الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ( وإذا استعمل ) أي أراد أن يستعمل ( ما ظنه ) الطهور من الماءين بالاجتهاد ( أراق الآخر ) استحبابا لئلا يتشوش بتغير ظنه فيه ما لم يحتج إليه لنحو عطش ، وعلم أن الإراقة مقدمة على الاستعمال ( فإن تركه ) من غير إراقة ( وتغير ظنه ) فيه من النجاسة إلى الطهارة بسبب ظهور أمارة له واحتاج إلى الطهارة ( لم يعمل بالثاني ) من ظنيه فيه ( على النص ) لئلا ينقض ظن بظن ( بل يتيمم ) ويصلي ( بلا إعادة في الأصح ) لعدم حصول طاهر بيقين معه ، والثاني يعيد ; لأن معه طاهرا بالظن ، فإن أراقه قبل الصلاة لم يعد جزما ، وعبر بقوله تغير ظنه دون اجتهاده تنبيها على عدم تسميته اجتهادا لفقد شرطه على رأي المصنف .

                                                                                                                            ويجوز أن يحمل كلامه أيضا ليأتي على طريقته على ما إذا بقي بعض الأول ثم تغير اجتهاده ثم تلف الباقي دون الآخر ثم تيمم ، إذ قضية كلام المجموع ترجيح عدم الإعادة في ذلك أيضا ، ويجوز حمله على ما إذا بقي من الأول بقية ، ويقيد كلامه بما إذا خلطهما مثلا قبل التيمم ليصح على رأيه ، ويقيد عدم الإعادة بما إذا كان بمحل لم يغلب وجود الماء فيه ، ويكون ذلك مع قطع النظر عن قوله في الأصح فمعه يتعين تخريجه ، على رأي الرافعي فقط ; لأنه طاهر بالظن ، ودعوى بعضهم تخالفهما في الإعادة ، وإنما على طريقة الرافعي لا تجب ، وعلى طريقة النووي تجب ; لأن معه طهورا [ ص: 97 ] بيقين غفلة عن وجوب تقييد ما أطلقه هنا بما قدمه من أن الخلط : أي أو نحوه شرط لصحة التيمم ، وهذا المسلك في تقرير عبارته أولى من إطلاق بعضهم تخريج كلامه على الرأيين ، وبعضهم حصره على رأي الرافعي ، أما إذا بقي من الأول بقية وإن لم تكفه لطهارته فإنه يجب عليه إعادة الاجتهاد إن احتاج إليها ; لأن معه ماء متيقن الطهارة ، فإن كان على طهارته لم تجب إعادته إلا أن يتغير اجتهاده قبل الحدث فلا يصلي بتلك الطهارة لاعتقاده الآن بطلانها فهو كما لو أحدث واجتهد وتغير اجتهاده ، قاله ابن العماد وهو ظاهر .

                                                                                                                            ثم إذا أعاده فإن اتفق الاجتهادان فذاك ، وإن اختلفا بأن ظن طهارة ما ظن نجاسته أولا ففيه الخلاف السابق ، والأرجح منه عدم العمل بالثاني وإن كان أوضح من الأول لما فيه من نقص الاجتهاد بالاجتهاد إن غسل ما أصابه الأول ، ومن الصلاة بنجاسة إن لم يغسله وبهذا فارق جواز العمل بالثاني في نظيره من الثوب والقبلة ، واستنبط البلقيني من التعليل السابق أن محل عدم [ ص: 98 ] العمل بالثاني إذا لم يستعمل بعد الأول ماء طهورا بيقين أو باجتهاد غير ذلك الاجتهاد لانتفاء التعليل حينئذ الذي ذكروه في هذا التصوير ، قال : ولم أر من تعرض له . قلت : وهو واضح وقد أفتى به الوالد رحمه الله تعالى . وعلم مما تقدم وجوب إعادة الاجتهاد لكل صلاة يريد فعلها ، نعم إن كان ذاكرا لدليله الأول لم يعده ، بخلاف الثوب المظنون طهارته بالاجتهاد فإن بقاءه بحاله بمنزلة بقاء الشخص متطهرا فيصلي فيه ما شاء حيث لم يتغير ظنه ، سواء أكان يستتر بجميعه أم يمكنه الاستتار ببعضه لكبره ، فقطع منه قطعة واستتر بها وصلى ثم احتاج إلى الستر لتلف ما استتر به فلا يحتاج إلى إعادة الاجتهاد كما اقتضاه كلام المجموع ، وهو المعتمد خلافا لبعض المتأخرين .

