الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( الثالث : التقاء بشرتي الرجل والمرأة ) أي الذكر والأنثى ولو بلا شهوة ولو مع نسيان أو إكراه سواء أكان العضو زائدا أم أصليا سليما أم أشل لقوله تعالى { أو لامستم النساء } أي لمستم كما قرئ به وهو الجس باليد كما فسره ابن عمر لا جامعتم ; لأنه خلاف الظاهر ، وقد عطف اللمس على المجيء من الغائط ورتب عليهما الأمر بالتيمم عند فقد الماء فدل على كونه حدثا كالمجيء من الغائط ، والمعنى فيه أنه مظنة ثوران الشهوة ، وسواء أكان الذكر فحلا أم عنينا أم مجبوبا أم خصيا أم ممسوحا ، وسواء كانت الأنثى عجوزا هما لا تشتهى غالبا أم لا ، إذ ما من ساقطة إلا ولها لاقطة ، وسواء أكان اللمس باليد أم غيرها .

                                                                                                                            والبشرة ما ليس بشعر ولا سن ولا ظفر ، فشمل ما لو وضح عظم الأنثى ولمسه : أي فإنه ينقض كما أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ، ويدل له عبارة الأنوار ، وشمل اللحم لحم الأسنان واللثة واللسان وباطن العين ومحل ذلك حيث لا حائل وإلا فلا نقض ولو رقيقا لا يمنع إدراكها [ ص: 117 ] وخرج بما ذكره الذكران ولو أمرد حسنا والأنثيان والخنثيان والخنثى والذكر أو الأنثى والعضو المبان لانتفاء مظنة الشهوة ، وشمل إطلاق المصنف وغيره النقض بلمس المجوسية والوثنية والمرتدة ، وبه صرح في الأنوار اكتفاء بأنه يمكن أن تحل له في وقت ، والفرق بين النقض بنحو المجوسية وجعلها كالذكر في جواز تملك الرجل لها في باب اللقطة ظاهر ، وهو أن اللمس أشد تأثيرا لإثارة الشهوة حالا من الملك ولا يلزم منه اللمس أصلا ، لا سيما والآية شملت ذلك كله ، وشمل كلامه وضوء الحي والميت فينتقض وضوء الحي ( إلا محرما في الأظهر ) فلا ينقض لمسها ; لأنها ليست محلا للشهوة . والثاني ينقض لعموم النساء في الآية ، والأول استنبط منها معنى خصصها .

                                                                                                                            والمحرم من حرم نكاحها بنسب أو رضاع أو مصاهرة على التأبيد بسبب مباح لحرمتها ، واحترز بالتأبيد عمن يحرم جمعها مع الزوجة كأختها ، وبالمباح عن أم الموطوءة بشبهة وبنتها فإنهما يحرمان على التأبيد وليستا بمحرم له لعدم إباحة السبب ، إذ وطء الشبهة لا يوصف بإباحة ولا تحريم . ولا يرد على الضابط زوجاته صلى الله عليه وسلم أن الحد صادق عليهن ولسن بمحارم ; لأن التحريم لحرمته صلى الله عليه وسلم لا لحرمتهن ، ولا الموطوءة في نحو حيض ; لأن [ ص: 118 ] حرمتها لعارض يزول ، ولو شك في المحرمية لم ينتقض ، ذكره الدارمي عملا بأصل بقاء الطهارة . ويؤخذ منه أنه لو تزوج من شك هل بينه وبينها رضاع محرم أم لا ، أو اختلطت محرمه بأجنبيات وتزوج واحدة منهن بشرطه ولمسها لم ينتقض طهره ولا طهرها ، إذ الأصل بقاء الطهر ، وقد أفتى به الوالد رحمه الله تعالى ولا في تبعيض الأحكام ; كما لو تزوج مجهولة النسب ثم استلحقها أبوه وثبت نسبها منه ولم يصدقه الزوج حيث يستمر النكاح مع ثبوت أخوتها منه .

                                                                                                                            ويلغز بذلك فيقال : زوجان لا نقض بينهما ، ويؤخذ من العلة أن محل عدم النقض ما لم يلمس في مسألة الاختلاط عددا أكثر من عدة محارمه وإلا انتقض ( والملموس ) وهو من وقع عليه اللمس رجلا كان أو امرأة ( كلامس ) ( في الأظهر ) في انتقاض وضوئه لاشتراكهما في لذة اللمس كالمشتركين في لذة الجماع ، والثاني لا نقض وقوفا مع ظاهر الآية في اقتصاره على اللامس ( ولا تنقض صغيرة ) لا تشتهى عرفا ، وكذا صغير لانتفاء الشهوة ( وشعر وسن وظفر في الأصح ) لانتفاء المعنى بلمس المذكورات لعدم الالتذاذ بلمسها وإن التذ بالنظر إليها وشمل الشعر النابت على الفرج فلا نقض به . والثاني ينقض نظرا لظاهر الآية في عمومها لجميع ما ذكر . ويسن الوضوء من لمس ذلك خروجا من الخلاف .

