الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
37- شيخ شيوخنا " علي الرشيدي الشافعي " :

هو علي بن إبراهيم الخياط الرشيدي الشافعي
الشيخ الإمام الحجة الولي المفنن في العلوم والجامع لها والمقدم في المعارف كلها والمتكلم في أنواعها والناقد في جميعها والحريص على أدائها مع ذهن ثاقب وآداب أخلاق وحسن معاشرة ولين جانب وكثرة احتمال وكرم نفس وحسن عهد وثبات ود ، وملازمة طاعة وكثرة ذكر .

ولد في العشر الأول من هذه المائة - أي الحادية عشرة - برشيد وبها نشأ وحفظ القرآن الكريم وجوده وأخذ عن من بها من علماء عصره ثم قدم مصر وقرأ بالروايات على مقرئ مصر الشيخ عبد الرحمن اليمني وأخذ الفقه والعلوم الشرعية والعقلية عن شيوخ كثيرين منهم النور علي الحلبي والبرهان اللقاني والشمس [ ص: 783 ] الشوبري والشيخ سلطان المزاحي والنور الشبراملسي والشمس البابلي . وجد واجتهد إلى أن بلغ الغاية القصوى ورجع إلى بلده " يعني مدينة رشيد " وحمدت سيرته فيها وأقبل عليه جميع أهلها واعتمده عامة ذلك الإقليم وتصدى للتدريس وأخذ عنه خلق كثيرون .

وتوفي في أوائل رجب سنة 1094 هـ أربع وتسعين وألف من الهجرة برشيد ودفن بها رحمه الله رحمة واسعة .

انتهى ملخصا من خلاصة الأثر الجزء الثالث ص (128) .

قلت : وهذا العلم من شيوخ شيوخنا ومن رجال إسنادنا في بعض إجازاتنا وهو من رجال مشيخة الجامع الأحمدي بطنطا بمصر كما هو مثبت في أول كتيبنا هذا ، والله الموفق .

38- شيخ شيوخنا " أبو الضياء الشبراملسي الشافعي " :

هو علي بن علي أبو الضياء نور الدين الشبراملسي الشافعي
القاهري خاتمة المحققين وولي الله تعالى محرر العلوم النقلية وأعلم أهل زمانه لم يأت مثله في دقة النظر وجودة الفهم وسرعة استخراج الأحكام من عبارات العلماء وقوة التأني في البحث ، وكان مجلسه مصونا عن الغيبة وذكر الناس بسوء وجميع أوقاته مصروفة في المطالعة وقراءة القرآن والصلاة والعبادة وكان زاهدا في الدنيا لا يعرف أحوال أهلها ولا يتردد إلى أحد منهم إلا في شفاعة خير، وكان إذا مر في السوق تتزاحم الناس مسلمها وكافرها على تقبيل يده ولم ينكر أحد من علماء عصره وأقرانه فضله بل جميع العلماء إذا أشكلت عليهم مسألة يراجعونه فيها فيبينها لهم على أحسن وجه وأتمه ، ومن مقولاته : " قيراط من الأدب خير من أربعة وعشرين قيراطا من العلم " .

ولد ببلدة شبراملس قرية من قرى مصر وحفظ بها القرآن الكريم وكان قد أصابه الجدري وهو ابن ثلاث سنين فكف بصره ثم قدم مصر بصحبة والده في [ ص: 784 ] سنة ثمان بعد الألف وحفظ الشاطبية والخلاصة والبهجة الوردية والمنهاج ونظم التحرير للعمريطي والغاية والجزرية والكفاية والرحبية وغير ذلك ، وتلا جميع القرآن للسبعة من طريق التيسير والشاطبية وختمه في سنة 1016 هـ ست عشرة وألف ثم قرأه كله للعشرة من الشاطبية وختمه في سنة 1025 هـ خمس وعشرين وألف على شيخ القراء في زمانه الشيخ عبد الرحمن اليمني .

وحضر العلوم الأخرى كالفقه والحديث والعربية والأصول والفرائض وغير ذلك على شيوخ كثيرين يضيق المقام بذكرهم هنا رغبة في الاختصار .

وتصدر المترجم له للإقراء في الجامع الأزهر فانفرد في عصره بجميع العلوم وانتهت إليه الرياسة .

وأما تلامذته فكثيرون ومنهم أقرانه الذين حضروا عليه . وكان يكتب على جميع ما يقرؤه من الكتب ولو جمع ما كتبه لجاوز الحد ولكنه تبدد بين يدي طلبته . ولم يشتهر من مؤلفاته إلا حاشيته على المواهب اللدنية في خمس مجلدات ضخام، وحاشية على شرح الشمائل لابن حجر، وحاشية على شرح الورقات الصغير لابن قاسم ، وحاشية على شرح أبي شجاع لابن قاسم الغزي ، وحاشية على شرح الجزرية للقاضي زكريا ، وحاشية على شرح المنهاج ونهاية المحتاج للشمس الرملي في ست مجلدات ضخام . وكانت ولادته بشبراملس كما تقدم في سنة سبع أو ثمان وتسعين وتسعمائة ، وتوفي في ليلة الخميس ثامن عشر شوال سنة 1087 هـ سبع وثمانين وألف من الهجرة ، وتولى غسله بيده تلميذه الفاضل الشيخ أحمد البنا الدمياطي فإنه أتاه في المنام قبل موته بأيام وأمره أن يتولى غسله فتوجه من دمياط إلى مصر فأصبح بها يوم وفاته وباشر غسله وتكفينه [ ص: 785 ] بيده ، وحكى أنه لما وضأه ظهر منه نور ملأ البيت بحيث أنه لم يستطع بعد النظر إليه ، وصلى عليه بالجامع الأزهر يوم الخميس إماما بالناس الشيخ شرف الدين بن شيخ الإسلام زكريا الأنصاري، والشبراملسي بشين معجمة فموحدة فراء فألف مقصورة على وزن سكرى كما في القاموس مضافة إلى ملس بفتح الميم وكسر اللام المشددة وبالسين المهملة أو مركبة تركيب مزج وهي قرية بمصر .

انتهى مختصرا من خلاصة الأثر في أعيان القرن الحادي عشر ، الجزء الثالث ص (174 - 177) .

قلت : والمترجم له من شيوخ شيوخنا ومن رجال إسنادنا في إجازاتنا كما هو مثبت في أول الكتاب ، وبالله التوفيق .

التالي السابق


الخدمات العلمية