                                                                                                                            وخرج ابن سريج من النص في تغير الاجتهاد في القبلة العمل بالثاني وفرق بما تقدم

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : لنحو عطش ) لعل المراد لعطش دابة ، وكذا آدمي خاف من العطش تلف نفس أو عضو أو منفعته ، وإلا لم يجز له شربه ; لأن له حكم النجس ا هـ سم على منهج ( قوله : وعلم أن الإراقة إلخ ) أي من قوله : أي أراد أن يستعمل لكن قال سم على منهج عند قوله قبل استعماله : هذا القيد مستفاد من عبارة الأصل إن حمل استعمل ما ظنه على إرادة استعماله تأمل ا هـ بحروفه .

                                                                                                                            قال حج : ويمكن بقاء استعمل على ظاهره وعبارته وقيد بالاستعمال بفرض أنه لم يرد باستعمل ، أراد ; لأنه لا يتحقق الإعراض عن الآخر إلا به غالبا ، فلا ينافي أن المعتمد ندب الإراقة قبله لئلا يغلط ويتشوش ظنه ( قوله : لم يعمل بالثاني من ظنيه فيه ) أي بل ولا بالأول أيضا لاعتقاده بطلان اجتهاده السابق ، ومن فوائد جواز الاجتهاد الثاني مع امتناع العمل به أنه إذا ظن به طهارة الثاني شربه أو باعه أو غسل به نجاسة أو غير ذلك ، وأنه لو غسل أعضاءه بينهما وما أصابه الماء الأول من ثيابه يجوز له أن يتطهر بالثاني ( قوله : قبل الصلاة ) المناسب لما مر من أن الخلط شرط لصحة التيمم أن يقول فإن أراقه قبل التيمم ( قوله : لفقد شرطه ) أي وهو تعدد المشتبه ( قوله : مع قطع النظر عن قوله في الأصح ) كيف يتأتى قطع النظر عنه مع التعبير به في كلامه [ ص: 97 ] قوله : على الرأيين ) أي رأي النووي والرافعي ( قوله : إن احتاج إليها ) أي بأن أحدث وحضرت صلاة أخرى ولم يكن ذاكرا للدليل الأول أو عارضه معارض ( قوله : فلا يصلي بتلك الطهارة ) ولا يصح تيممه قبل غسل أعضائه لظنه نجاستها وهي مانعة من صحة التيمم كذا ببعض الهوامش . ويرد عليه أنه لو كان كذلك لامتنع التيمم في مسألة المتن ، وهي ما لو تغير اجتهاده بعد طهارته من الأول وحدثه ، فإنه لا يعمل بالثاني ويتيمم بعد تلف ما بقي من الأول إن بقي منه شيء بلا إعادة مع أنه يظن نجاسة أعضائه من أثر الوضوء الأول ، فالظاهر أن هذا الظن لا اعتبار به فيصح تيممه وإن لم يطهر أعضاءه .

