الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( فالمتغير بمستغنى عنه ) طاهر مخالط ( كزعفران تغيرا يمنع إطلاق اسم الماء غير طهور ) بأن يحدث له بسبب ذلك اسم آخر ، ويزول به وصف الإطلاق كجص ونورة [ ص: 64 ] وزرنيخ وسدر ولو على المحل المغسول وحجر مدقوق ، وسواء أكان التغير حسيا أم تقديريا ، فلو وقع في الماء مائع طاهر يوافقه في صفاته فرض وصف الخليط المفقود مخالفا في أوسط الصفات كلون العصير وطعم الرمان وريح اللاذن ، كذا قاله ابن أبي عصرون ، واعتبر الروياني الأشبه بالخليط ، ومعلوم أنه لا بد من عرض جميع [ ص: 65 ] الأوصاف على الماء ، فإن لم يغيره حكم بطهوريته فإن كان الخليط نجسا في ماء كثير اعتبر بأشد الصفات كلون الحبر وطعم الخل وريح المسك لغلظه ، وإنما اعتبر بغيره لكونه لموافقته لا يغير ، فكان كالحكومة لما لم يمكن اعتبارها في الحد بنفسه قدرناه رقيقا لنعلم قدر الواجب .

                                                                                                                            فإن لم يؤثر فهو طهور وله استعمال كله ، ويلزمه تكميل الماء الناقص عن طهارته الواجبة به إن تعين ، لكن لو انغمس فيه جنب ناويا وهو قليل صار مستعملا كما لا يدفع عن نفسه النجاسة ، وحينئذ فقد جعلنا المستهلك كالماء في إباحة التطهير به ، ولم نجعله كذلك في دفع النجاسة عن نفسه إذا وقعت فيه وعدم صيرورته مستعملا بالانغماس ، والفرق بينهما أن دفع النجاسة منوط ببلوغ الماء قلتين ، ومعرفة بلوغ الماء لهما ممكنة مع الاختلاط والاستهلاك ، ورفع الحدث والخبث منوط باستعمال ما يطلق عليه اسم الماء ، ومع الاستهلاك الإطلاق ثابت ، واستعمال الخالص غير ممكن فلم يتعلق به تكليف ، واكتفي بالإطلاق ، ولو حلف لا يشرب ماء فشرب المتغير المذكور أو نحوه [ ص: 66 ] لم يحنث ولو وكل من يشتري له ماء فاشتراه له لم يقع للموكل

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            [ ص: 64 ] قوله : ولو على المحل ) أي وسواء كان السدر مختلطا بالماء الذي قصد التطهير به أو كان على المحل الذي قصد تطهيره ( قوله : المغسول ) هو معتبر في الجميع وإنما قيد به في السدر لجريان العادة بالتنظيف به وخرج به ما لو أريد تطهير السدر نفسه فتغير الماء به قبل وصوله إلى بقية أجزائه فإنه لا يضر لكونه ضروريا في تطهيره ( قوله : وصف الخليط المفقود ) ينبغي أن المراد أنه لو قدر فغير ضر ، وإلا فله الإعراض عن التقدير واستعماله ، إذ غاية الأمر أنه شاك في التغير المضر والشك لا يضر انتهى ابن قاسم على ابن حجر .

                                                                                                                            وقوله المفقود قضيته أنه لو لم يخالف الماء في الأصل إلا في صفة واحدة فرضت دون غيرها كما لو كان له ريح وفقد فلا يقدر غيره ، وقضية قوله ومعلوم أنه لا بد إلخ خلافه ، ثم قضية تأخير قوله ومعلوم عن كلام الروياني وابن أبي عصرون تفريعه عليهما وينبغي تخصيصه بكلام ابن أبي عصرون ( قوله كلون العصير ) أي عصير العنب أبيض أو أسود ( قوله : وريح اللاذن ) هو بالذال المفتوحة المعجمة كما في القاموس ( قوله : واعتبر الروياني ) والفرق بين القولين أنه على كلام ابن أبي عصرون [ ص: 65 ] يعتبر أوسط الصفات وإن لم يشبه صفة الواقع ، فماء الورد المنقطع الرائحة يفرض على كلامه من اللاذن ، وعلى كلام الروياني يعتبر بماء ورد له رائحة ; لأنه أشبه بالمخالط ، وقوله لا بد من عرض إلخ قد يخالف ما اقتضاه قوله فرض وصف الخليط المفقود إلا أن يخص ما هنا بما لو كان الواقع في الأصل له الصفات الثلاثة وفقدت ، أو ليس له صفة كالمستعمل فتأمل فإنه بعيد ( قوله : حكم بطهوريته ) قضيته أنه لا يحكم بطهوريته إلا بعد فرض الأوصاف لكن في حاشية ابن قاسم على ابن حجر ما نصه ينبغي أن المراد إلى آخر ما تقدم ( قوله : كلون الحبر ) وسكت عن حكاية الخلاف بين ابن أبي عصرون والروياني ولا مانع من مجيئه ثم ذكر هذه هنا للاستطراد وإلا فمحلها قول المصنف بعد فإن غيره إلخ .

