الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                صفحة جزء
                [ ص: 313 ] وقال شيخ الإسلام فصل وأما قوله صلى الله عليه وسلم { المرء مع من أحب } فهو من أصح الأحاديث وقال أنس فما فرح المسلمون بشيء بعد الإسلام فرحهم بهذا الحديث فأنا أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبا بكر وعمر وأرجو أن يحشرني الله معهم وإن لم أعمل مثل أعمالهم وكذلك { أوثق عرى الإسلام الحب في الله والبغض في الله } لكن هذا بحيث أن يحب المرء ما يحبه الله ومن يحبه الله فيحب أنبياء الله كلهم ; لأن الله يحبهم ويحب كل من علم أنه مات على الإيمان والتقوى فإن هؤلاء أولياء الله والله يحبهم كالذين يشهد لهم النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة وغيرهم من أهل بدر وأهل بيعة الرضوان .

                فمن شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالجنة شهدنا له بالجنة وأما من لم يشهد له بالجنة فقد قال طائفة من أهل العلم : لا يشهد له بالجنة [ ص: 314 ] ولا نشهد أن الله يحبه . وقال طائفة : بل من استفاض من بين الناس إيمانه وتقواه واتفق المسلمون على الثناء عليه كعمر بن عبد العزيز والحسن البصري وسفيان الثوري وأبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد والفضيل بن عياض وأبي سليمان الداراني ومعروف الكرخي وعبد الله بن المبارك - رضي الله تعالى عنهم - وغيرهم شهدنا له بالجنة ; لأن في الصحيح : { أن النبي صلى الله عليه وسلم مر عليه بجنازة فأثنوا عليها خيرا فقال : وجبت وجبت ومر عليه بجنازة فأثنوا عليها شرا . فقال : وجبت وجبت . قالوا : يا رسول الله ; ما قولك وجبت وجبت ؟ . قال : هذه الجنازة أثنيتم عليها خيرا فقلت وجبت لها الجنة وهذه الجنازة أثنيتم عليها شرا فقلت : وجبت لها النار : قيل بم يا رسول الله قال : بالثناء الحسن والثناء السيئ } .

                وإذا علم هذا فكثير من المشهورين بالمشيخة في هذه الأزمان قد يكون فيهم من الجهل والضلال والمعاصي والذنوب ما يمنع شهادة الناس لهم بذلك ; بل قد يكون فيهم المنافق والفاسق كما أن فيهم من هو من أولياء الله المتقين وعباد الله الصالحين وحزب الله المفلحين كما أن غير المشايخ فيهم هؤلاء - وهؤلاء في الجنة - كالتجار والفلاحين وغيرهم من الأصناف .

                [ ص: 315 ] وإذا كان كذلك فمن طلب أن يحشر مع شيخ لم يعلم عاقبته كان ضالا بل عليه أن يأخذ فيطلب بما يعلم أن يحشره الله مع نبيه والصالحين من عباده . كما قال الله تعالى : { وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين } وقال الله تعالى : { إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون } { ومن يتول الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون } .

                وعلى هذا فمن أحب شيخا مخالفا للشريعة كان معه فإذا أدخل الشيخ النار كان معه ومعلوم أن الشيوخ المخالفين للكتاب والسنة أهل الضلال والجهالة فمن كان معهم كان مصيره مصير أهل الضلالة والجهالة وأما من كان من أولياء الله المتقين كأبي بكر وعمر وعثمان وعلي وغيرهم فمحبة هؤلاء من أوثق عرى الإيمان وأعظم حسنات المتقين ولو أحب الرجل لما ظهر له من الخير الذي يحبه الله ورسوله أثابه الله تعالى على محبة ما يحبه الله ورسوله وإن لم يعلم حقيقة باطنه فإن الأصل هو حب الله وحب ما يحبه الله فمن أحب الله وأحب ما يحبه الله كان من أولياء الله .

                لكن كثيرا من الناس يدعي المحبة من غير تحقيق قال الله تعالى : { قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم } . قال بعض السلف : ادعى قوم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أنهم [ ص: 316 ] يحبون الله فأنزل الله هذه الآية فمحبة الله ورسوله وعباده المتقين تقتضي فعل محبوباته وترك مكروهاته والناس يتفاضلون في هذا تفاضلا عظيما فمن كان أعظم نصيبا من ذلك كان أعظم درجة عند الله وأما من أحب شخصا لهواه مثل أن يحبه لدنيا يصيبها منه أو لحاجة يقوم له بها أو لمال يتأكله به أو بعصبية فيه ونحو ذلك من الأشياء فهذه ليست محبة لله بل هذه محبة لهوى النفس وهذه المحبة هي التي توقع أصحابها في الكفر والفسوق والعصيان .

