَنِ وَقَدْ سَمَّاهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَدَ الْجِهَادَيْنِ مَعَ أَنَّهُ مِنْ أَعْظَمِ مَقَاصِدِ الْبَيْتِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ الْآيَاتِ مَنَاقِبُهُ الْمَتْلُوَّةِ مَآثِرُهُ الْمَنْصُوبَةِ شَعَائِرُهُ الَّتِي هِيَ فِي الْحَقِيقَةِ دَعَائِمُهُ مِنَ الِاعْتِكَافِ وَالصَّلَاةِ وَالطَّوَافِ [الْمُشَارِ ] إِلَى حَجِّهِ وَاعْتِمَارِهِ بِقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا فَأَفْصَحَ بِهِ بَعْدَ تِلْكَ الْإِشَارَةِ بَعْضَ الْإِفْصَاحِ إِذْ كَانَ لَمْ يَبْقَ مِنْ مَفَاخِرِهِ الْعُظْمَى غَيْرُهُ وَضَمَّ إِلَيْهِ الْعُمْرَةَ الْحَجَّ الْأَصْغَرَ لِمُشَارَكَتِهَا لَهُ فِي إِظْهَارِ فَخَارِهِ وَإِعْلَاءِ مَنَارِهِ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ فَهُوَ كَالتَّعْلِيلِ لِاسْتِحْقَاقِ الْبَيْتِ لِأَنْ يَكُونَ
[ ص: 263 ] قِبْلَةً ، وَعَرَّفَهُمَا لِأَنَّهُمَا جَبَلَانِ مَخْصُومَانِ مَعْهُودَانِ تِجَاهَ الْكَعْبَةِ ، اسْمُ الصَّفَا مِنَ الصَّفْوَةِ وَهُوَ مَا يُخَلَّصُ مِنَ الْكَدَرِ ، وَاسْمُ الْمَرْوَةِ مِنَ الْمَرْوِ وَهُوَ مَا تَحَدَّدَ مِنَ الْحِجَارَةِ - قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ . وَخَصَّهُمَا هُنَا بِالذِّكْرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ بَرَكَةَ الْإِقْبَالِ عَلَيْهِمَا عَلَى مَا شَرَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى مُفِيدَةٌ لِحَيَاةِ الْقُلُوبِ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى هَذَا الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْكِتَابِ وَالْحِكْمَةِ الْبَاقِيَيْنِ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ شِفَاءً لِلْقُلُوبِ وَزَكَاةً لِلنُّفُوسِ زِيَادَةً لِلنِّعْمَةِ بِصِفَةِ الشُّكْرِ وَتَعْلِيمًا بِصِفَةِ الْعِلْمِ كَمَا كَانَ الْإِقْبَالُ عَلَى السَّعْيِ بَيْنَهُمَا تَسْلِيمًا لِأَمْرِ اللَّهِ مُفِيدًا لِحَيَاةِ أَبِيهِ
إِسْمَاعِيلَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ وَنَفَعَ مَنْ بَعْدَهُ بِمَا أَنَبَعَ لَهُ مِنْ مَاءِ زَمْزَمَ الْبَاقِي إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ طَعَامَ طُعْمٍ وَشِفَاءَ سُقْمٍ ، وَفِي ذَلِكَ مَعَ تَقْدِيمِ الصَّفَا إِشَارَةً لِلْبُصَرَاءِ مِنْ أَرْبَابِ الْقُلُوبِ إِلَى أَنَّ الصَّابِرَ لِلَّهِ الْمُبَشَّرَ فِيمَا قَبْلَهَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَلْبُهُ جَامِعًا بَيْنَ الصَّلَابَةِ وَالصَّفَا ، فَيَكُونُ بِصَلَابَتِهِ الْحَجَرِيَّةِ مَانِعًا مِنَ الْقَوَاطِعِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، وَبِرِقَّتِهِ الزُّجَاجِيَّةِ جَامِعًا لِلَوَامِعِ الرَّحْمَانِيَّةِ ، بَعِيدًا عَنِ الْقَلْبِ الْمَائِيِّ بِصَلَابَتِهِ ، وَعَنِ الْحَجَرِيِّ بِصَفَائِهِ وَاسْتِنَارَتِهِ . وَمِنْ أَعْظَمِ الْمُنَاسَبَاتِ أَيْضًا كَوْنُ
