الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ولما كان الإيمان بالبعث بل الإيقان من المقاصد العظمى في هذه السورة وانتهى إلى هذا السياق الذي هو لتثبيت دعائم القدرة على الإحياء مع تباين المناهج واختلاف الطرق فبين أولا بالرد على الكافر ما يوجب الإيمان وبإشهاد المتعجب ما ختم الإيقان علا عن ذلك البيان في قصة الخليل صلوات الله وسلامه عليه إلى ما يثبت الطمأنينة، وقد قرر سبحانه وتعالى أمر البعث في هذه السورة بعد ما أشارت إليه الفاتحة بيوم الدين أحسن تقرير، فبث نجومه فيها خلال سماوات آياتها وفرق رسومه في أرجائها بين دلائلها وبيناتها فعل الحكيم الذي يلقي ما يريد بالتدريج غير عجل ولا مقصر، فكرر [ ص: 61 ] سبحانه وتعالى ذكره بالآخرة تارة والإحياء أخرى تارة في الدنيا وتارة في الآخرة في مثل قوله

                                                                                                                                                                                                                                      وبالآخرة هم يوقنون كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم بعثناكم من بعد موتكم كذلك يحيي الله الموتى فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم وما كان من أمثاله ونظائره وأشكاله في تلك الأساليب المرادة غالبا بالذات لغيره فاستأنست أنفس المنكرين له [به]، فصار لها استعداد لسماع الاستدلال عليه حتى ساق لهم أمر خليله عليه الصلاة والسلام والتحية والإكرام، فكان كأنه قيل: يا منكري البعث ومظهري العجب منه ومقلدي الآباء في أمره بالأخبار التي أكثرها كاذب! اسمعوا قصة أبيكم إبراهيم صلى الله عليه وسلم التي لقاكم بها الاستدلال على البعث وجمع المتفرق وإعادة الروح بإخبار من لا يتهم بشهادة القرآن الذي أعجزكم عن الإتيان بمثل شيء منه فشهادته شهادة الله لتصيروا من ذلك على علم اليقين بل عين اليقين فقال تعالى: وإذ عطفا على نحو اذكروا ما تلي عليكم من أمر البعث واذكروا قصة أبيكم إبراهيم فيما يدل عليه إذ. وقال الحرالي: ولما [ ص: 62 ] كان أمر منزل القرآن إقامة الدين بمكتوبه وحدوده فأنهاه تعالى منتهى منه ثم نظم به ما نظم من علنه في آية الكرسي ورتب على ذلك دين الإسلام الذي هو إلقاء كإلقاء اليد عند الموت انتظم به أمر المعاد الذي لا مدخل للعباد في أمره فرتب سبحانه وتعالى ذكر المعاد في ثلاثة أحوال: حال الجاحد الذي انتهت غايته إلى [بهت، ثم حال المستبعد الذي انتهت غايته إلى] علم وإيمان، وأنهى الخطاب إلى حال المؤمن الذي انتهى حاله إلى يقين وطمأنينة ورؤية ملكوت في ملكوت الأرض. انتهى، فقال سبحانه وتعالى: وإذ قال إبراهيم ولقد استولى الترتيب والتعبير في هذه الآيات الثلاث على الأمد الأقصى من الحسن، فإنها بدئت بمن أراد أن يخفي ما أوضحته البراهين من أمر الإله في الإحياء بأن ادعى لنفسه المشاركة بإحياء مجازي تلبيسا بلفظ إلى الدال على بعده ولعنه وطرده، ثم بمن استبعد إحياء القرية فأراه الله سبحانه وتعالى كيفية الإحياء الحقيقي آية له وتتميما للرد على ذلك مع الإقبال عليه بالمخاطبة ولذة الملاطفة ثم بمن سأل إكرام الله تعالى له بأن يريه كيف يحيي فيثبت ثم أثبتت ثم أكدت، ومناسبة الثلاث بكونها في إحياء الأشباح بالأرواح [ ص: 63 ] لما قبلها وهو في إحياء الأرواح بأسرار الصلاح أجل مناسبة، فالمراد التحذير عن حال الأول والندب إلى الارتقاء عن درجة الثاني إلى مقام الثالث الذي حقيقته الصدق في الإيمان لرجاء الحيازة مما أكرم به، ولذلك عبر في قصته بقوله وإذ ولم يسقها مساق التعجيب كالأول رب أي أيها المحسن إلي أرني كيف تحي الموتى قال الحرالي: طلب ما هو أهله بما قال تعالى

