الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ثم شرع في الحكم الثاني وهو ما يستبيحه بالتيمم فقال ( ولا يصلي بتيمم غير فرض ) سواء أكان تيممه عن حدث أصغر أم أكبر ، وسواء أكان لمرض أم لفقد ماء ، وسواء أكان بالغا أم صبيا .

                                                                                                                            نعم لو تيمم [ ص: 311 ] للفرض ثم بلغ لم يصل به الفرض لأن صلاته نفل كما صححه في التحقيق عملا بالاحتياط في حقه في الموضعين .

                                                                                                                            وسواء أكان الفرض أداء أم قضاء لقوله تعالى { إذا قمتم إلى الصلاة } إلى قوله { فتيمموا } فاقتضى وجوب الطهر لكل صلاة خرج الوضوء بالسنة فبقي التيمم على مقتضاه .

                                                                                                                            ولما .

                                                                                                                            روى البيهقي بإسناد صحيح عن ابن عمر قال " يتيمم لكل صلاة وإن لم يحدث " ولما رواه الدارقطني عن ابن عباس أنه قال " من السنة أن لا يصلي بتيمم واحد إلا صلاة واحدة ، ثم يحدث للثانية تيمما " والسنة في كلام الصحابي تنصرف إلى سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، ومفهوم قوله صلى الله عليه وسلم { أينما أدركتني الصلاة تيممت وصليت } يدل عليه ، ولأنه طهارة ضرورة فتتقدر بقدرها .

                                                                                                                            لا يقال : لو عبر بقوله ولا يؤدي بتيمم غير فرض كان أولى ليشمل الطوافين والطواف والصلاة لأنا نقول : لو عبر بذلك لورد عليه تمكين المرأة حليلها مرارا متعددة بتيمم واحد فإنه جائز مع أن كل مرة فرض عليها ، وعبارته حينئذ تقتضي عدم ذلك وليس بصحيح ، بخلاف ما عبر به فإنه سالم من ذلك غايته أنه لم يدخل في العبارة ما سوى الصلاة ، بل حكمه مسكوت عنه وليس بمضر ، ولا يجمع بين الجمعة وخطبتها بتيمم واحد كما رجحاه وهو المعتمد ، لأن الخطبة وإن كانت فرض كفاية قد التحقت بفرائض الأعيان لما قيل إنها بدل عن ركعتين والصحيح لا يقطع النظر عن مقابله وإنما جمع بين الخطبتين بتيمم واحد مع أنهما فرضان لكونهما في حكم شيء واحد ، وعلم من ذلك أن الخطيب يحتاج إلى تيممين ، وأنه لو تيمم للجمعة فله أن يخطب به ولا يصلي الجمعة به ، وأنه لو تيمم للخطبة فلم يخطب فله أن يصلي به الجمعة وإن كانت دون ما فعله به لما تقدم من أنها ألحقت بفرض العين ، وشمل كلامه المتيمم للجنابة عند عجزه عن الماء إذا تجردت جنابته عن الحدث فإنه لا يصلي به غير فرض كما مر في باب أسباب الحدث ، ولو تيمم عن حدث أكبر ثم أحدث حدثا أصغر انتقض طهره الأصغر لا الأكبر [ ص: 312 ] كما لو أحدث بعد غسله فيحرم عليه ما يحرم على المحدث .

                                                                                                                            ويستمر تيممه عن الحدث الأكبر حتى يجد الماء بلا مانع ، ولو غسل جنب كل بدنه سوى رجليه ثم فقد الماء وحصل له حدث أصغر وتيمم له ثم وجد ماء يكفي رجليه فقط تعين لهما ولا يبطل تيممه .

                                                                                                                            ولو تيمم أولا لتمام غسله ثم أحدث وتيمم له ثم وجد كافيهما بطل تيممه ، ويجوز للرجل جماع أهله ، وإن علم عدم الماء وقت الصلاة فيتيمم ويصلي من غير إعادة .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : سواء أكان بالغا أم صبيا ) أي ووجه ذلك فيه أنهم ألحقوا صلاته بالفرائض حيث لم يجوزوها من قعود ولا على الدابة في السفر لغير القبلة ، ويؤخذ من ذلك أن الصبي والمجنون لو فاتتهما صلوات وأراد الصبي قضاء ما فاته بعد بلوغه والمجنون [ ص: 311 ] قضاءه بعد إفاقته عملا بالسنية فيهما وجب عليهما التيمم لكل فرض مع وقوعه نفلا لهما للعلة السابقة ( قوله : ثم بلغ ) خرج به ما لو بلغ في أثنائها فيتمها بذلك التيمم ا هـ حج بالمعنى ، وفي فتاوى م ر ما يوافقه ( قوله : لأن صلاته نفل ) زاد سم على منهج بعد ما ذكر : وإنما صحت نية فروض مع أنه لا يستبيحها لأنه نوى فرضا وزاد فلغت الزيادة ، وفارق ما لو نوى استباحة الظهر خمس ركعات لأنه لا يتصور معه استباحة كله ولا بعضه شرح الإرشاد لشيخنا ا هـ وقضية قوله وإنما صحت نية فروض ألخ أنه لا فرق فيما لو نوى فروضا بين إمكان صلاة كل منها وقت النية لكون بعضها أداء وبعضها قضاء وبين ما لو أمكن فعل بعضها وقت النية دون بعض كما لو نوى التيمم لمؤداة وأخرى لم يدخل وقتها ، وقد يفهمه قوله أيضا لأنه لا يتصور معه استباحة كله ولا بعضه ( قوله : لكل صلاة ) إطلاقه يشمل النفل ، وعبارة حج : ولأن الوضوء كان يجب لكل فرض فنسخ يوم الخندق فبقي التيمم على الأصل من وجوب الطهر لكل فرض ا هـ .

                                                                                                                            وهو صريح في النسخ ، ولا يفيده قول الشارح : خرج الوضوء بالسنة ، بل قد يفيد خلافه وهو أن السنة بينت عدم وجوب الوضوء لكل فرض فتكون مخصصة للآية ( قوله : يدل عليه ) وجه الدلالة أن عموم قوله { أينما أدركتني الصلاة } إلخ يشمل ما لو كان متيمما قبل ( قوله : حينئذ ) أي حين إذ عبر بيؤدي بدل يصلي ، وقد يقال مسألة تمكين الحليل مستثناة فلا ترد نقضا ( قوله : الجمعة وخطبتها ) أي ولا بين خطبتين في محلين كما لو [ ص: 312 ] خطب في موضع ولم يصل فيه ثم انتقل للآخر وأراد الخطبة لأهله وفيه كلام لقم فليراجع ( قوله على المحدث ) أي من صلاة وطواف ونحوهما ، بخلاف ما لا يحرم على المحدث حدثا أصغر من قراءة ومكث مسجد فلا يحرم لبقاء طهره بالنسبة فلا يحتاج لتيمم آخر ما لم تعرض له جنابة ( قوله : ويستمر تيممه ) أي فيقرأ القرآن ويمكث في المسجد بهذا التيمم ( قوله : يجد الماء إلخ ) وعليه فإذا أراد صلاة النافلة وتوضأ لها لم يحتج للتيمم حيث كان تيممه عن الجنابة لعلة بغير أعضاء الوضوء ، وكذا لو كان تيممه عن الجنابة لفقد الماء ثم أحدث حدثا أصغر فتيمم بنية زوال مانع الأصغر ، ويصلي بذلك التيمم النوافل لبقاء تيممه بالنسبة للحدث الأكبر ( قوله : ولا يبطل تيممه ) أي فيتنفل به ما شاء ويصلي به الفرض إن لم يكن صلاه بذلك التيمم قبل ( قوله : لتمام غسله ) أي بأن كان معه ماء يكفيه وتيمم له أي للحدث ( قوله وجد كافيهما ) أي الحدث الأصغر والجنابة ( قوله بطل تيممه ) ولا فرق بين هذه والتي قبلها وأن المراد التيمم الأول وهو الذي عن الجنابة كما صرح به الخطيب الشربيني وعبارته : ولو غسل نحو جنب جميع بدنه إلا رجليه فقط تعين لهما ولا يبطل تيممه ، ولو تيمم أولا لتمام غسله ثم أحدث وتيمم له ثم وجد كافيهما بطل تيممه الأول ، وهذا كله بناء على أن الضمير في قوله كافيهما للرجلين .

                                                                                                                            ولا يتعين ذلك بل يجوز أن الضمير فيه راجع للحدث الأصغر والجنابة كما قدمناه ، وبطلان التيمم حينئذ ظاهر لوجود الماء ( قوله : وإن علم إلخ ) هذا ظاهر حيث كانا مستنجيين بالماء وإلا لم يجز له جماعها كما مر لما فيه من التضمخ بالنجاسة ولما يترتب عليه من بطلان تيممه إذا علم أنه لم يجد ماء في وقت الصلاة ، هذا وقد مر أنه لا يكلف الاستنجاء من المذي لأنه يضعف شهوته ويعفى عنه ، لكن بالنسبة للجماع لا لما أصاب بدنه منه أو ثوبه وعليه فلو علم أنه لا يجد ماء يغسل به ما أصابه منه بعد الجماع فينبغي حرمته إذا كان الجماع بعد دخول الوقت لا قبله ، فلا يحرم لعدم مخاطبته بالصلاة الآن وهو لا يكلف تحصيل شروط الصلاة قبل دخول وقتها .



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : أم لفقد ماء ) كأنه سقط قبله لفظ وسواء أكان لمرض ; لأن هذا ليس قسيما لما قبله [ ص: 311 ] قوله : في باب أسباب الحدث ) أي وفي صدر هذه السوادة [ ص: 312 ] قوله : بطل تيممه ) أي الأول كما صرح به الخطيب




                                                                                                                            الخدمات العلمية