                                                                                                                            ( قوله : وإنما اعتبر بغيره ) أي الخليط ( قوله فإن لم يؤثر ) أي الخليط ( قوله : عن طهارته الواجبة به ) أي الطاهر الذي لم يؤثر في الماء باختلاطه به لا حسا ولا تقديرا ( قوله : إن تعين ) أي ما لم تزد مؤنته على ثمن الماء المفقود كما يصرح به فيما يأتي عند قول المصنف أو وماء ورد توضأ بكل مرة ( قوله : صار مستعملا ) أي وارتفع حدثه ( قوله : ولو حلف لا يشرب ماء ) ظاهره أنه لا فرق بين الحلف بالله والطلاق وهو ظاهر وخرج بقوله ماء ما لو قال هذا فإنه يحنث به وإن مزج بغيره وتغير بخلاف ما لو قال هذا الماء فإنه إنما يحنث به إذا شربه على حالته بخلاف ما لو مزج بسكر أو نحوه بحيث تغير كثيرا وهذا التفصيل يؤخذ مما لو حلف مشيرا إلى حنطة حيث فرقوا فيه بين ما لو قال : لا آكل من هذه فيحنث بالأكل منها وإن خرجت عن صورتها فصارت دقيقا أو خبزا وما لو قال : لا آكل من هذه الحنطة فإنه لا يحنث بأكله منها إذا صارت دقيقا أو خبزا وهذا كله إذا أشار إليه قبل المزج فإن أشار إليه بعده فهل يحنث بشربه منه أو لا فيه نظر والأقرب الثاني ; لأن المسمى لم يوجد فلا نظر للإشارة بالصورة الحاضرة وإلا فيحنث كما لو قال نويت الاقتداء بزيد هذا وبان غيره فإنه يصح حيث علق الإشارة بالصورة الحاضرة ( قوله : المتغير المذكور ) أي ولو تقديريا ومنه الممزوج بالسكر ( قوله : أو نحوه ) [ ص: 66 ] كالمستعمل ( قوله : لم يحنث ) يقيد عدم الحنث بشرب المتغير تقديرا وهو ظاهر ، وأفتى به شيخنا الطبلاوي انتهى ابن قاسم على المنهج ( قوله : ولو وكل من يشتري له ماء ) ظاهر هذا السياق أنه في مسألة التوكيل لو اشترى له وكيله ماء متغيرا بما لا يؤثر ، ولو تغير كثيرا وقع الشراء له : أي للموكل وهل يتخير فيه نظر ، ولا يبعد الخيار حيث اختلف الغرض م ر انتهى سم على شرح البهجة رحمه الله تعالى ( قوله : فاشتراه ) أي المتغير وقوله لم يقع ظاهره وإن جهل الوكيل ، ولعل وجهه أن الإذن لم يشمله لعدم صدق اسم الماء عليه ، فلا ينافي ما يأتي في الوكالة في كلام المصنف من أن الوكيل لو اشترى معيبا لا يعلم عيبه وقع للموكل سواء ساوى الثمن الذي اشتري به أو نقص عنه ( قوله : لم يقع للموكل ) أي ولا للوكيل إن اشتري بعين الثمن ، فإن اشتري في الذمة وقع له وإن سمى الموكل