                وما أكثر من يدعي حب مشايخ لله ولو كان يحبهم لله لأطاع الله الذي أحبهم لأجله فإن المحبوب لأجل غيره تكون محبته تابعة لمحبة ذلك الغير وكيف يحب شخصا لله من لا يكون محبا لله ؟ وكيف يكون محبا لله من يكون معرضا عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وسبيل الله ؟ وما أكثر من يحب شيوخا أو ملوكا وغيرهم فيتخذهم أندادا يحبهم كحب الله والفرق بين المحبة لله والمحبة مع الله ظاهر فأهل الشرك يتخذون أندادا يحبونهم كحب الله والذين آمنوا أشد حبا لله وأهل الإيمان يحبون وذلك أن أهل الإيمان أصل حبهم هو حب الله ومن أحب الله أحب من يحبه الله ومن أحبه الله أحب الله فمحبوب المحبوب محبوب لله يحب الله فمن أحب الله أحبه الله فيحب من أحب الله .

                [ ص: 317 ] وأما أهل الشرك فيتخذون أندادا وشفعاء يدعونهم من دون الله قال الله تعالى : { ولقد جئتمونا فرادى كما خلقناكم أول مرة وتركتم ما خولناكم وراء ظهوركم وما نرى معكم شفعاءكم الذين زعمتم أنهم فيكم شركاء لقد تقطع بينكم وضل عنكم ما كنتم تزعمون } وقال الله تعالى : { وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون } { أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون } { إني إذا لفي ضلال مبين } { إني آمنت بربكم فاسمعون } وقال الله تعالى : { وأنذر به الذين يخافون أن يحشروا إلى ربهم ليس لهم من دونه ولي ولا شفيع لعلهم يتقون } وقال الله تعالى : { ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله ولكن كونوا ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون } { ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون } .

                والله تعالى بعث الرسل وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله وقال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح : { إنا معشر الأنبياء ديننا واحد } . فالدين واحد وإن تفرقت الشرعة والمنهاج قال الله تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال الله تعالى : { واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون } وقال الله تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } ومن حين بعث الله محمدا - صلى الله عليه وسلم - ما يقبل من أحد بلغته الدعوة إلا الدين الذي بعثه به فإن دعوته عامة لجميع الخلائق قال الله تعالى : { وما أرسلناك إلا كافة للناس } وقال صلى الله عليه وسلم { لا يسمع بي من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لا يؤمن بي إلا دخل النار } .

                وقال الله تعالى : { ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون ويؤتون الزكاة والذين هم بآياتنا يؤمنون } { الذين يتبعون الرسول النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون } { قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحيي ويميت فآمنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلماته واتبعوه لعلكم تهتدون } .

                فعلى الخلق كلهم اتباع محمد صلى الله عليه وسلم فلا يعبدون إلا الله ويعبدونه بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا بغيرها قال الله تعالى : { ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون } { إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين } ويجتمعون على ذلك ولا يتفرقون كما ثبت في الصحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { إن الله يرضى لكم ثلاثا : أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم } وعبادة الله تتضمن كمال محبة الله وكمال الذل لله فاصل الدين وقاعدته يتضمن أن يكون الله هو المعبود الذي تحبه القلوب وتخشاه ولا يكون لها إله سواه و " الإله " ما تألهه القلوب بالمحبة والتعظيم والرجاء والخوف والإجلال والإعظام ونحو ذلك .

                والله سبحانه وتعالى أرسل الرسل بأنه لا إله إلا هو فتخلو القلوب عن محبة ما سواه [ بمحبته ] وبرجائه وعن سؤال ما سواه بسؤاله وعن العمل لما سواه بالعمل له وعن الاستعانة بما سواه بالاستعانة به .

                ولهذا كان وسط الفاتحة { إياك نعبد وإياك نستعين } قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الحديث الصحيح يقول الله تعالى : { قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال : { الرحمن الرحيم } قال . أثنى علي عبدي وإذا قال : { مالك يوم الدين } قال : مجدني عبدي وإذا قال : { إياك نعبد وإياك نستعين } قال : هذه الآية بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل وإذا قال : { اهدنا الصراط المستقيم } { صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين } قال : هؤلاء لعبدي ولعبدي ما سأل } فوسط السورة : { إياك نعبد وإياك نستعين } فالدين أن لا يعبد إلا الله ولا يستعان إلا إياه .