                                                                                                                                                                                                                                      وكذلك نري إبراهيم ملكوت السماوات والأرض فمن ملكوت الأرض الإحياء، فقرره سبحانه وتعالى على تحقيق ابتداء حاله من تقرر الإيمان فقال مستأنفا: قال ولما كان التقدير: ألم تعلم أني قادر على الإحياء لأني قادر على كل شيء عطف عليه قوله: أولم تؤمن فإن الإيمان يجمع ذلك كله قال بلى فتحقق أن طلبه كيفية الإحياء ليس عن بقية تثبت في الإيمان، فكان في إشعاره أن أكثر طالبي الكيف في الأمور إنما يطلبونه عن وهن في إيمانهم، ومن طلب لتثبت الإيمان مع أن فيما دون الكيف من الآيات كفايته لم ينتفع بالآية في إيمانه، لأن كفايتها فيما دونه ولم يعل لليقين لنقص إيمانه عن تمام حده، فإذا تم الإيمان بحكم آياته التي في موجود حكمة الله في [ ص: 64 ] الدنيا بيناته ترتب عليه برؤية ملكوت شهود الدنيا رتبة اليقين، كما وجد تجربته أهل الكشف من الصادقين في أمر الله حيث أورث لهم اليقين، ومتى شاركهم في أمر من رؤية الكشف أو الكرامات ضعيف الإيمان طلب فيه تأويلا، وربما كان عليه فتنة تنقصه مما كان عنده من حظ من إيمانه حتى ربما داخله نفاق لا ينفك منه إلا أن يستنقذه الله، فلذلك أبدى تعالى خطاب تقريره لخليله صلى الله عليه وسلم على تحقيق الإيمان ليصح الترقي منه إلى رتبة الإيقان، وهو مثل نحو ما تقدم في مطلق قوله سبحانه وتعالى الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور وذكر عن الخليل عليه الصلاة والسلام أنه نظر إلى بدن دابة توزعها دواب البحر ودواب البر وطير الهواء، فتعجب منها وقال: يا رب! قد علمت لتجمعنها فأرني كيف تحييها لأعاين ذلك، فإنما ينبني يقين العيان على تحقيق الإيمان ولكن أريد المعاينة ليطمئن من الطمأنينة وهي الهدو والسكون على سواء الخلقة واعتدال الخلق قلبي من فطر على نيل شيء جبل على الشوق له، فلما كان إبراهيم عليه الصلاة والسلام متهيئا [ ص: 65 ] لقبول الطمأنينة قذف في قلبه طلبها، فأجابه الله بما قد هيأه له، فضرب سبحانه وتعالى له مثلا أراه إياه، جعله جري العيان جلي الإيقان، وذلك أن الله تعالى سبحانه هو الأحد الذي لا يعد ولا يحد وكان من تنزل تجليه لعباده أنه الإله الواحد، والواحد بريء من العد، فكان أول ظهور الخلق هو أول ظهور العد، فأول العد الاثنان ومن كل شيء خلقنا زوجين فالاثنان عد هو خلق كل [واحد] منهما واحدا، فجعل تعالى اثنين كل واحد منهما اثنان لتكون الاثنينية فيه كلا وجزءا فيكون زوجا من زوج، فكان ذلك العد هو الأربع، فجعله الله سبحانه وتعالى أصلا لمخلوقاته فكانت جملتها وتره، فجعل الأقوات من أربع

                                                                                                                                                                                                                                      وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام وجعل الأركان التي خلق منها صور المخلوقات أربعا، وجعل الأقطار أربعا، وجعل الأعمار أربعا، وقال عليه الصلاة والسلام: "خير الرفقاء أربعة، وخير البعوث أربعون، وخير السرايا أربعمائة وخير الجيوش أربعة آلاف" والمربعات في أصول الخلق كثيرة تتبعها العلماء واطلع عليها الحكماء هو الذي بعث في الأميين رسولا [ ص: 66 ] منهم الآية، ولما كان خلق آدم وسائر المخلوقات من مداد الأركان التي هي الماء والتراب والهواء والنار فأظهر منها الصور وصوركم فأحسن صوركم ثم أظهر سبحانه وتعالى قهره بإماتته وإفناء صوره، "كل ابن آدم يأكله التراب إلا عجب الذنب، منه خلق وفيه يركب" فكان بددها في أربعة أقطار شرقا وغربا وشمالا وجنوبا، أرى خليله عليه الصلاة والسلام كيف يدعو خلقه من أقطار آفاقه الأربعة بعد بددها واختلاطها والتئام أجزائها على غير حدها، يقال إن عليا رضي الله تعالى عنه ضرب بيده على قدح من فخار فقال: كم فيه من خد أسيل وعين كحيل! قد علمنا ما تنقص الأرض منهم فأرى تعالى خليله عليه الصلاة والسلام مثلا من جملة ذلك قال فخذ بالفاء تحقيقا لمقاله وتصديقا فيما تحقق من إيمانه وإبداء لاستحقاقه اليقين والطمأنينة بتقرر إيمانه أربعة من الطير هو اسم جمع من معنى ما منه الطيران وهو الخفة من ثقل ما ليس من شأنه أن يعلو في الهواء، جعل تعالى المثل من الطير لأن الأركان