                                                                                                                            قال الناشري في نكته : إن العضو إذا كان دون النصف من الآدمي لم ينقض بلمسه ، أو فوقه نقض ، أو نصفا فوجهان انتهى . والأوجه أنه إن كان بحيث يطلق عليه اسم أنثى نقض ، وإلا فلا ، ولهذا قال الأشموني : الأقرب إن كان قطع من نفسه فالعبرة بالنصف الأعلى ، وإن شق نصفين لم يعتبر واحد منهما لزوال الاسم عن كل منهما

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : التقاء بشرتي الرجل والمرأة ) قال م ر : هي شاملة للجنية ، وهو كذلك إن تحقق كون الملموسة من الجن أنثى منهم ، كما أنه يجوز تزوج الجنية خلافا لبعضهم ، بخلاف ما لو شك في أنوثة الملموس منهم إذ لا نقض بالشك ا هـ سم على منهج . ووقع السؤال عما لو تصور ولي بصورة امرأة أو مسخ رجل امرأة هل ينقض أم لا ؟ فأجبت عنه بأن الظاهر في الأولى عدم النقض للقطع بأن عينه لم تنقلب ، وإنما انخلع من صورة إلى صورة مع بقاء صفة الذكورة ، وأما المسخ فالنقض فيه محتمل لقرب تبدل العين ، مع أنه قد يقال فيه بعدم النقض أيضا لاحتمال تبدل الصفة دون العين .

                                                                                                                            قال ابن حجر : فائدة مهمة : لا يكتفى بالخيال في الفرق قاله الإمام ، وعقبه بما يبين أن المراد به ما ينقدح على بعد دون ما يغلب على الظن أنه أقرب من الجمع ، وعبر غيره بأن كل فرق مؤثر ما لم يغلب على الظن أن الجامع أظهر : أي عند ذوي السليقة السليمة ، وإلا فغيرهم يكثر منه الزلل في ذلك ، ومن ثم قال بعض الأئمة : الفقه فرق وجمع ا هـ ( قوله : عجوزا هما ) عبارة المختار : الهم الشيخ الفاني والمرأة همة ا هـ بحروفه ; فكان الأولى إلحاق الهاء ( قوله : إذ ما من ساقطة ) أي ما من ثمرة أو نحوها ساقطة من أعين الناس لخستها إلا ولها نسمة لاقطة : أي إلا ولها من تميل نفسه إليها مع خستها ، فالمرأة وإن كانت عجوزا شوهاء لا بد من وجود من يرغب فيها وتميل نفسه إليها . وفي المختار : وهذا الفعل مسقطة للإنسان من أعين الناس بوزن مشربة .

                                                                                                                            ثم قال : والساقط والساقطة اللئيم في حسبه ونسبه ا هـ رحمه الله ( وقوله عظم أنثى ولمسه ) أي فإنه ينقض وإن لم يلتذ بلمسه الآن استصحابا لما كان قبل زوال الجلد وبهذا فارق السن ( قوله : ويدل له عبارة الأنوار ) وهي المراد بالبشرة هنا غير الشعر والسن والظفر ( قوله : واللثة ) عطف جزء على كل ، إذ اللثة بعض لحم الأسنان ، إذ هي ما على الثنايا وما حولها فقط ( قوله : ومحل ذلك ) عبارة ابن حجر : وعلم من الالتقاء أنه لا نقض باللمس من وراء حائل إلخ ، وهي أولى من جعل الشارح لها قيدا ; لأن التعبير بالبشرة يخرج الحائل ( قوله : ولو رقيقا لا يمنع إدراكها ) زاد حج بعد [ ص: 117 ] مثل ما ذكر ، ومنه ما تجمد من غبار يمكن فصله : أي من غير خشية مبيح تيمم فيما يظهر أخذا مما يأتي في الوشم لوجوب إزالته ، لا من نحو عرق حتى صار كالجزء من الجلد انتهى رحمه الله .

                                                                                                                            وكالعرق بالأولى في النقض ما يموت من جلد الإنسان بحيث لا يحس بلمسه ولا يتأثر بغرز نحو إبرة فيه ; لأنه جزء منه حقيقة فهو كاليد الشلاء وسيأتي أنها تنقض ، ويأتي مثل ذلك فيما لو يبست جلدة جبهته حتى صارت لا يحس بهم يصيبها ، فيصح السجود عليها ، ولا يكلف إزالة الجلد المذكور وإن لم يحصل من إزالته مشقة ( قوله : ولو أمرد ) أي ولو كان الملموس أمرد حسنا ( قوله : والأنثيان ) أي ولو التذتا باللمس وكانت عادتهما السحاق ( قوله : والعضو المبان ) أي حيث لم يزد على النصف على ما يأتي له رحمه الله ( قوله : في باب اللقطة ) أي والقرض انتهى حج ( قوله : فينتقض وضوء الحي ) أي لا الميت ( قوله : على التأبيد ) أي فينتقص لمسهما ( قوله : واحترز بالتأبيد إلخ ) ما أخرجه بقوله على التأبيد يخرج بما قبله فلا حاجة إلى إخراجه به ، بل كل من العبارتين محصل للمقصود فهما تعريفان أحدهما يغني عن الآخر .