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : بأن يحدث له بسبب ذلك اسم ) يعني يحدث له قيد بقرينة ما بعده ، أو أن الواو للتقسيم ، فالمعنى [ ص: 64 ] أنه ينسلخ عنه اسم الماء كلية أو يزول عنه وصف الإطلاق فقط بأن يصير مقيدا ( قوله : فرض وصف الخليط المفقود ) أي بعرض جميع الأوصاف كما سيأتي في قوله ومعلوم إلخ ، وحينئذ فالحاصل أنه إذا وقع في الماء مائع يوافقه في جميع الصفات وكان ذلك المائع من شأنه أن يكون له وصف مثلا ، ففقدانه يفرض بعرض جميع الصفات لكن ذلك العرض إنما هو عن الوصف المفقود الذي كان من شأنه الوجود ، كالريح في الماورد المنقطع الرائحة ، وكالطعم الملح الجبلي ، لا أن كل وصف بدل عن نظيره من المائع وإن لم يكن من شأنه وجوده فيه كاللون في المثالين المذكورين ، ; لأن ذلك الوصف لم يكن فيه وفقد حتى يقدر فرجعت عبارته إلى قول العباب ، ولو خالط الماء القليل أو الكثير مائع طاهر يوافق أوصافه ، أو خالط الماء القليل مستعمل ولم يبلغ به قلتين فرض وصف الخليط المفقود مخالفا وسطا في جميع الأوصاف انتهى .

                                                                                                                            فجعل الفرض للأوصاف الثلاثة بدلا عن خصوص الوصف المفقود وإن لم يأت في الماء المستعمل ، مع أن فرض المسألة في كلامه كالشارح أن المائع موافق في جميع الأوصاف ، ووجهه ما أشرنا إليه فيما مر ، ووجه تقدير الأوصاف الثلاثة أن الأمر إذا آل إلى التقدير سلك فيه الاحتياط ، ألا ترى أن وصف النجاسة المقصود يقدر بالأشد وإن كان تأثيره أضعاف تأثير الوصف المفقود ، وحينئذ فليس في الشارح كالعباب وغيره تعرض لما إذا وقع في الماء كلون ما يوافقه في بعض أوصافه ويخالفه في بعضها ، بل كلامهما كغيرهما يفهم أنه لا تقدير حينئذ ، وهو ظاهر ، إذ من البعيد أنه إذا وقع في الماء ملح جبلي مثلا باقي الطعم ولم يغيره بطعمه الذي ليس له إلا هو في الواقع أنا نفرض له لونا أو ريحا مخالفا ، وكلامهم وأمثلتهم كالصريح في خلاف ذلك ، وليس له وصف مفقود من شأنه الوجود حتى نقدر بدله ، وليس المخالط الطاهر كالنجاسة فيما ذكره فيها الشهاب ابن حجر من أنها إذا وافقت في بعض الأوصاف وخالفت في بعضها أنا نقدر في الأوصاف الموافقة إذا لم تغير بالمخالفة للفرق الظاهر ، وهو غلط أمر النجاسة ومن ثم لم يذكر هو نظيره هنا فتأمل ذلك ، فإنه مهم ، وبه يندفع ما اعترض به على الشارح من دعوى التناقض في كلامه ، نعم تأخيره قولة ومعلوم إلى آخره عما نقله عن الروياني يوهم جريانه فيه ، وهو غير مراد ( قوله : كلون العصير ) أي الأسود أو الأحمر مثلا لا الأبيض ; لأن الفرض أنا نفرضه مخالفا للماء في اللون خلافا لما في حاشية شيخنا ( قوله : كذا قاله ابن أبي عصرون إلخ ) الذي في شرح البهجة لشيخ الإسلام زكريا بعد ما مر نقله عن ابن أبي عصرون [ ص: 65 ] اعتبر وصف الخليط المفقود .

                                                                                                                            وعبارة الشرح المذكور كلون العصير وطعم الرمان وريح اللاذن فلا يقدر بالأشد إلى أن قال واعتبر الروياني الأشبه بالخليط وابن أبي عصرون صفة الخليط المفقودة وهذا لا يمكن في المستعمل انتهى ( قوله : وله استعمال كله إلخ ) فيه تشتيت الضمائر فالضمير في كله لمجموع الماء ، والمخالط وفي به لخصوص المخالط وفي فيه وما بعده لخصوص الماء ( قوله : إن تعين ) أي بأن لم يجد غيره ويشترط أيضا أن لا تزيد قيمة المائع على ثمن ماء الطهارة هناك فهذا الاشتراط قيد زائد على التعيين المذكور لا تفسير له خلافا لما وقع في حاشية شيخنا ( قوله : وهو قليل ) [ ص: 66 ] أي مع قطع النظر عن المخالط




                                                                                                                            الخدمات العلمية