المجتمعة في الأبدان طوائر تطير إلى أوكارها ومراكزها التي حددها الله تعالى لها جعلا [ ص: 67 ] فيها لا طبعا واجبا منها، فإن الله عز وجل هو الحكيم الذي جعل الحكمة، فمن أشهده الحكمة وأشهده أنه جاعلها فهو حكيمها، ومن أشهده الحكمة الدنياوية ولم يشهده أنه جاعلها فهو جاهلها، فالحكمة شهود الحكمة مجعولة من الله كل ماهية ممهاة، وكل معنوية ممعناة، وكل حقيقة محققة، فالطبع وما فيه جعل من الله، من جهله ألحد ومن تحققه وحد. كذلك المعقول وما فيه إقباس من الله وإراءة من أمر الله، من تقيد به واعتقده لا ينفك نسبة الحد في الطبع واحتاج إلى ملجإ فتن التأويل في غيب الشرع، وكل ما سوى الحق موضوع معطى حظا وحدا ينال ما أعطى ويعجز عما فوقه، للعقول حد تقف عنده لا تتعداه، فلذلك جعلها تعالى طوائر يقهرها قفص الصورة وتمام التسوية، ويظهر تماسكها نفخ الروح انتهى. وقوله سبحانه وتعالى، فصرهن أي اضممهن إليك أي لتعرف أشكالها فيكون ذلك أثبت في أمرها. قال الحرالي: من الصور وهو استمالة القلوب بالإحسان حتى يشتد إلى المستميل صغوها وميلها، وإشعاره ينبئ والله سبحانه وتعالى أعلم أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام رباهن وغذاهن حتى عرفنه ليكون ذلك مثلا لما لله [ ص: 68 ] سبحانه وتعالى في خلقه من تربيتهم بخلقهم ورزقهم حتى عرفوه بما احتاجوا إليه، فوجدوه معرفة عجز عنه لا معرفة نيل له، فمتى دعاهم من أقطار الآفاق أجابوه إجابة هذه الطوائر لخليله [بحظ] يسير من تربيته لهن، وإذا كانت هذه الأربع مجيبة [ للخليل عليه السلام] بهذا الحظ اليسير من الصور والصغو فكيف تكون إجابة الجملة للجليل العزيز الحكيم! قال تعالى: ثم اجعل عطفا بكلمة المهلة تجاوزا بعد تربيتهن عن ذبحهن ودرسهن وخلطهن حتى صرن لحمة واحدة لا يبين في جملتها شيء من الصور الذاهبة، كما تصير المواليد ترابا عند موتها وتبددها صورة واحدة ترابية ليتطابق المثل والممثول مطابقة تامة إلى ما وراء ذلك من مجاوزة عبرة وروية على كل جبل من الجبال القريبة إليك منهن جزءا والجزء بعض من كل يشابهه كالقطعة من الذهب ونحوه، فجعل الجبال مثل الأقطار وهي لارتفاعها أمكن في الرؤية وأبعد من الاشتباه

                                                                                                                                                                                                                                      إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم جميع لدينا محضرون فإنما هي زجرة واحدة [ ص: 69 ] فإذا هم بالساهرة فما كان بالصيحة والزجرة من الممثول كان بالدعاء في المثل، كما أن ما كان بالخلق والرزق في الممثول كان بالصور في المثل وجعله جزءا حيث كان يشبه بعضه بعضا ثم ادعهن يأتينك سعيا والسعي هو العدو والقصد المسرع يكون في الحس، والمعنى في إتيان الطائر طائرا حظ من منته وفي إتيانه سعيا حظ من ذلته، فلذلك جلبهن عليه سعيا بحال المتذلل الطالب للرزق والأمنة من اليد التي عهد منها الرزق والجنبة التي ألف منها الأمن فبدأ المثل مطابقا للمثول وغايته مرأى عين، فصار موقنا مطمئنا وليس ذلك بأعجب من مشي الأحجار تارة والأشجار كرة وأغصانها أخرى إلى خدمة ولده المصطفى صلى الله عليه وسلم، "وكذا إلحام يد معوذ بن عفراء بعد ما قطعت وجاء يحملها كما ذكر في السير في غزوة بدر، فصارت مثل أختها" في أشياء من أمثال ذلك، على أنه قد كان له من إحياء الموتى ما أذكره في آل عمران ، وكان لآحاد أمته من ذلك ما ذكره البيهقي في الدلائل منه عددا كثيرا، وإنما لم يكثر ذلك على يده صلى الله عليه وسلم لأنه مرسل إلى قوم لا يقرون بالبعث، ومحط الإيمان التصديق بالغيب، فلو كثر وقوع ذلك له صلى الله عليه وسلم [ ص: 70 ] لكشف الغطاء، وإذا كشف الغطاء عوجل من تخلف عن الإيمان بالعذاب وهو نبي الرحمة صلى الله عليه وسلم، وأما عيسى عليه الصلاة والسلام فكان في قوم يؤمنون بالآخرة ففعله ذلك لإظهار المعجزة بنوع أعلى مما كانوا يصلون إليه بالطب، على أنه لا فرق في إظهار الخارق بين واحد وأكثر، والله سبحانه وتعالى الموفق.