                والملائكة والأنبياء وغيرهم عباد الله . كما قال الله تعالى : { لن يستنكف المسيح أن يكون عبدا لله ولا الملائكة المقربون ومن يستنكف عن عبادته ويستكبر فسيحشرهم إليه جميعا } { فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله وأما الذين استنكفوا واستكبروا فيعذبهم عذابا أليما ولا يجدون لهم من دون الله وليا ولا نصيرا } فالحب لغير الله كحب النصارى للمسيح وحب اليهود لموسى وحب الرافضة لعلي وحب الغلاة لشيوخهم وأئمتهم مثل من يوالي شيخا أو إماما وينفر عن نظيره وهما متقاربان أو متساويان في الرتبة فهذا من جنس أهل الكتاب الذين آمنوا ببعض الرسل وكفروا ببعض وحال الرافضة الذين يوالون بعض الصحابة ويعادون بعضهم وحال أهل العصبية من المنتسبين إلى فقه وزهد : الذين يوالون الشيوخ والأئمة دون البعض .

                وإنما المؤمن من يوالي جميع أهل الإيمان . قال الله تعالى : { إنما المؤمنون إخوة } وقال النبي صلى الله عليه وسلم { المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا - وشبك بين أصابعه - } وقال : { مثل [ ص: 321 ] المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى والسهر } وقال عليه السلام { لا تقاطعوا ; ولا تدابروا وكونوا عباد الله إخوانا } .

                ومما يبين الحب لله والحب لغير الله أن أبا بكر - رضي الله عنه - كان يحب النبي صلى الله عليه وسلم مخلصا لله وأبو طالب عمه كان يحبه وينصره لهواه لا لله فتقبل الله عمل أبي بكر وأنزل فيه : { وسيجنبها الأتقى } { الذي يؤتي ماله يتزكى } { وما لأحد عنده من نعمة تجزى } { إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى } { ولسوف يرضى } . وأما أبو طالب فلم يتقبل منه - [ فأبو بكر لم يطلب أجره ] وجزاءه من الخلق : لا من النبي صلى الله عليه وسلم ولا غيره ; بل آمن به وأحبه وكلأه وأعانه بنفسه وماله متقربا بذلك إلى الله وطالبا الأجر من الله ورسوله : يبلغ عن الله أمره ونهيه ووعده ووعيده قال الله تعالى : { فإنما عليك البلاغ وعلينا الحساب } .

                والله هو الذي يخلق ويرزق ويعطي ويمنع ويخفض ويرفع ويعز ويذل وهو - سبحانه - مسبب الأسباب ورب كل شيء ومليكه والأسباب التي تفعلها العباد منها ما أمر الله به وأباحه فهذا يسلك ومنها ما نهى عنه نهيا خالصا أو كان من البدع التي لم يأذن الله بها فهذا لا يسلك . قال الله تعالى . { قل ادعوا الذين زعمتم من دون الله لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير } { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } .

                بين سبحانه ضلال الذين يدعون المخلوق من الملائكة والأنبياء وغيرهم فبين أن المخلوقين لا يملكون مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ثم بين أنه لا شركة لهم ثم بين أنه لا عون له ولا ظهير ; لأن أهل الشرك يشبهون الخالق بالمخلوق كما يقول بعضهم إذا كانت لك حاجة : استوح الشيخ فلانا فإنك تجده أو توجه إلى ضريحه خطوات وناد : يا شيخ تقضى حاجتك وهذا غلط لا يحل فعله وإن كان من هؤلاء الداعين لغير الله من يرى صورة المدعو أحيانا فذلك شيطان يمثل له كما وقع مثل هذا لعدد كثير ونظير هذا قول بعض الجهال من أتباع الشيخ عدي وغيره : كل رزق لا يجيء على يد الشيخ لا أريده .

                والعجب من ذي عقل سليم يستوحي من هو ميت ويستغيث به - ولا يستغيث بالحي الذي لا يموت - فيقول أحدهم : إذا كانت لك حاجة إلى ملك توسلت إليه بأعوانه فهكذا يتوسل إليه بالشيوخ وهذا كلام أهل الشرك والضلال فإن الملك لا يعلم حوائج رعيته ولا يقدر على قضائها وحده ولا يريد ذلك إلا لغرض يحصل [ ص: 323 ] له بسبب ذلك والله أعلم بكل شيء يعلم السر وأخفى وهو على كل شيء قدير فالأسباب منه وإليه .

                وما من سبب من الأسباب إلا دائر موقوف على أسباب أخرى وله معارضات فالنار لا تحرق إلا إذا كان المحل قابلا فلا تحرق السمندل وإذا شاء الله منع أثرها كما فعل بإبراهيم عليه السلام وأما مشيئة الرب فلا تحتاج إلى غيره ولا مانع لها بل ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن وهو سبحانه أرحم من الوالدة بولدها يحسن إليهم ويرحمهم ويكشف ضرهم مع غناه عنهم وافتقارهم إليه { ليس كمثله شيء وهو السميع البصير } فنفى الرب هذا كله فلم يبق إلا الشفاعة فقال . { ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له } وقال : { من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه } فهو الذي يأذن في الشفاعة وهو الذي يقبلها فالجميع منه وحده .

                وكلما كان الرجل أعظم إخلاصا لله كانت شفاعة الرسول أقرب إليه { قال له أبو هريرة : من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله ؟ قال : من قال لا إله إلا الله يبتغي بها وجه الله } .

                وأما الذين يتوكلون على فلان ليشفع لهم من دون الله تعالى ويتعلقون بفلان فهؤلاء من جنس المشركين الذين اتخذوا شفعاء من [ ص: 324 ] دون الله تعالى قال الله تعالى : { أم اتخذوا من دون الله شفعاء قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون } { قل لله الشفاعة جميعا } وقال الله تعالى : { ثم استوى على العرش ما لكم من دونه من ولي ولا شفيع } وقال : { قل ادعوا الذين زعمتم من دونه فلا يملكون كشف الضر عنكم ولا تحويلا } { أولئك الذين يدعون يبتغون إلى ربهم الوسيلة أيهم أقرب ويرجون رحمته ويخافون عذابه إن عذاب ربك كان محذورا } قال طائفة من السلف كان أقوام يدعون المسيح والعزير والملائكة فبين الله تعالى أن هؤلاء الأنبياء والملائكة عباده كما أن هؤلاء عباده هؤلاء يتقربون إلى الله وهؤلاء يرجون رحمة الله وهؤلاء يخافون عذاب الله فالمشركون اتخذوا مع الله أندادا يحبونهم كحب الله ; واتخذوا شفعاء يشفعون لهم عند الله ففيهم محبة لهم وإشراك بهم وفيهم من جنس ما في النصارى من حب المسيح وإشراك به .

                والمؤمنون أشد حبا لله فلا يعبدون إلا الله وحده ولا يجعلون معه شيئا يحبونه كحبه لا أنبياءه ولا غيرهم بل أحبوا ما أحبه بمحبتهم لله وأخلصوا دينهم لله وعلموا أن أحدا لا يشفع لهم إلا بإذن الله فأحبوا عبد الله ورسوله محمدا صلى الله عليه وسلم لحب الله وعلموا أنه عبد الله المبلغ عن الله فأطاعوه فيما أمر وصدقوه فيما أخبر ولم يرجوا إلا الله ولم يخافوا إلا الله ولم يسألوا إلا الله وشفاعته لمن [ ص: 325 ] يشفع له هو بإذن الله ولا ينفع رجاؤنا للشفيع ولا مخافتنا له وإنما ينفع توحيدنا وإخلاصنا لله وتوكلنا عليه فهو الذي يأذن للشفيع .

                فعلى المسلم أن يفرق بين محبة النصارى والمشركين ودينهم ويتبع أهل التوحيد والإيمان ويخرج عن مشابهة المشركين وعبدة الصلبان . وفي الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : { ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان : من كان الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ومن كان يحب المرء لا يحبه إلا لله ومن كان يكره أن يرجع في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يلقى في النار } { قل إن كان آباؤكم وأبناؤكم وإخوانكم وأزواجكم وعشيرتكم وأموال اقترفتموها وتجارة تخشون كسادها ومساكن ترضونها أحب إليكم من الله ورسوله وجهاد في سبيله فتربصوا حتى يأتي الله بأمره والله لا يهدي القوم الفاسقين } . وقال الله تعالى : { من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم } وهذا باب واسع ودين الإسلام مبني على هذا الأصل والقرآن يدور عليه .

                التالي السابق


                الخدمات العلمية