                                                                                                                            وأما أخت الزوجة فالمتعلق بها إنما هو تحريم الجمع فلا حاجة إلى إخراجها ( قوله : وليستا بمحرم له ) أي فينقض لمسهما ( قوله : إذ وطء الشبهة لا يوصف ) محل ذلك فيما لو اشتبهت عليه زوجته بأجنبية ونحو ذلك ، أما لو وطئ أمة فرعه أو مشتركة ، فإن وطأه حرام مع كونه شبهة ، فقولهم وطء الشبهة لا يوصف بحل ولا حرمة ليس على إطلاقه بل محله في شبهة الفاعل دون المحل والطريق ( قوله : ولا يرد على الضابط زوجاته ) وكذلك زوجات سائر الأنبياء كما نقل عن القضاعي ، لكن هل تحريمهن على أمم الأنبياء خاصة أو لا حتى يحرم زوجات بعض الأنبياء على بعض ، فيه نظر .

                                                                                                                            وقضية كلامهم أنه لا فرق ، ثم رأيت في حواشي الرملي على شرح الروض ما نصه : أما سائر الأنبياء فلا يحرم نكاح أزواجهم بعد موتهم على المؤمنين قاله القضاعي في عيون المعارف ، والأقرب عدم حرمتهن على الأنبياء وحرمتهن على غيرهم ، بخلاف زوجاته صلى الله عليه وسلم فحرام على غيره حتى الأنبياء انتهى بحروفه . ومنه يعلم أن ما نقل عن القضاعي أولا مخالف لما نقله الشهاب الرملي عنه ( قوله : مع أن الحد صادق عليهن ) في دعوى صدق الحد عليهن نظر لخروجهن عن التعريف بقوله بنسب أو رضاع أو مصاهرة ( قوله : ولا الموطوءة في نحو حيض ) إخراجها إنما يتأتى إذا أريد بالنكاح الوطء ، أما إذا أريد به العقد فلا ; لأنها لا يحرم العقد عليها [ ص: 118 ] قوله : حيث يستمر النكاح ) أي فلو بانت منه ثم أراد تجديد نكاحها لم يصح ; لأنه يشترط لصحة النكاح تيقن حل المنكوحة وهو منتف هنا ، وأما الرجعة فيحتمل صحتها ; لأن الرجعية في حكم الزوجة ( قوله : لانتفاء الشهوة ) توهم بعض ضعفة الطلبة من العلة نقض وضوء الصغيرة ; لأن ملموسها وهو الكبير مظنة للشهوة ، وليس في محله فإنها لصغرها ليست مظنة لاشتهائها الملموس فلا ينتقض وضوءها كما لا ينتقض وضوءه ( قوله : لعدم الالتذاذ ) يخالفه ما قرروه في النكاح من أنه يحرم مسها ; لأنه أبلغ في الالتذاذ من النظر إليه . ويجاب بأن المراد هنا نفي اللذة القوية المثيرة للشهوة وهي منتفية ، والمراد بها في النكاح مجرد الالتذاذ وإن لم يكن قويا احتياطا لحرمة المس ( قوله : أو فوقه نقض ) قضيته وإن لم يسم امرأة



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : وشمل اللحم ) أي المشمول بقوله ، والبشرة ما ليس بشعر إلخ ، ويجوز أن يكون [ ص: 117 ] اللحم منصوبا وما بعده بدل منه وإن كان قاصرا ، لكن وجه الاقتصار على هذه المذكورات خفاء حكمها ( قوله : بسبب مباح ) لا حاجة إليه بعد قوله بنسب أو رضاع أو مصاهرة ; لأنه بمعناه ، فهما تعريفان مستقلان مرجعهما واحد ( قوله : مع أن الحد صادق عليهن ) ممنوع ; لأنهن خرجن أولا بقوله بنسب أو رضاع أو مصاهرة ، وثانيا بقوله لحرمتها كما خرج بهما الملاعنة ( قوله : ولا الموطوءة في نحو حيض ) أي حيث يحرم أصولها وفروعها بوطئها [ ص: 118 ] حيث كانت زوجته مع أن السبب غير مباح ( قوله : حيث يستمر النكاح إلخ ) انظر بقية الأحكام كإرثها منه هل تتبع الزوجية أو الأخوة ( قوله : ، والأوجه أنه ) انظر هل الضمير راجع للنصف أو للعضو في أصل المسألة




                                                                                                                            الخدمات العلمية