                                                                                                                                                                                                                                      ولما أراه سبحانه وتعالى ملكوت الأرض صارت تلك الرؤية علما على عزة الله من وراء الملكوت في محل الجبروت فقال: واعلم أن الله أي المحيط علما وقدرة عزيز ولما كان للعزة صولة لا تقوى لها فطر المخترعين نزل تعالى الخطاب إلى محل حكمته فقال: حكيم فكان فيه إشعار بأنه سبحانه وتعالى جعل الأشياء بعضها من بعض كائنة وبعضها إلى بعض عامدة [وبعضها من ذلك البعض معادة منها خلقناكم وفيها نعيدكم ومنها نخرجكم تارة أخرى وهذه] الحكمة التي أشار إليها اسمه الحكيم حكمة ملكوتية جامعة لوصلة ما بين حكمة الدنيا وحكمة الآخرة، لأن الحكيم بالحقيقة ليس من علمه الله [ ص: 71 ] حكمة الدنيا وألبس عليه جعله لها بل ذلك جاهلها كما تقدم، إنما الحكيم الذي أشهده الله حكمة الدنيا أرضا وأفلاكا ونجوما وآفاقا وموالد وتوالدا، وأشهده أنه حكيمها، ومزج له علم حكمة موجود الدنيا بعلم حكمة موجود الآخرة، وأراه كيفية توالج الحكمتين بعضها في بعض ومآل بعضها إلى بعض حتى يشهد دوران الأشياء في حكمة أمر الآخرة التي هي غيب الدنيا إلى مشهود حكمة الدنيا ثم إلى مشهود حكمة الآخرة كذلك عودا على بدء وبدءا على عود في ظهور غيب الإبداء إلى مشهوده وفي عود مشهوده إلى غيبه قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين كذلك إلى المعاد الأعظم الإنساني يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن فهذا هو الحكيم المتوسط الحكمة، ثم وراء ذلك أمر آخر من على أمر الله في متعالي تجلياته بأسماء وأوصاف يتعالى ويتعاظم للمؤمنين ويتبارك ويستعلن للموقنين الموحدين، فله سبحانه وتعالى العزة في خلقه وأمره وله الحكمة في خلقه وأمره ومن ورائها كلمته التي لا ينفد تفصيل حكمها قل لو كان البحر مدادا وكلماته لا تحد ولا تعد [ ص: 72 ] ولو أنما في الأرض من شجرة أقلام فهو العزيز الحكيم العلي العظيم. انتهى. وهو أعلى من الجوهر الثمين وقد لاح بهذا أن قصد الخليل عليه أفضل الصلاة والسلام الانتقال من علم اليقين إلى عين اليقين بل إلى حق اليقين، وكأنه عد المرتبة الدنيا من الطمأنينة بالنسبة إلى العليا عدما، وقيل: بل كان قصده بالسؤال رؤية المحيي ولكنه طلبها تلويحا فأجيب بالمنع منها بوصف العزة تلويحا، وموسى عليه الصلاة والسلام لما سأل تصريحا أجيب تصريحا، وسؤال الخليل عليه الصلاة والسلام ليس على وجه الشك، وقول النبي صلى الله عليه وسلم "نحن أحق بالشك من إبراهيم" يرشد إلى ذلك، لأنه صلى الله عليه وسلم لم يشك، وإذا انتفى الشك عن الأحق انتفى الشك عن غيره من باب الأولى، ولئن سلمنا فالمراد أنه فعل مثل ما يفعل الشاك إطلاقا لاسم الملزوم على اللازم في الجملة، وأما نفس الشك فقد نفاه القرآن عنه صلى الله عليه وسلم تصريحا بقوله "بلى" وتلويحا بكون هذه الآية عقب آية محاجته لذلك الذي بهت، نقل [ ص: 73 ] أن الشيخ أحمد أخا حجة الإسلام الغزالي [سئل] أيما أعلى المقام الإبراهيمي في سؤال الطمأنينة أو المقام العلوي القائل: لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا؟ فقال: الإبراهيمي لقوله تعالى وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية