الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
[ ص: 136 ] سئل شيخ الإسلام عن معنى حديث nindex.php?page=showalam&ids=1584أبي ذر رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروى عن الله تبارك وتعالى أنه قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=43518يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم يا عبادي كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم يا عبادي كلكم عار إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعا فاستغفروني أغفر لكم يا عبادي إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي : لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان منهم مسألته ; ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم [ ص: 137 ] إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله عز وجل ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } .
[ ص: 138 ] فذهب nindex.php?page=treesubj&link=28785_25984_29442المكذبون بالقدر القائلون : بأن الله لم يخلق أفعال العباد ولم يرد أن يكون إلا ما أمر بأن يكون . وغلاتهم المكذبون بتقدم علم الله وكتابه بما سيكون من أفعال العباد من المعتزلة وغيرهم إلى أن الظلم منه هو نظير الظلم من الآدميين بعضهم لبعض وشبهوه ومثلوه في الأفعال بأفعال العباد حتى كانوا هم ممثلة الأفعال وضربوا لله الأمثال ولم يجعلوا له المثل الأعلى بل أوجبوا عليه وحرموا ما رأوا أنه يجب على العباد ويحرم بقياسه على العباد وإثبات الحكم في الأصل بالرأي وقالوا عن هذا : إذا أمر العبد ولم يعنه بجميع ما يقدر عليه من وجوه الإعانة كان ظالما له والتزموا أنه لا يقدر أن يهدي ضالا كما قالوا : إنه لا يقدر أن يضل مهتديا وقالوا من هذا : إذا أمر اثنين بأمر واحد وخص أحدهما بإعانته على فعل المأمور كان ظالما إلى أمثال ذلك من الأمور التي هي من باب الفضل والإحسان جعلوا تركه لها ظلما .
وكذلك ظنوا أن التعذيب لمن كان فعله مقدرا ظلم له ولم يفرقوا بين التعذيب لمن قام به سبب استحقاق ذلك ومن لم يقم وإن كان ذلك الاستحقاق خلقه لحكمة أخرى عامة أو خاصة .
وهذا الموضع زلت فيه أقدام وضلت فيه أفهام فعارض هؤلاء آخرون من أهل الكلام المثبتين للقدر فقالوا : ليس للظلم منه حقيقة [ ص: 139 ] يمكن وجودها بل هو من الأمور الممتنعة لذاتها فلا يجوز أن يكون مقدورا ولا أن يقال : إنه هو تارك له باختياره ومشيئته وإنما هو من باب الجمع بين الضدين وجعل الجسم الواحد في مكانين وقلب القديم محدثا والمحدث قديما وإلا فمهما قدر في الذهن وكان وجوده ممكنا والله قادر عليه فليس بظلم منه ; سواء فعله أو لم يفعله .
وتلقى هذا القول عن هؤلاء طوائف من أهل الإثبات من الفقهاء وأهل الحديث من أصحاب مالك والشافعي وأحمد وغيرهم ومن شراح الحديث ونحوهم وفسروا هذا الحديث بما ينبني على هذا القول وربما تعلقوا بظاهر من أقوال مأثورة كما روينا عن nindex.php?page=showalam&ids=12444إياس بن معاوية أنه قال : ما ناظرت بعقلي كله أحدا إلا القدرية قلت لهم : ما الظلم ؟ قالوا : أن تأخذ ما ليس لك أو أن تتصرف فيما ليس لك . قلت : فلله كل شيء . وليس هذا من إياس إلا ليبين أن التصرفات الواقعة هي في ملكه فلا يكون ظلما بموجب حدهم وهذا مما لا نزاع بين أهل الإثبات فيه ; فإنهم متفقون مع أهل الإيمان بالقدر على أن كل ما فعله الله فهو عدل .
وفي حديث الكرب الذي رواه الإمام أحمد عن nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=34115ما أصاب عبدا قط هم ولا حزن فقال : اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك ناصيتي بيدك [ ص: 140 ] ماض في حكمك عدل في قضاؤك أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن ربيع قلبي ونور صدري وجلاء حزني وذهاب همي وغمي إلا أذهب الله همه وغمه وأبدله مكانه فرحا . قالوا : يا رسول الله أفلا نتعلمهن ؟ قال : بلى ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن } " فقد بين أن كل قضائه في عبده عدل ; ولهذا يقال : كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل . ويقال : أطعتك بفضلك والمنة لك وعصيتك بعلمك - أو بعدلك - والحجة لك فأسألك بوجوب حجتك علي وانقطاع حجتي إلا ما غفرت لي .
وهذه المناظرة من إياس كما قال ربيعة بن أبي عبد الرحمن لغيلان حين قال له غيلان : نشدتك الله أترى الله يحب أن يعصى ؟ فقال : نشدتك الله أترى الله يعصى قسرا ؟ يعني : قهرا . فكأنما ألقمه حجرا ; فإن قوله : يحب أن يعصى لفظ فيه إجمال وقد لا يتأتى في المناظرة تفسير المجملات خوفا من لدد الخصم فيؤتى بالواضحات فقال : أفتراه يعصى قسرا ؟ فإن هذا إلزام له بالعجز الذي هو لازم للقدرية ولمن هو شر منهم من الدهرية الفلاسفة وغيرهم .
وكذلك إياس رأى أن هذا الجواب المطابق لحدهم خاصم لهم ولم يدخل معهم في التفصيل الذي يطول .
[ ص: 141 ] وبالجملة فقوله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=112ومن يعمل من الصالحات وهو مؤمن فلا يخاف ظلما ولا هضما } قال أهل التفسير من السلف : لا يخاف أن يظلم فيحمل عليه سيئات غيره ولا يهضم فينقص من حسناته ولا يجوز أن يكون هذا الظلم هو شيء ممتنع غير مقدور عليه فيكون التقدير لا يخاف ما هو ممتنع لذاته خارج عن الممكنات والمقدورات ; فإن مثل هذا إذا لم يكن وجوده ممكنا حتى يقولوا : أنه غير مقدور ولو أراده كخلق المثل له فكيف يعقل وجوده ؟ فضلا أن يتصور خوفه حتى ينفي خوفه ثم أي فائدة في نفي خوف هذا ؟ وقد علم من سياق الكلام أن المقصود بيان أن هذا العامل المحسن لا يجزى على إحسانه بالظلم والهضم . فعلم أن الظلم والهضم المنفي يتعلق بالجزاء كما ذكره أهل التفسير وأن الله لا يجزيه إلا بعمله ; ولهذا كان الصواب الذي دلت عليه النصوص : أن الله لا يعذب في الآخرة إلا من أذنب ; كما قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=85لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين } فلو دخلها أحد من غير أتباعه لم تمتلئ منهم ; ولهذا ثبت في الصحيحين في حديث تحاج الجنة والنار من حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة وأنس : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598122إن النار لا تمتلئ ممن كان ألقي فيها حتى ينزوي بعضها إلى بعض وتقول قط قط بعد قولها : { nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=30هل من مزيد } وأما الجنة فيبقى فيها فضل عمن يدخلها من أهل الدنيا فينشئ الله لها خلقا آخر } " .
[ ص: 142 ] ولهذا كان الصواب الذي عليه الأئمة nindex.php?page=treesubj&link=28638فيمن لم يكلف في الدنيا من أطفال المشركين ونحوهم ما صح به الحديث وهو : أن الله أعلم بما كانوا عاملين فلا نحكم لكل منهم بالجنة ولا لكل منهم بالنار بل هم ينقسمون بحسب ما يظهر من العلم إذا كلفوا يوم القيامة في العرصات كما جاءت بذلك الآثار .
والعذاب أعم من العقاب كما قال صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=14362السفر قطعة من العذاب } " .
[ ص: 143 ] وكذلك ظن قوم أن nindex.php?page=treesubj&link=27018انتفاع الميت بالعبادات البدنية من الحي ينافي قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=39وأن ليس للإنسان إلا ما سعى } فليس الأمر كذلك ; فإن انتفاع الميت بالعبادات البدنية من الحي بالنسبة إلى الآية كانتفاعه بالعبادات المالية ومن ادعى أن الآية تخالف أحدهما دون الآخر فقوله ظاهر الفساد بل ذلك بالنسبة إلى الآية كانتفاعه بالدعاء والاستغفار والشفاعة وقد بينا في غير هذا الموضع نحوا من ثلاثين دليلا شرعيا يبين انتفاع الإنسان بسعي غيره ; إذ الآية إنما نفت استحقاق السعي وملكه ; وليس كل ما لا يستحقه الإنسان ولا يملكه لا يجوز أن يحسن إليه مالكه ومستحقه بما ينتفع به منه فهذا نوع وهذا نوع وكذلك ليس كل ما لا يملكه الإنسان لا يحصل له من جهته منفعة ; فإن هذا كذب في الأمور الدينية والدنيوية .
وكذلك قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=30وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب } { nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=31مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد } يبين أن هذا العقاب لم يكن ظلما ; لاستحقاقهم ذلك وإن الله لا يريد الظلم ; والأمر الذي لا يمكن القدرة عليه لا يصلح أن يمدح الممدوح بعدم إرادته وإنما يكون المدح بترك الأفعال إذا كان الممدوح قادرا عليها فعلم أن الله قادر على ما نزه نفسه عنه من الظلم وأنه لا يفعله وبذلك يصح قوله : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=12777إني حرمت الظلم على نفسي } " وأن التحريم هو المنع وهذا لا يجوز أن يكون فيما هو ممتنع لذاته فلا يصلح أن يقال : حرمت على نفسي أو منعت نفسي من خلق مثلي ; أو جعل المخلوقات خالقة ; ونحو ذلك من المحالات . وأكثر ما يقال في تأويل ذلك ما يكون معناه : إني أخبرت عن نفسي بأن ما لا يكون مقدورا لا يكون مني . وهذا المعنى مما يتيقن المؤمن أنه ليس مراد الرب ; وأنه يجب تنزيه الله ورسوله عن إرادة مثل هذا المعنى الذي لا يليق الخطاب بمثله إذ هو مع كونه شبه التكرير وإيضاح الواضح : ليس فيه مدح ولا ثناء ولا ما يستفيده المستمع فعلم أن الذي حرمه على نفسه هو أمر مقدور عليه لكنه لا يفعله ; لأنه حرمه على نفسه ; وهو سبحانه منزه عن فعله مقدس عنه .
[ ص: 145 ] يبين ذلك أن ما قاله الناس في حدود الظلم يتناول هذا دون ذلك كقول بعضهم : الظلم وضع الشيء في غير موضعه كقولهم : من أشبه أباه فما ظلم . أي : فما وضع الشبه غير موضعه ومعلوم أن الله سبحانه حكم عدل لا يضع الأشياء إلا مواضعها ووضعها غير مواضعها ليس ممتنعا لذاته ; بل هو ممكن لكنه لا يفعله لأنه لا يريده ; بل يكرهه ويبغضه ; إذ قد حرمه على نفسه .
وأما من قال : هو التصرف في ملك الغير فهذا ليس بمطرد ولا منعكس فقد يتصرف الإنسان في ملك غيره بحق ولا يكون ظالما وقد يتصرف في ملكه بغير حق فيكون ظالما وظلم العبد نفسه كثير في القرآن . وكذلك من قال : فعل المأمور خلاف ما أمر به ونحو ذلك إن سلم صحة مثل هذا الكلام فالله سبحانه قد كتب على نفسه الرحمة وحرم على نفسه الظلم فهو لا يفعل خلاف ما كتب ولا يفعل ما حرم .
وليس هذا الجواب موضع بسط هذه الأمور التي نبهنا عليها فيه [ ص: 146 ] وإنما نشير إلى النكت وبهذا يتبين القول المتوسط وهو : أن nindex.php?page=treesubj&link=29442_25984الظلم الذي حرمه الله على نفسه مثل : أن يترك حسنات المحسن فلا يجزيه بها ; ويعاقب البريء على ما لم يفعل من السيئات ; ويعاقب هذا بذنب غيره ; أو يحكم بين الناس بغير القسط ; ونحو ذلك من الأفعال التي ينزه الرب عنها لقسطه وعدله وهو قادر عليها وإنما استحق الحمد والثناء لأنه ترك هذا الظلم وهو قادر عليه . وكما أن الله منزه عن صفات النقص والعيب فهو أيضا منزه عن أفعال النقص والعيب .
وعلى قول الفريق الثاني ما ثم فعل يجب تنزيه الله عنه أصلا والكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة وأئمتها يدل على خلاف ذلك ولكن متكلمي أهل الإثبات لما ناظروا متكلمة النفي ألزموهم لوازم لم ينفصلوا عنها إلا بمقابلة الباطل بالباطل وهذا مما عابه الأئمة وذموه كما عاب الأوزاعي والزبيدي والثوري nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وغيرهم مقابلة القدرية بالغلو في الإثبات وأمروا بالاعتصام بالكتاب والسنة وكما عابوا أيضا على من قابل الجهمية نفاة الصفات بالغلو في الإثبات حتى دخل في تمثيل الخالق بالمخلوق . وقد بسطنا الكلام في هذا وهذا وذكرنا كلام السلف والأئمة في هذا في غير هذا الموضع .
ولو قال قائل : هذا مبني على " nindex.php?page=treesubj&link=20690_20691مسألة تحسين العقل وتقبيحه " فمن قال : العقل يعلم به حسن الأفعال وقبحها فإنه ينزه الرب عن بعض [ ص: 147 ] الأفعال ومن قال : لا يعلم ذلك إلا بالسمع فإنه يجوز جميع الأفعال عليه لعدم النهي في حقه قيل له : ليس بناء هذه على تلك بلازم وبتقدير لزومها ففي تلك تفصيل وتحقيق قد بسطناه في موضعه وذلك أنا فرضنا أنا نعلم بالعقل حسن بعض الأفعال وقبحها ; لكن العقل لا يقول : إن الخالق كالمخلوق ; حتى يكون ما جعله حسنا لهذا أو قبيحا له جعله حسنا للآخر أو قبيحا له ; كما يفعل مثل ذلك القدرية ; لما بين الرب والعبد من الفروق الكثيرة . وإن فرضنا أن حسن الأفعال وقبحها لا يعلم إلا بالشرع فالشرع قد دل على أن الله قد نزه نفسه عن أفعال وأحكام - فلا يجوز أن يفعلها - تارة بخبره مثنيا على نفسه بأنه لا يفعلها ; وتارة بخبره أنه حرمها على نفسه .
وهذا يبين المسألة الثانية . فنقول : nindex.php?page=treesubj&link=29442_28776_28778_28785_29625الناس لهم في أفعال الله باعتبار ما يصلح منه ويجوز وما لا يجوز منه ثلاثة أقوال : طرفان ووسط .
فالطرف الواحد : طرف القدرية وهم الذين حجروا عليه أن يفعل إلا ما ظنوا بعقلهم أنه الجائز له حتى وضعوا له شريعة التعديل والتجويز فأوجبوا عليه بعقلهم أمورا كثيرة وحرموا عليه بعقلهم أمورا كثيرة ; لا بمعنى : أن العقل آمر له وناه ; فإن هذا لا يقوله عاقل بل بمعنى : أن تلك الأفعال مما [ ص: 148 ] علم بالعقل وجوبها وتحريمها ولكن أدخلوا في ذلك [ من ] المنكرات ما بنوه على بدعتهم في التكذيب بالقدر وتوابع ذلك .
وفي الصحيحين عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=68439إن الله لما قضى الخلق كتب على نفسه كتابا فهو موضوع عنده فوق العرش : إن رحمتي تغلب غضبي } " ولم يعلم هؤلاء أن الخبر المجرد المطابق للعلم لا يبين وجه فعله وتركه ; إذ العلم يطابق المعلوم ; فعلمه بأنه يفعل هذا وأنه لا يفعل هذا ليس فيه تعرض لأنه كتب هذا على نفسه وحرم هذا على نفسه كما لو أخبر عن كائن من كان أنه يفعل كذا ولا يفعل كذا لم يكن في هذا بيان لكونه محمودا ممدوحا على فعل هذا وترك هذا ; ولا في ذلك ما يبين قيام المقتضي لهذا والمانع من هذا ; فإن الخبر المحض كاشف عن المخبر عنه ; ليس فيه بيان ما يدعو إلى الفعل ولا إلى الترك بخلاف قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12كتب على نفسه الرحمة } { nindex.php?page=hadith&LINKID=598124وحرم على نفسه الظلم } فإن التحريم مانع من الفعل وكتابته على نفسه داعية إلى الفعل ; وهذا بين واضح ; إذ ليس المراد بذلك مجرد كتابته أنه يفعل وهو كتابة التقدير كما قد ثبت في الصحيح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598125أنه قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء } " ; فإنه قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=12كتب على نفسه الرحمة } ولو أريد كتابة التقدير لكان قد كتب على نفسه الغضب كما كتب على نفسه الرحمة ; إذ كان المراد مجرد الخبر عما سيكون ولكان قد حرم على نفسه كل ما لم يفعله من الإحسان كما حرم الظلم .
ونظير ما ذكره من كتابته على نفسه كما تقدم قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=47وكان حقا علينا نصر المؤمنين } وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598126يا معاذ أتدري ما حق الله على عباده ؟ قلت : الله [ ص: 150 ] ورسوله أعلم قال : حقه عليهم أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك قلت ؟ الله ورسوله أعلم . قال : حقهم عليه ألا يعذبهم } " ومنه قوله في غير حديث : " كان حقا على الله أن يفعل به كذا " . فهذا الحق الذي عليه هو أحقه على نفسه بقوله .
ولهذا قال الفقهاء : اليمين إما أن توجب حقا ; أو منعا ; أو تصديقا ; أو تكذيبا . وإذا كان معقولا في الإنسان أنه يكون آمرا مأمورا كقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=53إن النفس لأمارة بالسوء } وقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=79&ayano=40وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى } مع أن العبد له آمر وناه فوقه والرب الذي ليس فوقه أحد لأن يتصور أن يكون هو الآمر الكاتب على نفسه الرحمة والناهي المحرم على نفسه الظلم أولى [ ص: 151 ] وأحرى وكتابته على نفسه ذلك تستلزم إرادته لذلك ومحبته له ورضاه بذلك وتحريمه الظلم على نفسه يستلزم بغضه لذلك وكراهته له وإرادته ومحبته للفعل توجب وقوعه منه وبغضه له وكراهته لأن يفعله يمنع وقوعه منه . فأما ما يحبه ويبغضه من أفعال عباده فذلك نوع آخر ففرق بين فعله هو وبين ما هو مفعول مخلوق له وليس في مخلوقه ما هو ظلم منه وإن كان بالنسبة إلى فاعله الذي هو الإنسان هو ظلم كما أن أفعال الإنسان هي بالنسبة إليه تكون سرقة وزنا وصلاة وصوما والله تعالى خالقها بمشيئته وليست بالنسبة إليه كذلك إذ هذه الأحكام هي للفاعل الذي قام به هذا الفعل كما أن الصفات هي صفات للموصوف الذي قامت به لا للخالق الذي خلقها وجعلها صفات والله تعالى خلق كل صانع وصنعته كما جاء ذلك في الحديث وهو خالق كل موصوف وصفته .
ثم صفات المخلوقات ليست صفات له : كالألوان والطعوم والروائح لعدم قيام ذلك به . وكذلك حركات المخلوقات ليست حركات له ولا أفعالا له بهذا الاعتبار ; لكونها مفعولات هو خلقها . وبهذا الفرق تزول شبه كثيرة والأمر الذي كتبه على نفسه يستحق عليه الحمد والثناء وهو مقدس عن ترك هذا الذي لو ترك لكان تركه نقصا وكذلك الأمر الذي حرمه على نفسه يستحق الحمد والثناء على تركه وهو مقدس عن فعله الذي لو كان لأوجب نقصا .
[ ص: 152 ] وهذا كله بين ولله الحمد عند الذين أوتوا العلم والإيمان وهو أيضا مستقر في قلوب عموم المؤمنين ولكن القدرية شبهوا على الناس بشبههم فقابلهم من قابلهم بنوع من الباطل كالكلام الذي كان السلف والأئمة يذمونه وذلك أن المعتزلة قالوا : قد حصل الاتفاق على أن الله ليس بظالم كما دل عليه الكتاب والسنة والظالم من فعل الظلم كما أن العادل من فعل العدل هذا هو المعروف عند الناس من مسمى هذا الاسم سمعا وعقلا قالوا : ولو كان الله خالقا لأفعال العباد التي هي الظلم لكان ظالما . فعارضهم هؤلاء بأن قالوا : ليس الظالم من فعل الظلم بل الظالم من قام به الظلم . وقال بعضهم : الظالم من اكتسب الظلم وكان منهيا عنه . وقال بعضهم : الظالم من فعل محرما عليه أو ما نهي عنه .
ومنهم من قال : من فعل الظلم لنفسه . وهؤلاء يعنون : أن يكون الناهي له والمحرم عليه غيره الذي يجب عليه طاعته ; ولهذا كان تصور الظلم منه ممتنعا عندهم لذاته ; كامتناع أن يكون فوقه آمر له وناه . ويمتنع عند الطائفتين أن يعود إلى الرب من أفعاله حكم لنفسه .
وهؤلاء لم يمكنهم أن ينازعوا أولئك في أن العادل من فعل العدل بل سلموا ذلك لهم وإن نازعهم بعض الناس منازعة عنادية .
[ ص: 153 ] والذي يكشف تلبيس المعتزلة أن يقال لهم : الظالم والعادل الذي يعرفه الناس وإن كان فاعلا للظلم والعدل فذلك يأثم به أيضا ولا يعرف الناس من يسمى ظالما ولم يقم به الفعل الذي به صار ظالما بل لا يعرفون ظالما إلا من قام به الفعل الذي فعله وبه صار ظالما ; وإن كان فعله متعلقا بغيره وله مفعول منفصل عنه . لكن لا يعرفون الظالم إلا بأن يكون قد قام به ذلك فكونكم أخذتم في حد الظالم أنه من فعل الظلم وعنيتم بذلك من فعله في غيره . فهذا تلبيس وإفساد للشرع والعقل واللغة كما فعلتم في مسمى المتكلم حيث قلتم : هو من فعل الكلام ولو في غيره . وجعلتم من أحدث كلاما منفصلا عنه قائما بغيره متكلما وإن لم يقم به هو كلام أصلا . وهذا من أعظم البهتان والقرمطة والسفسطة .
وهذا يستوعب أنواع الكفر ولهذا كان من الأمر البين للخاصة والعامة أن من قال : المتكلم لا يقوم به كلام أصلا . فإن حقيقة قوله أنه ليس بمتكلم ; إذ ليس المتكلم إلا هذا ولهذا كان أولوهم يقولون : ليس بمتكلم . ثم قالوا : هو متكلم بطريق المجاز وذلك لما استقر في الفطر أن المتكلم لا بد أن يقوم به كلام وإن كان مع ذلك فاعلا له كما يقوم بالإنسان كلامه وهو كاسب له . أما أن يجعل مجرد إحداث الكلام في غيره كلاما له : فهذا هو الباطل .
وهكذا القول في الظلم فهب أن الظالم من فعل الظلم فليس هو من فعله في غيره ولم يقم به فعل أصلا بل لا بد أن يكون قد قام به فعل وإن كان متعديا إلى غيره فهذا جواب . ثم يقال لهم : الظلم فيه نسبة وإضافة فهو ظلم من الظالم بمعنى : أنه عدوان وبغي منه وهو ظلم للمظلوم بمعنى أنه بغي واعتداء عليه . وأما من لم يكن متعدى عليه به ولا هو منه عدوان على غيره فهو في حقه ليس بظلم لا منه ولا له .
[ ص: 155 ] والله سبحانه إذا nindex.php?page=treesubj&link=28785خلق أفعال العباد فذلك من جنس خلقه لصفاتهم فهم الموصوفون بذلك فهو سبحانه إذا جعل بعض الأشياء أسود وبعضها أبيض أو طويلا أو قصيرا أو متحركا أو ساكنا أو عالما أو جاهلا أو قادرا أو عاجزا أو حيا أو ميتا أو مؤمنا أو كافرا أو سعيدا أو شقيا أو ظالما أو مظلوما : كان ذلك المخلوق هو الموصوف بأنه الأبيض والأسود والطويل والقصير والحي والميت والظالم والمظلوم ونحو ذلك . والله سبحانه لا يوصف بشيء من ذلك وإنما إحداثه للفعل الذي هو ظلم من شخص وظلم لآخر بمنزلة إحداثه الأكل والشرب الذي هو أكل من شخص وأكل لآخر وليس هو بذلك آكلا ولا مأكولا .
ونظائر هذا كثيرة . وإن كان في خلق أفعال العباد لازمها ومتعديها حكم بالغة كما له حكمة بالغة في خلق صفاتهم وسائر المخلوقات ; لكن ليس هذا موضع تفصيل ذلك . وقد ظهر بهذين الوجهين تدليس القدرية .
وأما تلك الحدود التي عورضوا بها فهي دعاو ومخالفة أيضا للمعلوم من الشرع واللغة والعقل أو مشتملة على نوع من الإجمال فإن قول القائل : الظالم من قام به الظلم يقتضي أنه لا بد أن يقوم به لكن يقال له : وإن لم يكن فاعلا له آمرا له لا بد أن يكون فاعلا له [ ص: 156 ] مع ذلك فإن أراد الأول كان اقتصاره على تفسير الظالم بمن قام به الظلم كاقتصار أولئك على تفسير الظالم في فعل الظلم والذي يعرفه الناس عامهم وخاصهم أن الظالم فاعل للظلم وظلمه فعل قائم به وكل من الفريقين جحد بعض الحق .
وأما قولهم : من nindex.php?page=treesubj&link=28785_29494فعل محرما عليه أو منهيا عنه ونحو ذلك فالإطلاق صحيح . لكن يقال : قد دل الكتاب والسنة على أن الله تعالى كتب على نفسه الرحمة وكان حقا عليه نصر المؤمنين وكان حقا عليه أن يجزي المطيعين وأنه حرم الظلم على نفسه فهو سبحانه الذي حرم بنفسه على نفسه الظلم كما أنه هو الذي كتب بنفسه على نفسه الرحمة لا يمكن أن يكون غيره محرما عليه أو موجبا عليه فضلا عن أن يعلم ذلك بعقل أو غيره وإذا كان كذلك فهذا الظلم الذي حرمه على نفسه هو ظلم بلا ريب وهو أمر ممكن مقدور عليه وهو سبحانه يتركه مع قدرته عليه بمشيئته واختياره لأنه عادل ليس بظالم كما يترك عقوبة الأنبياء والمؤمنين وكما يترك أن يحمل البريء ذنوب المعتدين .
فصل nindex.php?page=treesubj&link=25985_25987_25986قوله : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598127وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا } " ينبغي أن يعرف أن هذا الحديث شريف القدر عظيم المنزلة ولهذا كان الإمام أحمد [ ص: 157 ] يقول : هو أشرف حديث لأهل الشام وكان nindex.php?page=showalam&ids=11811أبو إدريس الخولاني إذا حدث به جثا على ركبتيه . وراويه nindex.php?page=showalam&ids=1584أبو ذر الذي ما أظلت الخضراء ولا أقلت الغبراء أصدق لهجة منه وهو من الأحاديث الإلهية التي رواها الرسول صلى الله عليه وسلم عن ربه وأخبر أنها من كلام الله تعالى وإن لم تكن قرآنا وقد جمع في هذا الباب زاهر السحامي وعبد الغني المقدسي وأبو عبد الله المقدسي وغيرهما .
وهذا الحديث قد تضمن من قواعد الدين العظيمة في العلوم والأعمال والأصول والفروع ; فإن تلك الجملة الأولى وهي قوله : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=12777حرمت الظلم على نفسي } " يتضمن جل مسائل الصفات والقدر إذا أعطيت حقها من التفسير وإنما ذكرنا فيها ما لا بد من التنبيه عليه من أوائل النكت الجامعة .
ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد كما قال من قال من السلف : صنفان إذا صلحوا صلح الناس : الأمراء والعلماء . وقالوا في قوله تعالى { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم } أقوالا تجمع العلماء والأمراء ولهذا نص الإمام أحمد وغيره على دخول الصنفين في هذه الآية ؟ إذ كل منهما تجب طاعته فيما يقوم به من طاعة الله وكان نواب رسول الله صلى الله عليه وسلم في حياته كعلي ومعاذ وأبي موسى وعتاب بن أسيد وعثمان بن أبي العاص وأمثالهم يجمعون الصنفين . وكذلك خلفاؤه من بعده كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي ونوابهم .
ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس صاحب الكتاب والذي يقوم بالجهاد صاحب الحديد . إلى أن تفرق الأمر بعد ذلك فإذا تفرق صار كل من قام بأمر الحرب من جهاد الكفار وعقوبات الفجار يجب أن يطاع فيما يأمر به من طاعة الله في ذلك وكذلك من قام بجمع الأموال وقسمها يجب أن يطاع فيما يأمر به من طاعة الله في ذلك وكذلك من قام بالكتاب بتبليغ أخباره وأوامره وبيانها يجب أن يصدق ويطاع فيما أخبر به من الصدق في ذلك وفيما يأمر به من طاعة الله في ذلك .
وقد جاء عن غير واحد من السلف . وروي مرفوعا { nindex.php?page=hadith&LINKID=68447الظلم ثلاثة دواوين : فديوان لا يغفر الله منه شيئا وديوان لا يترك الله منه شيئا وديوان لا يعبأ الله به شيئا . فأما الديوان الذي لا يغفر الله منه شيئا فهو الشرك ; فإن الله لا يغفر أن يشرك به . وأما الديوان الذي لا يترك الله منه شيئا فهو ظلم العباد بعضهم بعضا ; فإن الله لا بد أن ينصف المظلوم من الظالم . وأما الديوان الذي لا يعبأ الله به شيئا فهو ظلم العبد نفسه فيما بينه وبين [ ص: 162 ] ربه } أي : مغفرة هذا الضرب ممكنة بدون رضى الخلق ; فإن شاء عذب هذا الظالم لنفسه وإن شاء غفر له .
وقد بسطنا الكلام في هذه الأبواب الشريفة والأصول الجامعة في القواعد وبينا nindex.php?page=treesubj&link=25985أنواع الظلم وبينا كيف كان الشرك أعظم أنواع الظلم ومسمى الشرك جليله ودقيقه ؟ فقد جاء في الحديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598130الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النمل } " . وروي أن هذه الآية نزلت في أهل الرياء { nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=110فمن كان يرجوا لقاء ربه فليعمل عملا صالحا ولا يشرك بعبادة ربه أحدا } وكان شداد بن أوس يقول : يا بقايا العرب يا بقايا العرب إنما أخاف عليكم الرياء والشهوة الخفية . قال nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود السجستاني صاحب السنن المشهورة : الخفية حب الرياسة . وذلك أن حب الرياسة هو أصل البغي والظلم كما أن الرياء هو من جنس الشرك أو مبدأ الشرك .
وكان يكثر في كلام السلف : هذا لا يصلح أو يصلح كما كثر في كلام المتأخرين يصح ولا يصح والله تعالى إنما خلق الإنسان لعبادته وبدنه تبع لقلبه كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=70117ألا إن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح لها سائر الجسد . وإذا فسدت فسد لها سائر الجسد ألا وهي القلب } " وصلاح القلب : في أن يحصل له وبه المقصود الذي خلق له من [ ص: 164 ] معرفة الله ومحبته وتعظيمه وفساده في ضد ذلك . فلا صلاح للقلوب بدون ذلك قط .
والقلب له قوتان : العلم ; والقصد كما أن للبدن الحس ; والحركة الإرادية فكما أنه متى خرجت قوى الحس والحركة عن الحال الفطري الطبيعي فسدت . فإذا خرج القلب عن الحال الفطرية التي يولد عليها كل مولود وهي أن يكون مقرا لربه مريدا له فيكون هو منتهى قصده وإرادته . وذلك هي العبادة ; إذ العبادة : كمال الحب بكمال الذل فمتى لم تكن حركة القلب ووجهه وإرادته لله تعالى كان فاسدا ; إما بأن يكون معرضا عن الله وعن ذكره غافلا عن ذلك مع تكذيب أو بدون تكذيب أو بأن يكون له ذكر وشعور ولكن قصده وإرادته غيره لكون الذكر ضعيفا لم يجتذب القلب إلى إرادة الله ومحبته وعبادته . وإلا فمتى قوي علم القلب وذكره أوجب قصده وعلمه قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=29فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحياة الدنيا } { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30ذلك مبلغهم من العلم } فأمر نبيه بأن يعرض عمن كان معرضا عن ذكر الله ولم يكن له مراد إلا ما يكون في الدنيا .
وهذه حال من فسد قلبه ; ولم يذكر ربه ; ولم ينب إليه فيريد وجهه ويخلص له الدين . ثم قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=30ذلك مبلغهم من العلم } فأخبر أنهم [ ص: 165 ] لم يحصل لهم علم فوق ما يكون في الدنيا ; فهي أكبر همهم ومبلغ علمهم . وأما المؤمن فأكبر همه هو الله وإليه انتهى علمه وذكره . وهذا الآن باب واسع عظيم قد تكلمنا عليه في مواضعه .
وإذا كان nindex.php?page=treesubj&link=28656التوحيد أصل صلاح الناس والإشراك أصل فسادهم والقسط مقرون بالتوحيد ; إذ التوحيد أصل العدل ; وإرادة العلو مقرونة بالفساد ; إذ هو أصل الظلم فهذا مع هذا وهذا مع هذا كالملزوزين في قرن فالتوحيد وما يتبعه من الحسنات هو صلاح وعدل ; ولهذا كان الرجل الصالح هو القائم بالواجبات ; وهو البر ; وهو العدل . والذنوب التي فيها تفريط أو عدوان في حقوق الله تعالى وحقوق عباده هي فساد وظلم ; ولهذا سمي قطاع الطريق مفسدين وكانت عقوبتهم حقا لله تعالى لاجتماع الوصفين والذي يريد العلو على غيره من أبناء جنسه هو ظالم له باغ ; إذ ليس كونك عاليا عليه بأولى من كونه عاليا عليك وكلاكما من جنس واحد فالقسط والعدل أن يكونوا إخوة كما وصف الله المؤمنين بذلك .
وقد دل على هذا قوله في الحديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=43518يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا } " فإن هذا خطاب لجميع العباد أن لا يظلم أحد أحدا وأمر العالم في الشريعة مبني على هذا وهو العدل في الدماء والأموال ; والأبضاع والأنساب ; والأعراض . ولهذا جاءت السنة بالقصاص في ذلك ومقابلة العادي بمثل فعله . لكن المماثلة قد يكون علمها أو عملها متعذرا أو متعسرا ; ولهذا يكون الواجب ما يكون أقرب إليها بحسب الإمكان ويقال : هذا أمثل ; وهذا أشبه . وهذه الطريقة المثلى لما كان أمثل بما هو العدل والحق في نفس الأمر ; إذ ذاك معجوز عنه ولهذا قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152وأوفوا الكيل والميزان بالقسط لا نكلف نفسا إلا وسعها } فذكر أنه لم يكلف نفسا إلا وسعها حين أمر بتوفية الكيل والميزان بالقسط ; لأن الكيل لا بد له أن يفضل أحد المكيلين على الآخر ولو بحبة أو حبات وكذلك التفاضل في الميزان قد يحصل بشيء يسير لا يمكن الاحتراز منه فقال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=152لا نكلف نفسا إلا وسعها } .
ولهذا كان القصاص مشروعا إذا أمكن استيفاؤه من غير جنف nindex.php?page=treesubj&link=9174كالاقتصاص في الجروح التي تنتهي إلى عظم . وفي الأعضاء التي تنتهي إلى مفصل فإذا كان الجنف واقعا في الاستيفاء عدل إلى بدله وهو [ ص: 168 ] الدية ; لأنه أشبه بالعدل من إتلاف زيادة في المقتص منه وهذه حجة من رأى من الفقهاء أنه لا قود إلا بالسيف في العنق قال : لأن القتل بغير السيف وفي غير العنق لا نعلم فيه المماثلة بل قد يكون التحريق والتغريق والتوسيط ونحو ذلك أشد إيلاما ; لكن الذين قالوا : يفعل به مثل ما فعل قولهم أقرب إلى العدل ; فإنه مع تحري التسوية بين الفعلين يكون العبد قد فعل ما يقدر عليه من العدل وما حصل من تفاوت الألم خارج عن قدرته .
وأما إذا قطع يديه ورجليه ثم وسطه فقوبل ذلك بضرب عنقه بالسيف ; أو رض رأسه بين حجرين فضرب بالسيف فهنا قد تيقنا عدم المعادلة والمماثلة . وكنا قد فعلنا ما تيقنا انتفاء المماثلة فيه وأنه يتعذر معه وجودها بخلاف الأول فإن المماثلة قد تقع ; إذ التفاوت فيه غير متيقن .
وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=10572_9174القصاص في الضربة واللطمة ونحو ذلك عدل عنه طائفة من الفقهاء إلى التعزير ; لعدم إمكان المماثلة فيه . والذي عليه الخلفاء الراشدون وغيرهم من الصحابة وهو منصوص أحمد : ما جاءت به سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم من ثبوت القصاص به ; لأن ذلك أقرب إلى العدل والمماثلة . فإنا إذا تحرينا أن نفعل به من جنس فعله ونقرب [ ص: 169 ] القدر من القدر كان هذا أمثل من أن نأتي بجنس من العقوبة تخالف عقوبته جنسا وقدرا وصفة .
وهذا النظر أيضا في nindex.php?page=treesubj&link=25467_25468_25469ضمان الحيوان والعقار ونحو ذلك بمثله تقريبا أو بالقيمة كما نص أحمد على ذلك في مواضع ضمان الحيوان وغيره . ونص عليه الشافعي فيمن nindex.php?page=treesubj&link=16763_16770خرب حائط غيره : أنه يبنيه كما كان . وبهذا قضى سليمان عليه السلام في حكومة الحرث التي حكم فيها هو وأبوه ; كما قد بين ذلك في موضعه .
فجميع هذه الأبواب المقصود للشريعة فيها تحري العدل بحسب الإمكان وهو مقصود العلماء لكن أفهمهم من قال بما هو أشبه بالعدل في نفس الأمر وإن كان كل منهم قد أوتي علما وحكما ; لأنه هو الذي أنزل الله به الكتب وأرسل به الرسل وضده الظلم كما قال سبحانه : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=43518يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا } " .
ولما كان العدل لا بد أن يتقدمه علم - إذ من لا يعلم لا يدري ما العدل ؟ والإنسان ظالم جاهل إلا من تاب الله عليه فصار عالما عادلا - صار الناس من القضاة وغيرهم ثلاثة أصناف : العالم الجائر والجاهل الظالم ; فهذان من أهل النار كما قال النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 170 ] " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598131القضاة ثلاثة : قاضيان في النار وقاض في الجنة : رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ; ورجل قضى للناس على جهل فهو في النار ; ورجل علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار } " فهذان القسمان كما قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=36958من قال في القرآن برأيه فأصاب فقد أخطأ ومن قال في القرآن برأيه فأخطأ فليتبوأ مقعده من النار } " .
وكل من حكم بين اثنين فهو قاض سواء كان صاحب حرب أو متولي ديوان أو منتصبا للاحتساب بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حتى الذي يحكم بين الصبيان في الخطوط فإن الصحابة كانوا يعدونه من الحكام . ولما كان الحكام مأمورين بالعدل والعلم وكان المفروض إنما هو بما يبلغه جهد الرجل قال النبي صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=87504إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر } " .
فصل فلما ذكر في أول الحديث nindex.php?page=treesubj&link=25986_19514_19827ما أوجبه من العدل وحرمه من الظلم على نفسه وعلى عباده : ذكر بعد ذلك إحسانه إلى عباده مع غناه عنهم وفقرهم إليه وأنهم لا يقدرون على جلب منفعة لأنفسهم ولا دفع مضرة إلا أن يكون هو الميسر لذلك . وأمر العباد أن يسألوه ذلك وأخبر [ ص: 171 ] أنهم لا يقدرون على نفعه ولا ضره مع عظم ما يوصل إليهم من النعماء ; ويدفع عنهم من البلاء . وجلب المنفعة ودفع المضرة إما أن يكون في الدين أو في الدنيا ; فصارت أربعة أقسام : الهداية : والمغفرة ; وهما : جلب المنفعة ودفع المضرة في الدين والطعام ; والكسوة وهما : جلب المنفعة ودفع المضرة في الدنيا . وإن شئت قلت : nindex.php?page=treesubj&link=29557الهداية والمغفرة يتعلقان بالقلب الذي هو ملك البدن وهو الأصل في الأعمال الإرادية . والطعام والكسوة يتعلقان بالبدن : الطعام لجلب منفعته واللباس لدفع مضرته .
والقسم الثالث : الهدى الذي هو جعل الهدى في القلوب . وهو الذي يسميه بعضهم بالإلهام والإرشاد وبعضهم يقول : هو خلق القدرة على الإيمان ; كالتوفيق عندهم ونحو ذلك وهو بناء على أن الاستطاعة لا تكون إلا مع الفعل فمن قال ذلك من أهل الإثبات جعل التوفيق والهدى ونحو ذلك خلق القدرة على الطاعة .
وأما من قال : إنهما استطاعتان : إحداهما : قبل الفعل وهي الاستطاعة المشروطة في التكليف كما قال تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ولله على الناس حج البيت من استطاع إليه سبيلا } [ ص: 173 ] وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=20742صل قائما فإن لم تستطع فقاعدا فإن لم تستطع فعلى جنب } " وهذه الاستطاعة يقترن بها الفعل تارة والترك أخرى وهي الاستطاعة التي لم تعرف القدرية غيرها كما أن أولئك المخالفين لهم من أهل الإثبات لم يعرفوا إلا المقارنة . وأما الذي عليه المحققون من أئمة الفقه والحديث والكلام وغيرهم فإثبات النوعين جميعا كما قد بسطناه في غير هذا الموضع ; فإن الأدلة الشرعية والعقلية تثبت النوعين جميعا .
وهذا هو الذي nindex.php?page=treesubj&link=28785_28778_28836تنكر القدرية أن يكون الله هو الفاعل له ويزعمون أن العبد هو الذي يهدي نفسه . وهذا الحديث وأمثاله حجة عليهم ; حيث nindex.php?page=treesubj&link=28786_29442_28785قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=43518يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم } فأمر العباد بأن يسألوه الهداية كما أمرهم بذلك في أم [ ص: 174 ] الكتاب في قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم } وعند القدرية أن الله لا يقدر من الهدى إلا على ما فعله من : إرسال الرسل ونصب الأدلة وإزاحة العلة ولا مزية عندهم للمؤمن على الكافر في هداية الله تعالى ولا نعمة له على المؤمن أعظم من نعمته على الكافر في باب الهدى .
وقد بين الاختصاص في هذه بعد عموم الدعوة في قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=25والله يدعو إلى دار السلام ويهدي من يشاء إلى صراط مستقيم } فقد جمع الحديث : تنزيهه عن الظلم الذي يجوزه عليه بعض المثبتة وبيان أنه هو الذي يهدي عباده ردا على القدرية . فأخبر هناك بعدله الذي يذكره بعض المثبتة وأخبر هنا بإحسانه وقدرته الذي تنكره القدرية وإن كان كل منهما قصده تعظيما لا يعرف ما اشتمل عليه قوله .
ولهذا قال من قال من السلف : أن nindex.php?page=treesubj&link=28847من ثواب الحسنة الحسنة بعدها وأن nindex.php?page=treesubj&link=29494_28847من عقوبة السيئة السيئة بعدها . وقد شاع في لسان العامة أن قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واتقوا الله ويعلمكم الله } من الباب الأول ; حيث يستدلون بذلك على أن التقوى سبب تعليم الله وأكثر الفضلاء يطعنون في هذه الدلالة لأنه لم يربط الفعل الثاني بالأول ربط الجزاء بالشرط فلم يقل ; واتقوا الله ويعلمكم ولا قال فيعلمكم . وإنما أتى بواو العطف وليس من العطف ما يقتضي أن الأول سبب الثاني وقد يقال العطف قد يتضمن معنى الاقتران والتلازم كما يقال : زرني وأزورك ; وسلم علينا ونسلم [ ص: 178 ] عليك ونحو ذلك مما يقتضي اقتران الفعلين والتعاوض من الطرفين كما لو قال لسيده : أعتقني ولك علي ألف ; أو قالت المرأة لزوجها طلقني ولك ألف ; أو اخلعني ولك ألف ; فإن ذلك بمنزلة قولها بألف أو علي ألف .
وكذلك أيضا لو قال : أنت حر وعليك ألف أو أنت طالق وعليك ألف ; فإنه كقوله : علي ألف أو بألف عند جمهور الفقهاء . والفرق بينهما قول شاذ ويقول أحد المتعاوضين للآخر : أعطيك هذا وآخذ هذا ونحو ذلك من العبارات فيقول الآخر : نعم وإن لم يكن أحدهما هو السبب للآخر دون العكس . فقوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282واتقوا الله ويعلمكم الله } قد يكون من هذا الباب فكل من تعليم الرب وتقوى العبد يقارب الآخر ويلازمه ويقتضيه فمتى علمه الله العلم النافع اقترن به التقوى بحسب ذلك ومتى اتقاه زاده من العلم وهلم جرا .
ومن هنا يعرف أن السبب المأمور به أو المباح لا ينافي وجوب التوكل على الله في وجود السبب ; بل الحاجة والفقر إلى الله ثابتة مع فعل السبب ; إذ ليس في المخلوقات ما هو وحده سبب تام لحصول المطلوب ; ولهذا لا يجب أن تقترن الحوادث بما قد يجعل سببا إلا بمشيئة الله تعالى ; فإنه ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن .
وقد روى أبو داود في سننه { nindex.php?page=hadith&LINKID=68455أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى بين رجلين . فقال المقضي عليه : حسبي الله ونعم الوكيل فقال النبي صلى الله عليه وسلم إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس فإن غلبك أمر فقل : حسبي الله ونعم الوكيل } " .
وفي صحيح مسلم عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598133المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز فإن أصابك شيء فلا تقل : لو أني فعلت لكان كذا وكذا ولكن قل : قدر الله وما شاء فعل فإن لو تفتح عمل الشيطان } " ففي قوله صلى الله عليه وسلم " { nindex.php?page=hadith&LINKID=55855احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز } " أمر بالتسبب المأمور به وهو الحرص على المنافع . وأمر مع [ ص: 182 ] ذلك بالتوكل وهو الاستعانة بالله فمن اكتفى بأحدهما فقد عصى أحد الأمرين ونهى عن العجز الذي هو ضد الكيس . كما قال في الحديث الآخر : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=68456إن الله يلوم على العجز ولكن عليك بالكيس } " وكما في الحديث الشامي : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=14773الكيس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت والعاجز من اتبع نفسه هواها وتمنى على الله } " فالعاجز في الحديث مقابل الكيس ومن قال : العاجز هو مقابل البر فقد حرف الحديث ولم يفهم معناه . ومنه الحديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=28765كل شيء بقدر حتى العجز والكيس } " .
ومن ذلك ما روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس قال : كان أهل اليمن يحجون ولا يتزودون يقولون : نحن المتوكلون فإذا قدموا سألوا الناس ; فقال الله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=197وتزودوا فإن خير الزاد التقوى } فمن فعل ما أمر به من التزود فاستعان به على طاعة الله وأحسن منه إلى من يكون محتاجا كان مطيعا لله في هذين الأمرين بخلاف من ترك ذلك ملتفتا إلى أزواد الحجيج كلا على الناس ; وإن كان مع هذا قلبه غير ملتفت إلى معين فهو ملتفت إلى الجملة لكن إن كان المتزود غير قائم بما يجب عليه من التوكل على الله ومواساة المحتاج فقد يكون في تركه لما أمر به من جنس هذا التارك للتزود المأمور به .
[ ص: 183 ] وفي هذه النصوص بيان غلط طوائف : طائفة تضعف أمر السبب المأمور به فتعده نقصا أو قدحا في التوحيد والتوكل وإن تركه من كمال التوكل والتوحيد وهم في ذلك ملبوس عليهم وقد يقترن بالغلط اتباع الهوى في إخلاد النفس إلى البطالة ولهذا تجد عامة هذا الضرب التاركين لما أمروا به من الأسباب يتعلقون بأسباب دون ذلك ; فإما أن يعلقوا قلوبهم بالخلق رغبة ورهبة وإما أن يتركوا لأجل ما تبتلوا له من الغلو في التوكل واجبات أو مستحبات أنفع لهم من ذلك كمن يصرف همته في توكله إلى شفاء مرضه بلا دواء أو نيل رزقه بلا سعي فقد يحصل ذلك لكن كان مباشرة الدواء الخفيف والسعي اليسير وصرف تلك الهمة والتوجه في عمل صالح : أنفع له بل قد يكون أوجب عليه من تبتله لهذا الأمر اليسير الذي قدره درهم أو نحوه .
وفوق هؤلاء من يجعل nindex.php?page=treesubj&link=28679_19656_19651_19646_28788_28787_28790_28791التوكل والدعاء أيضا نقصا وانقطاعا عن الخاصة ظنا أن ملاحظة ما فرغ منه في القدر هو حال الخاصة .
وقد قال في هذا الحديث : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=68457كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم } " وقال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598134فاستكسوني أكسكم } " وفي الطبراني أو غيره عن النبي صلى الله عليه وسلم . قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598135ليسأل أحدكم ربه حاجته كلها حتى شسع نعله إذا انقطع فإنه إن لم ييسره لم يتيسر } " . وهذا قد يلزمه أن يجعل أيضا استهداء الله وعمله بطاعته من ذلك [ ص: 184 ] وقولهم يوجب دفع المأمور به مطلقا ; بل دفع المخلوق والمأمور وإنما غلطوا من حيث ظنوا [ أن ] سبق التقدير يمنع أن يكون بالسبب المأمور به كمن nindex.php?page=treesubj&link=28679_28790_19647_28788يتزندق فيترك الأعمال الواجبة بناء على أن القدر قد سبقه بأهل السعادة وأهل الشقاوة ولم يعلم أن القدر سبق بالأمور على ما هي عليه فمن قدره الله من أهل السعادة كان مما قدره الله تيسيره لعمل أهل السعادة ومن قدره من أهل الشقاء كان مما قدره أن ييسره لعمل أهل الشقاء كما قد أجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا السؤال في حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب وعمران بن حصين وسراقة بن جعشم وغيرهم .
ومنه حديث الترمذي : حدثنا ابن أبي عمر حدثنا سفيان عن الزهري عن { nindex.php?page=hadith&LINKID=598136أبي خزامة عن أبيه . قال : سألت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت : يا رسول الله أرأيت أدوية نتداوى بها ورقى نسترقي بها وتقاة نتقيها هل ترد من قدر الله شيئا ؟ فقال : هي من قدر الله } " .
وطائفة تظن أن التوكل إنما هو من مقامات الخاصة المتقربين إلى الله بالنوافل وكذلك قولهم في أعمال القلوب وتوابعها كالحب والرجاء والخوف والشكر ونحو ذلك . وهذا ضلال مبين بل جميع هذه الأمور فروض على الأعيان باتفاق أهل الإيمان ومن تركها بالكلية [ ص: 185 ] فهو : إما كافر وإما منافق لكن الناس هم فيها كما هم في الأعمال الظاهرة فمنهم ظالم لنفسه ; ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ونصوص الكتاب والسنة طافحة بذلك وليس هؤلاء المعرضون عن هذه الأمور علما وعملا بأقل لوما من التاركين لما أمروا به من أعمال ظاهرة مع تلبسهم ببعض هذه الأعمال بل استحقاق الذم والعقاب يتوجه إلى من ترك المأمور من الأمور الباطنة والظاهرة وإن كانت الأمور الباطنة مبتدأ الأمور الظاهرة وأصولها والأمور الظاهرة كمالها وفروعها التي لا تتم إلا بها .
[ ص: 187 ] وكذلك nindex.php?page=treesubj&link=19709_19724توبة القاتل ونحوه وحديث أبي سعيد المتفق عليه في الذي قتل تسعة وتسعين نفسا يدل على قبول توبته وليس في الكتاب والسنة ما ينافي ذلك ولا نصوص الوعيد - فيه وفي غيره من الكبائر - بمنافية لنصوص قبول التوبة فليست آية الفرقان بمنسوخة بآية النساء ; إذ لا منافاة بينهما فإنه قد علم يقينا أن كل ذنب فيه وعيد فإن لحوق الوعيد مشروط بعدم التوبة ; إذ نصوص التوبة مبينة لتلك النصوص كالوعيد في الشرك وأكل الربا وأكل مال اليتيم والسحر وغير ذلك من الذنوب . ومن قال من العلماء : توبته غير مقبولة . فحقيقة قوله التي تلائم أصول الشريعة أن يراد بذلك أن التوبة المجردة تسقط حق الله من العقاب .
وأما حق المظلوم فلا يسقط بمجرد التوبة وهذا حق . ولا فرق في ذلك بين القاتل وسائر الظالمين . nindex.php?page=treesubj&link=19715_19709_19720_27342فمن تاب من ظلم لم يسقط بتوبته حق المظلوم لكن من تمام توبته أن يعوضه بمثل مظلمته . وإن لم يعوضه في الدنيا فلا بد له من العوض في الآخرة فينبغي للظالم التائب أن يستكثر من الحسنات حتى إذا استوفى المظلومون حقوقهم لم يبق مفلسا . ومع هذا فإذا شاء الله أن يعوض المظلوم من عنده فلا راد لفضله كما إذا شاء أن يغفر ما دون الشرك لمن يشاء . ولهذا في حديث القصاص الذي ركب فيه جابر بن عبد الله إلى عبد الله بن [ ص: 188 ] أنيس شهرا حتى شافهه به وقد رواه الإمام أحمد وغيره واستشهد به البخاري في صحيحه ; وهو من جنس حديث الترمذي صحاحه أو حسانه ; قال فيه : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=68463إذا كان يوم القيامة فإن الله يجمع الخلائق في صعيد واحد ; يسمعهم الداعي وينفذهم البصر . ثم يناديهم بصوت يسمعه من بعد كما يسمعه من قرب : أنا الملك أنا الديان لا ينبغي لأحد من أهل الجنة أن يدخل الجنة ولا لأحد من أهل النار قبله مظلمة ولا ينبغي لأحد من أهل النار أن يدخل النار ولا لأحد من أهل الجنة حتى أقصه منه } " . فبين في الحديث العدل والقصاص بين أهل الجنة وأهل النار .
وفي صحيح مسلم من حديث أبي سعيد : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=68464أن أهل الجنة إذا عبروا الصراط وقفوا على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص لبعضهم من بعض فإذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة } " وقد قال سبحانه لما قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12ولا يغتب بعضكم بعضا } - والاغتياب من ظلم الأعراض - قال : { nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=12أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم } . فقد نبههم على التوبة من الاغتياب وهو من الظلم . وفي الحديث الصحيح : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598139من كان عنده لأخيه مظلمة في دم أو مال أو عرض فليأته فليستحل منه قبل أن يأتي يوم ليس فيه درهم [ ص: 189 ] ولا دينار إلا الحسنات والسيئات . فإن كان له حسنات وإلا أخذ من سيئات صاحبه فطرحت عليه ثم يلقى في النار } " أو كما قال . وهذا فيما علمه المظلوم من العوض فأما إذا اغتابه أو قذفه ولم يعلم بذلك فقد قيل : من شرط توبته إعلامه وقيل : لا يشترط ذلك وهذا قول الأكثرين وهما روايتان عن أحمد . لكن قوله مثل هذا أن يفعل مع المظلوم حسنات كالدعاء له والاستغفار وعمل صالح يهدي إليه يقوم مقام اغتيابه وقذفه . قال الحسن البصري : كفارة الغيبة أن تستغفر لمن اغتبته .
وقد ثبت في الصحيحين { أنه صلى الله عليه وسلم عرض على عمه التوحيد في مرضه الذي مات فيه } وقد { nindex.php?page=hadith&LINKID=598142عاد يهوديا كان يخدمه فعرض عليه الإسلام فأسلم فقال : الحمد لله الذي أنقذه بي من النار ثم قال لأصحابه : آووا أخاكم } " .
ومما يبين أن المغفرة العامة في الزمر هي للتائبين أنه قال في سورة النساء : { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء } فقيد المغفرة بما دون الشرك وعلقها على المشيئة وهناك أطلق وعمم فدل هذا التقييد والتعليق على أن هذا في حق غير التائب ; ولهذا استدل أهل السنة بهذه الآية على جواز nindex.php?page=treesubj&link=19709_28652المغفرة لأهل الكبائر في الجملة خلافا لمن أوجب نفوذ الوعيد بهم من الخوارج والمعتزلة وإن كان المخالفون لهم قد أسرف فريق منهم من المرجئة حتى توقفوا في لحوق الوعيد بأحد من أهل القبلة كما يذكر عن غلاتهم أنهم نفوه مطلقا ودين الله وسط بين الغالي فيه والجافي عنه ونصوص الكتاب والسنة مع اتفاق سلف الأمة وأئمتها متطابقة على أن من أهل الكبائر [ ص: 192 ] من يعذب وأنه لا يبقى في النار من في قلبه مثقال ذرة من إيمان .
فصل ولهذا ذكر هذين الأصلين بعد هذا فذكر أن برهم وفجورهم الذي هو طاعتهم ومعصيتهم لا يزيد في ملكه ولا ينقص وأن إعطاءه إياهم غاية ما يسألونه نسبته إلى ما عنده أدنى نسبة وهذا بخلاف الملوك وغيرهم ممن يزداد ملكه بطاعة الرعية وينقص ملكه بالمعصية . وإذا أعطى الناس ما يسألونه أنفد ما عنده ولم يغنهم وهم في ذلك يبلغون مضرته ومنفعته وهو يفعل ما يفعله من إحسان وعفو وأمر ونهي لرجاء المنفعة وخوف المضرة . فقال : nindex.php?page=treesubj&link=19731_19732_29495_19736 " { nindex.php?page=hadith&LINKID=43518يا عبادي ; لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل منكم ما زاد ذلك في ملكي شيئا يا عبادي لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل منكم ما نقص ذلك من ملكي شيئا } " إذ ملكه هو قدرته على التصرف . فلا تزداد بطاعتهم ولا تنقص بمعصيتهم كما تزداد قدرة الملوك بكثرة المطيعين لهم وتنقص بقلة المطيعين لهم ; فإن ملكه متعلق [ ص: 195 ] بنفسه وهو خالق كل شيء وربه ومليكه وهو الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء .
والملك قد يراد به القدرة على التصرف والتدبير ويراد به نفس التدبير والتصرف ويراد به المملوك نفسه الذي هو محل التدبير ويراد به ذلك كله . وبكل حال فليس بر الأبرار وفجور الفجار موجبا لزيادة شيء من ذلك ولا نقصه ; بل هو بمشيئته وقدرته يخلق ما يشاء فلو شاء أن يخلق مع فجور الفجار ما شاء لم يمنعه من ذلك مانع كما يمنع الملوك فجور رعاياهم التي تعارض أوامرهم عما يختارونه من ذلك . ولو شاء أن لا يخلق مع بر الأبرار شيئا مما خلقه لم يكن برهم محوجا له إلى ذلك ولا معينا له كما يحتاج الملوك ويستعينون بكثرة الرعايا المطيعين .
[ ص: 202 ] فصل ثم ختمه بتحقيق ما بينه فيه من nindex.php?page=treesubj&link=19829عدله وإحسانه فقال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=47429يا عبادي إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها فمن وجد خيرا فليحمد الله ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } " فبين أنه محسن إلى عباده في الجزاء على أعمالهم الصالحة إحسانا يستحق به الحمد ; لأنه هو المنعم بالأمر بها ; والإرشاد إليها والإعانة عليها ثم إحصائها ثم توفية جزائها . فكل ذلك فضل منه وإحسان ; إذ كل نعمة منه فضل وكل نقمة منه عدل وهو وإن كان قد كتب على نفسه الرحمة وكان حقا عليه نصر المؤمنين - كما تقدم بيانه - فليس وجوب ذلك كوجوب حقوق الناس بعضهم على بعض الذي يكون عدلا لا فضلا ; لأن ذلك إنما يكون لكون بعض الناس أحسن إلى البعض فاستحق المعاوضة وكان إحسانه إليه بقدرة المحسن دون المحسن إليه ; ولهذا لم يكن المتعاوضان ليخص أحدهما بالتفضل على الآخر لتكافئهما وهو قد بين في الحديث أن العباد لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه فامتنع حينئذ أن يكون لأحد من جهة نفسه عليه حق بل هو الذي أحق الحق على نفسه بكلماته فهو المحسن بالإحسان وبإحقاقه [ ص: 203 ] وكتابته على نفسه فهو في كتابة الرحمة على نفسه وإحقاقه نصر عباده المؤمنين ونحو ذلك محسن إحسانا مع إحسان .
فليتدبر اللبيب هذه التفاصيل التي يتبين بها فصل الخطاب في هذه المواضع التي عظم فيها الاضطراب فمن بين موجب على ربه بالمنع أن يكون محسنا متفضلا ; ومن بين مسو بين عدله وإحسانه وما تنزه عنه من الظلم والعدوان . وجاعل الجميع نوعا واحدا . وكل ذلك حيد عن سنن الصراط المستقيم والله يقول الحق وهو يهدي السبيل .
وكما بين أنه محسن في الحسنات ; متم إحسانه بإحصائها والجزاء عليها ; بين أنه عادل في الجزاء على السيئات فقال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=68479ومن وجد غير ذلك فلا يلومن إلا نفسه } كما تقدم بيانه في مثل قوله : { nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=101وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم } . وعلى هذا الأصل استقرت الشريعة الموافقة لفطرة الله التي فطر الناس عليها كما في الحديث الصحيح الذي رواه البخاري ; عن شداد بن أوس ; عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=14829سيد الاستغفار أن يقول العبد : اللهم أنت ربي ; لا إله إلا أنت . خلقتني وأنا عبدك ; وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت . أعوذ بك من شر ما صنعت ; أبوء لك بنعمتك علي ; وأبوء بذنبي ; فاغفر لي ; فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت } " ففي قوله : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=129أبوء لك بنعمتك علي } " اعتراف بنعمته عليه في الحسنات وغيرها . وقوله : " { nindex.php?page=hadith&LINKID=598148وأبوء بذنبي } " [ ص: 204 ] اعتراف منه بأنه مذنب ظالم لنفسه وبهذا يصير العبد شكورا لربه مستغفرا لذنبه فيستوجب مزيد الخير وغفران الشر من nindex.php?page=treesubj&link=29446الشكور الغفور الذي يشكر اليسير من العمل ويغفر الكثير من الزلل .
وهنا انقسم nindex.php?page=treesubj&link=28778_28779_28788_28787_28789_28790_28785_28786الناس ثلاثة أقسام في إضافة الحسنات والسيئات التي هي الطاعات والمعاصي إلى ربهم وإلى نفوسهم فشرهم الذي إذا أساء أضاف ذلك إلى القدر واعتذر بأن القدر سبق بذلك وأنه لا خروج له على القدر فركب الحجة على ربه في ظلمه لنفسه وإن أحسن أضاف ذلك إلى نفسه ونسي نعمة الله عليه في تيسيره لليسرى . وهذا ليس مذهب طائفة من بني آدم ولكنه حال شرار الجاهلين الظالمين الذين لا حفظوا حدود الأمر والنهي ولا شهدوا حقيقة القضاء والقدر كما قال فيهم الشيخ أبو الفرج ابن الجوزي : أنت عند الطاعة قدري ; وعند المعصية جبري أي مذهب وافق هواك تمذهبت به .
ثم إن من جهل هؤلاء ظنهم أن في هذه الآية حجة للقدرية واحتجاج بعض القدرية بها وذلك أنه لا خلاف بين الناس في أن الطاعات والمعاصي سواء من جهة القدر . فمن nindex.php?page=treesubj&link=28785قال : إن العبد هو الموجد لفعله دون الله ; أو هو الخالق لفعله ; وأن الله لم يخلق أفعال العباد فلا فرق عنده بين الطاعة والمعصية .
وأما القسم الثالث في هذا الباب : فهم قوم لبسوا الحق بالباطل وهم بين أهل الإيمان أهل الخير وبين شرار الناس وهم الخائضون في القدر بالباطل فقوم يرون أنهم هم الذين يهدون أنفسهم ويضلونها ويوجبون لها فعل الطاعة وفعل المعصية بغير إعانة منه وتوفيق للطاعة ولا خذلان منه في المعصية . وقوم لا يثبتون لأنفسهم فعلا ولا قدرة ولا أمرا .
ثم من هؤلاء من ينحل عن الأمر والنهي فيكون أكفر الخلق وهم في احتجاجهم بالقدر متناقضون ; إذ لا بد من فعل يحبونه وفعل يبغضونه ولا بد لهم ولكل أحد من دفع الضرر الحاصل بأفعال المعتدين فإذا جعلوا الحسنات والسيئات سواسية لم يمكنهم أن يذموا أحدا ولا يدفعوا ظالما ولا يقابلوا مسيئا وإن يبيحوا للناس من أنفسهم كل ما يشتهيه مشته ونحو ذلك من الأمور التي لا يعيش [ ص: 209 ] عليها بنو آدم ; إذ هم مضطرون إلى شرع فيه أمر ونهي أعظم من اضطرارهم إلى الأكل واللباس .
وهذا باب واسع لشرحه موضع غير هذا . وإنما نبهنا على ما في الحديث من الكلمات الجامعة والقواعد النافعة بنكت مختصرة تنبه الفاضل على ما في الحقائق من الجوامع والفوارق ; التي تفصل بين الحق والباطل في هذه المضايق . بحسب ما احتملته أوراق السائل والله ينفعنا وسائر إخواننا المؤمنين بما علمناه ، ويعلمنا ما ينفعنا ويزيدنا علما ولا حول ولا قوة إلا بالله ولا ملجأ منه إلا إليه له النعمة وله الفضل وله الثناء الحسن وأستغفر الله العظيم لي ولجميع إخواننا المؤمنين .
والحمد لله رب العالمين . وصلى الله على محمد وآله وسلم تسليما .