[ ص: 264 ] سَبِيلِ الْحَجِّ إِذْ ذَاكَ كَانَ مَمْنُوعًا بِأَهْلِ الْحَرْبِ ، فَكَأَنَّهَا عِلَّةٌ لِمَا قَبْلَهَا وَكَأَنَّهُ قِيلَ : وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِمَا ذُكِرَ لِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=3278الْحَجَّ مِنْ أَعْظَمِ شَعَائِرِ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِاسْتِقْبَالِهِ وَهُوَ مِمَّا يُفْرَضُ عَلَيْكُمْ وَسَبِيلُهُ مَمْنُوعٌ بِمَنْ تَعْلَمُونَ ، فَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِقِتَالِهِمْ لِزَوَالِ مَانِعِ الْحَجِّ وَقِتَالِ غَيْرِهِمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَغَيْرِهِمْ لِإِتْمَامِ النِّعْمَةِ بِتَمَامِ الدِّينِ وَظُهُورِهِ عَلَى كُلِّ دِينٍ . وَمِنْ أَحْسَنِهَا أَيْضًا أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا ذَكَرَ الْبَلَايَا بِنَقْصِ الْأَمْوَالِ بِسَبَبِ الذُّنُوبِ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=30وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ أَتْبَعَهَا الدَّوَاءَ الْجَابِرَ لِذَلِكَ النَّقْصِ دِينًا وَدُنْيَا ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=663108 "فَإِنَّ الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ يَنْفِيَانِ الْفَقْرَ وَالذُّنُوبَ كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ" رَوَاهُ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ nindex.php?page=showalam&ids=13948وَالتِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=13114وَابْنُ خُزَيْمَةَ nindex.php?page=showalam&ids=13053وَابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِمَا عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرُوِيَ أَيْضًا عَنْ عِدَّةٍ مِنَ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ كَمَا بَيَّنْتُهُ فِي كِتَابِي الِاطِّلَاعُ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ .
وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ : لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ جَامِعَةٍ مِنْ أَمْرِ الْحَجِّ فِي قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=150وَلأُتِمَّ نِعْمَتِي عَلَيْكُمْ مِنْ حَيْثُ إِنَّ النِّعْمَةَ الْمُضَافَةَ إِلَيْهِ أَحَقُّ بِنِعْمَةِ الدِّينِ وَفِي ضِمْنِهَا نِعْمَةُ الدُّنْيَا الَّتِي لَمْ يَتَهَيَّأِ الْحَجُّ إِلَّا بِهَا مِنَ الْفَتْحِ وَالنَّصْرِ وَالِاسْتِيلَاءِ عَلَى كَافَّةِ الْعَرَبِ كَمَا قَالَ تَعَالَى فِيمَا أَنْزَلَ يَوْمَ تَمَامِ الْحَجِّ الَّذِي
[ ص: 265 ] هُوَ يَوْمُ عَرَفَةَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَذَلِكَ بِمَا أَتَمَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَيْهِمْ مِنْ نِعْمَةِ تَمَامِ مَعَالِمِ الدِّينِ وَتَأْسِيسِ الْفَتْحِ بِفَتْحِ أُمِّ الْقُرَى الَّتِي فِي فَتْحِهَا فَتْحُ جَمِيعِ الْأَرْضِ لِأَنَّهَا قِيَامُ النَّاسِ نَظَمَ تَعَالَى بِمَا تَلَاهُ مِنَ الْخِطَابِ تَفْصِيلًا مِنْ تَفَاصِيلِ أَمْرِ الْحَجِّ انْتَظَمَ بِأَمْرِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ حَيْثُ مَا فِي سَبَبِ إِنْزَالِهِ مِنَ التَّحَرُّجِ لِلَّذِينِ أُعْلِمُوا بِرَفْعِ الْجُنَاحِ عَنْهُمْ وَهُمْ طَائِفَةٌ مِنَ الْأَنْصَارِ كَانُوا يُهِلُّونَ لِمَنَاةَ وَكَانَتْ مَنَاةُ حَذْوَ قُدَيْدٍ فَتَحَرَّجُوا مِنَ التَّطَوُّفِ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ . وَطَائِفَةٌ أَيْضًا خَافُوا أَنْ يَلْحَقَهُمْ فِي الْإِسْلَامِ بِعَمَلِهِمْ نَحْوُ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَهُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ نَقْصٌ فِي عَمَلِ الْإِسْلَامِ ، فَأَعْلَمَهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ مَوْضُوعٌ عَنْهُمْ لِمُخْتَلِفِ نِيَّاتِهِمْ فَإِنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ ، فَمَا نُوِيَ لِلَّهِ كَانَ لِلَّهِ وَلَمْ يَبُلَّ فِيهِ بِمُوَافَقَةِ مَا كَانَ مِنْ عَادَاتِهِمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، وَفِي فِقْهِهِ صِحَّةُ السُّجُودِ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَى السُّجُودِ لِلصَّنَمِ ، وَفِي طَيِّ ذَلِكَ صِحَّةُ التَّعَبُّدِ لِلَّهِ بِكَلِمَةِ الْكُفْرِ لِمَنْ أُكْرِهَ عَلَيْهَا ، أَذِنَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 266 ] غَيْرَ مَرَّةٍ فِي أَنْ يَقُولَ فِيهِ قَائِلٌ مَا يُوَافِقُ الْكُفَّارَ بِحُسْنِ نِيَّةٍ لِلْقَائِلِ فِيهِ ذَلِكَ وَلِقَضَاءِ حَاجَةٍ لَهُ مِنْ حَوَائِجِ دُنْيَاهُ عِنْدَ الْكَفَّارِ ، فَظَهَرَ بِذَلِكَ كَوْنُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ، يَقْبَلُ الضَّمَائِرَ وَلَا يُبَالِي بِالظَّوَاهِرِ فِي أَحْوَالِ الضَّرَائِرِ ، فَرَفَعَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهُمُ الْجُنَاحَ بِحُسْنِ نِيَّاتِهِمْ وَإِخْلَاصِهِمْ لِلَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَلَهُمْ ، فَبِهَذَا النَّحْوِ مِنَ التَّقَاصُرِ فِي هَذِهِ الرُّتْبَةِ انْتَظَمَ افْتِتَاحُ هَذَا الْخِطَابِ بِمَا قَبْلَهُ مِنْ أَحْوَالِ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْمُبْتَلِينَ بِمَا ذُكِرَ . انْتَهَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ أَيْ : أَعْلَامِ دِينِ الْمَلِكِ الْأَعْلَى الَّذِي دَانَ كُلُّ شَيْءٍ لِجَلَالِهِ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ : وَهِيَ أَيِ الشَّعَائِرُ مَا أَحَسَّتْ بِهِ الْقُلُوبُ مِنْ حَقِّهِ ، وَقَالَ : وَالشُّعَيْرَةُ مَا شَعَرَتْ بِهِ الْقُلُوبُ مِنْ أُمُورٍ بَاطِنَةٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=32ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهَا تَعَالَى بِالشَّعَائِرِ وَعَمَلُهَا مَعْلَمٌ [مِنْ ] مَعَالِمِ الْإِسْلَامِ
[ ص: 267 ] وَحُرْمَةٌ مِنْ حُرُمِ اللَّهِ لَمَّا كَانَ حَكَمَ فِي أَمْرِ الْقُلُوبِ الَّتِي كَانَ فِي ضَمَائِرِهَا تَحَرُّجُهُمْ فَمِنْ حَيْثُ ذَكَّرَهَا بِالشَّعِيرَةِ صَحَّحَهَا الْإِخْلَاصُ وَالنِّيَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَمَنْ حَجَّ مِنَ الْحَجِّ وَهُوَ تَرْدَادُ الْقَصْدِ إِلَى مَا يُرَادُ خَيْرُهُ وَبِرُّهُ . وَقَالَ الْأَصْفَهَانِيُّ : أَصْلُهُ زِيَادَةُ شَيْءٍ تُعَظِّمُهُ . انْتَهَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158الْبَيْتَ ذَكَرَ الْبَيْتَ فِي الْحَجِّ وَالْمَسْجِدَ الْحَرَامَ فِي التَّوَجُّهِ لِانْتِهَاءِ الطَّوَافِ إِلَى الْبَيْتِ وَاتِّسَاعِ الْمُصَلَّى مِنْ حَدِّ الْمَقَامِ إِلَى مَا وَرَاءَهُ لِكَوْنِ الطَّائِفِ مُنْتَهِيًا إِلَى الْبَيْتِ وَكَوْنِ الْمُصَلِّي قَائِمًا بِمَحَلِّ أَدَبٍ يُؤَخِّرُهُ عَنْ مُنْتَهَى الطَّائِفِ مُدَانَاةُ الْبَيْتِ ، وَذَكَّرَهُ تَعَالَى بِكَلِمَةِ "مَنْ" الْمُطْلَقَةِ الْمُسْتَغْرِقَةِ لِأُولِي الْعَقْلِ تَنَكُّبًا بِالْخِطَابِ عَنْ خُصُوصِ الْمُتَحَرِّجِينَ ، فَفِي إِطْلَاقِهِ إِشْعَارٌ بِأَنَّ الْحَجَّ لَا يَمْنَعُهُ شَيْءٌ مِمَّا يَعْرِضُ فِي مَوَاطِنِهِ مِنْ مَكْرُوهِ الدِّينِ لِاشْتِغَالِ الْحَاجِّ بِمَا هُوَ فِيهِ عَمَّا سِوَاهُ ، فَفِي خَفِيِّ فِقْهِهِ إِعْرَاضُ الْحَاجِّ عَنْ مَنَاكِرِ تِلْكَ الْمَوَاطِنِ الَّتِي تُعْرَضُ فِيهَا بِحَسَبِ الْأَزْمَانِ وَالْأَعْصَارِ ، وَيُؤَكِّدُ ذَلِكَ أَنَّ الْحَجَّ آيَةُ الْحَشْرِ وَأَهْلِ الْحَشْرِ
nindex.php?page=tafseer&surano=80&ayano=37لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ فَكَذَلِكَ
[ ص: 268 ] حُكْمُ مَا هُوَ آيَتُهُ ; وَحَجُّ الْبَيْتِ إِتْيَانُهُ فِي خَاتِمَةِ السَّنَةِ مِنَ الشُّهُورِ الَّذِي هُوَ شَهْرُ ذِي الْحِجَّةِ أَنَّهُ خَتَمَ الْعُمُرَ ، كَمَا كَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَيْثُ خَتَمَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عُمُرَهُ بِعَمَلِ الْحَجِّ ; قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158أَوِ اعْتَمَرَ فَذَكَرَ الْعُمُرَةَ مَعَ الْحَجِّ لَمَّا كَانَ الطَّوَافُ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ مِنْ شَعَائِرِ الْعَمَلَيْنِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَلا جُنَاحَ وَهُوَ الْمُؤَاخَذَةُ عَلَى الْجُنُوحِ ، وَالْجُنُوحُ الْمَيْلُ عَنْ جَادَّةِ الْقَصْدِ . انْتَهَى .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ أَيْ : يَدُورَ بِهِمَّةٍ وَتَعَمُّدٍ وَنَشَاطٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158بِهِمَا بَادِيًا بِمَا بَدَأَ اللَّهُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ : رَفْعُ الْجُنَاحِ عَنْ الْفِعْلِ حُكْمٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْجَائِزُ وَالْوَاجِبُ وَالْفَرْضُ وَالْمُبَاحُ حَتَّى يَصِحَّ أَنْ يُقَالَ : لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أَنْ تُصَلِّيَ الظُّهْرَ ، كَمَا يُقَالُ : لَا جُنَاحَ عَلَيْكَ أَنْ تَطْعَمَ إِذَا جُعْتَ ; وَإِنَّمَا يُشْعِرُ بِالْجَوَازِ وَالتَّخْيِيرِ نَفْيُ الْجُنَاحِ عَنِ التَّرْكِ لَا عَنِ الْفِعْلِ ، كَمَا
nindex.php?page=hadith&LINKID=673780قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِلَّذِينِ سَأَلُوهُ عَنِ الْعَزْلِ : "لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ لَا تَفْعَلُوا" أَيْ : أَنْ لَا تُنْزِلُوا ، لِأَنَّ الْفِعْلَ كِنَايَةٌ عَنِ الثُّبُوتِ لَا عَنِ التَّرْكِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الْعَزْلِ "وَهُوَ الَّذِي قَرَّرَتْهُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَمَّا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةُ :
[ ص: 269 ] مَا أَرَى عَلَى أَحَدٍ شَيْئًا أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا ، فَقَالَتْ : لَوْ كَانَ كَمَا تَقُولُ كَانَ : فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ لَا يَطُوفَ بِهِمَا الْحَدِيثَ . قُلْتُ : وَلَعَلَّ التَّعْبِيرَ بِالنَّفْيِ إِنَّمَا اخْتِيرَ لِيَدُلَّ عَلَى نَفْيِ مَا تَوَهَّمُوهُ بِالْمُطَابَقَةِ ، وَتَقَعُ الدَّلَالَةُ عَلَى الْوُجُوبِ بِإِفْهَامِ الْجَزَاءِ لِأَنَّ مَنْ حَجَّ أَوِ اعْتَمَرَ وَلَمْ يَتَطَوَّفْ بِهِمَا كَانَ عَلَيْهِ حَرَجٌ ، وَبِالسُّنَّةِ الَّتِي بَيَّنَتْهُ مِنْ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=13476اسْعَوْا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَتَبَ عَلَيْكُمُ السَّعْيَ وَمِنْ فِعْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ قَوْلِهِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=18285 ." خُذُوا عَنِّي مَنَاسِكَكُمْ " وَمَنْ عَدَّهُمَا مِنَ الشَّعَائِرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ : وَمَا رُوِيَ مِنْ قِرَاءَةِ مَنْ قَرَأَ "أَنْ لَا يَطُوفُ بِهِمَا" فَلَيْسَتْ " لَا " نَافِيَةٌ عَلَى حَدِّ مَا نَفَتْ مَعْنَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا وَإِنَّمَا هِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْإِثْبَاتِ بِمَنْزِلَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12مَا مَنَعَكَ أَلا تَسْجُدَ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=29لِئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ لِأَنَّ مِنْ تَمَامِ الْمُبْهَمِ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْمُتَقَابِلِينَ مِنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ كَاسْتِعْمَالِهِ فِي وُجُوهٍ مِنَ التَّقَابُلِ كَمَا تُسْتَعْمَلُ " مَا " فِي النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ ، وَكَذَلِكَ جَاءَتْ" لَا "فِي لِسَانِ الْعَرَبِ بِمَنْزِلَتِهَا فِي الِاسْتِعْمَالِ وَإِنْ كَانَ دُونَ ذَلِكَ فِي الشُّهْرَةِ ، فَوَارِدُ الْقُرْآنِ مُعْتَبَرٌ بِأَعْلَى رُتْبَةِ لُغَةِ الْعَرَبِ وَأَفْصَحِهَا ، لَا يَصِلُ إِلَى تَصْحِيحِ عَرَبِيَّتِهِ مَنِ اقْتَصَرَ مِنَ النَّحْوِ وَالْأَدَبِ عَلَى مَا دُونَ
[ ص: 270 ] الْغَايَةِ لِعُلُوِّهِ فِي رُتْبَةِ الْعَرَبِيَّةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=3إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ انْتَهَى . وَالَّذِينَ قَرَؤُوا بِزِيَادَةِ "لَا"
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنُ عَبَّاسٍ - بِخِلَافٍ عَنْهُ -
nindex.php?page=showalam&ids=34وَأُبَيُّ بْنُ كَعْبٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنُ مَسْعُودٍ nindex.php?page=showalam&ids=9وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=16972وَمُحَمَّدُ بْنُ سِيرِينَ nindex.php?page=showalam&ids=17188 [وَمَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ ، كَمَا نَقَلَ ذَلِكَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=13042أَبُو الْفَتْحِ عُثْمَانُ بْنُ جِنِّيٍّ فِي كِتَابِهِ الْمُحْتَسِبِ فِي تَوْجِيهِ الْقِرَاءَاتِ ] الشَّوَاذِّ ; وَمَعْنَى قَوْلِ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا لَكَانَ أَنْ لَا يَطُوفَ خَاصَّةً ، وَلَمْ تَرِدْ قِرَاءَةٌ بِالْإِثْبَاتِ ; وَأَمَّا مَعَ قِرَاءَةِ الْإِثْبَاتِ فَإِنَّ الْمَعْنَى يُرْشِدُ إِلَى أَنَّ قِرَاءَةَ النَّفْيِ مِثْلُهَا ، لِأَنَّ كَوْنَهُمَا مِنَ الشَّعَائِرِ يَقْتَضِي التَّطَوُّفَ بِهِمَا لَا إِهْمَالُهُمَا . وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَعْلَمُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ : وَذِكْرُهُ
[ ص: 271 ] تَعَالَى بِالتَّطَوُّفِ الَّذِي هُوَ تَفَعُّلٌ أَيْ : تَشَبُّهٌ بِالطَّوَافِ ، وَمَعَ الْبَيْتِ بِالطَّوَافِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=125أَنْ طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ لَمَّا كَانَ السَّعْيُ تَرَدُّدًا فِي طُولٍ ، وَالْمُرَادُ الْإِحَاطَةُ بِهِمَا ، فَكَانَ فِي الْمَعْنَى كَالطَّوَافِ لَا فِي الصُّورَةِ ، فَجَعَلَهُ لِذَلِكَ تَطَوُّفًا أَيْ : تَشَبُّهًا بِالطَّوَافِ . انْتَهَى .
وَلَمَّا كَانَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ لَمْ يَقْصِدُوا بِتَرْكِ الطَّوَافِ بَيْنَهُمَا إِلَّا الطَّاعَةَ فَأُعْلِمُوا أَنَّ الطَّوَافَ بَيْنَهُمَا طَاعَةٌ ، عَبَّرَ بِمَا يُفِيدُ مَدْحَهُمْ فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158وَمَنْ تَطَوَّعَ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ : أَيْ : كَلَّفَ نَفْسَهُ مُعَاهَدَةَ الْبِرِّ وَالْخَيْرِ مِنْ غَيْرِ اسْتِدْعَاءٍ لَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158خَيْرًا فِيهِ إِعْلَامٌ بِفَضِيلَةِ النَّفَقَةِ فِي الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْهَدْيِ وَوُجُوهِ الْمَرَافِقِ لِلرُّفَقَاءِ بِمَا يُفْهِمُهُ لَفْظُ الْخَيْرِ ، لِأَنَّ عُرْفَ اسْتِعْمَالِهِ فِي خَيْرِ الرِّزْقِ وَالنَّفَقَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=100&ayano=8وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ وَ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=180إِنْ تَرَكَ خَيْرًا وَلَمَّا كَانَ رَفْعُ الْجُنَاحِ تَرْكًا عَادَلَهَا فِي الْخِطَابِ بِإِثْبَاتِ عَمَلِ خَيْرٍ لِيَقَعَ فِي الْخِطَابِ إِثْبَاتٌ يُفِيدُ عَمَلًا حِينَ لَمْ يُفِدِ الْأَوَّلُ إِلَّا تَرْكًا ، فَمَنْ تَحَقَّقَ بِالْإِيمَانِ أَجْزَلَ نَفَقَاتِهِ فِي الْوِفَادَةِ
[ ص: 272 ] عَلَى رَبِّهِ وَاخْتَصَرَ فِي أَغْرَاضِ نَفْسِهِ ، وَمَنْ حُرِمَ النَّصَفَ مِنْ دُنْيَاهُ اقْتَصَرَ فِي نَفَقَاتِهِ فِي وِفَادَتِهِ عَلَى رَبِّهِ وَأَجْزَلَ نَفَقَاتِهِ فِي أَغْرَاضِ نَفْسِهِ وَشَهَوَاتِ عِيَالِهِ ، فَذَلِكَ مِنْ أَعْلَامِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَعْلَامِ الْجَاهِلِينَ ، مَنْ وَفَدَ عَلَى الْمَلِكِ أَجْزَلَ مَا يُقَدِّمُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَإِنَّمَا قَدَّمَهُ بِالْحَقِيقَةِ لِنَفْسِهِ لَا لِرَبِّهِ ، فَمَنْ شَكَرَ نِعْمَةَ اللَّهِ بِإِظْهَارِهَا حِينَ الْوِفَادَةِ ، عَلَيْهِ فِي آيَةِ بِعْثَةٍ إِلَيْهِ وَلِقَائِهِ لَهُ شَكَرَ اللَّهُ لَهُ ذَلِكَ يَوْمَ يَلْقَاهُ ، فَكَانَتْ هَدَايَا اللَّهِ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْظَمَ مِنْ هَدْيِهِ إِلَيْهِ يَوْمَ الْوِفَادَةِ عَلَيْهِ فِي حَجِّهِ وَعُمْرَتِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158فَإِنَّ اللَّهَ أَيِ : الْمُحِيطَ بِجَمِيعِ صِفَاتِ الْكَمَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158شَاكِرٌ أَيْ : مُجَازٍ بِالْأَعْمَالِ مَعَ الْمُضَاعَفَةِ لِثَوَابِهَا ; قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِّيُّ : وَقَوْلُهُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=158عَلِيمٌ فِيهِ تَحْذِيرٌ مِنْ مَدَاخِلِ الرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ فِي إِجْزَالِ النَّفَقَاتِ لِمَا يَغْلُبُ عَلَى النَّفْسِ مِنَ التَّبَاهِي فِي إِظْهَارِ الْخَيْرِ . انْتَهَى .