                                                                                                                            لا يقال : يمكن حمل كلام المتن على ما لو غسل أعضاءه قبل التيمم ; لأنا نقول : هذه لو وجدت جاز له بل وجب عليه عند الفقد استعمال الثاني حيث ظن طهارته كما قاله البلقيني كغيره ( قوله : وهو ظاهر ) خلافا لحج ( قوله ثم إذا أعاده ) أي أعاد الاجتهاد ( قوله وبهذا فارق جواز إلخ ) أي بقوله [ ص: 98 ] لما فيه من نقض إلخ ( قوله : لانتفاء التعليل ) هو قوله لما فيه من نقص الاجتهاد بالاجتهاد إلخ ( قوله يريد فعلها ) أي ما لم يكن باقيا على طهارته ( قوله : بخلاف الثوب ) لو اجتهد في ثوبين طاهر ونجس ولم يظهر له الطاهر فهل يصلي عاريا ولا إعادة عليه ; لأنه عاجز عن الوصول إلى الطاهر فكان كالمعدوم ، أو يصلي عاريا وعليه الإعادة لوجود ثوب طاهر معه في الجملة ، أو يصلي في كل مرة كالماء وماء الورد كل محتمل ، والأقرب الثاني ، ويفرق بين منع صلاته بكل منهما مرة وبين وضوئه بكل من الماء وماء الورد بأنه يلزم على هذا الصلاة بيقين النجاسة فيكون مرتكبا لعبادة فاسدة دون الماء وماء ورد فتأمل ، ثم رأيت في باب شروط الصلاة بعد قول المصنف ولو اشتبه طاهر ونجس اجتهد ما نصه : ولو اجتهد في الثوبين ونحوهما فلم يظهر له شيء صلى عاريا ، وفي أحد البيتين لحرمة الوقت ولزمته الإعادة لكونه مقصرا بعدم إدراك العلامة ، ولأن معه ثوبا أو مكانا طاهرا بيقين ا هـ بحروفه رحمه الله .

                                                                                                                            وقوله لكونه مقصرا يؤخذ منه وجوب القضاء فورا ، وبه صرح الشارح في الصوم وابن حجر أيضا فيما لو لم يروا الهلال فأفطروا ثم تبين أنه من رمضان وعللوه بتقصيرهم بعدم الرؤية ( قوله : وفرق بما تقدم ) أي من قوله لما فيه إلخ



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : قبل الصلاة ) أي وقبل التيمم كما علم من كلامه فيما مر ( قوله : ويقيد عدم الإعادة ) هذا لا خصوصية له بهذا الحمل وإن أوهمه كلامه ( قوله : يتعين تخريجه على رأي الرافعي فقط ) يناقضه ما قدمه من جريان ذلك في الحمل الثاني أيضا كما هو قضية كلام المجموع ( قوله : تخالفهما ) أي الشيخين : أي في هذا الحمل الأخير ، وقوله غفلة عن وجوب تقييد ما أطلقه هنا بما قدمه : [ ص: 97 ] أي الذي قدمه هو قريبا بقوله ، ويقيد كلامه بما إذا خلطهما مثلا ( قوله : وهذا المسلك ) أي الأخير ، فإن الشهاب ابن حجر اقتصر عليه في شرحه ثم قال : وهذا المسلك إلى آخر ما سيأتي في الشرح والشارح تبعه ، لكن بعد أن قدم المسلكين المتقدمين في كلامه اللذين أحدهما حمله المتن على طريقة الرافعي ، وهو الذي حل به المتن فلم يتأت قوله : وبعضهم حصره على رأي الرافعي .

                                                                                                                            واعلم أن الشهاب ابن قاسم كتب على هذا المسلك في كلام الشهاب ابن حجر ما نصه : اعلم أن الجلال المحلي بين أن في وجوب الإعادة على كل من طريق الرافعي وطريق المصنف خلافا إلا أن الأصح منه على طريق الرافعي : أي بأن لم يبق من الأول بقية عدم الوجوب ، وعلى طريق المصنف بأن بقي الوجوب ، وبين أيضا أن محل خلاف الإعادة فيهما إذا لم يرق الباقي في الأول ولم يرقهما في الثاني قبل الصلاة فيهما ، فإن أراق ما ذكر قبلها فلا إعادة جزما ، لكن اعتباره كون الإراقة قبل الصلاة ينبغي أن يكون ضعيفا أو فيه تجوز ، وإلا فالمعتمد أن المعتبر كون الإراقة قبل التيمم .

                                                                                                                            إذا علمت ذلك علمت أن حكاية الخلاف في الإعادة تقتضي التصوير بما إذا انتفت الإراقة : أي ونحوها ، إذ لو لم تنتف كان عدم الإعادة مجزوما به ، وحينئذ فالمسألة مصورة بما إذا انتفت الإراقة ونحوها ، وإذا كانت مصورة بذلك تعين ما قاله البعض المذكور من التخالف في الإعادة وإجراء الكلام هنا على إطلاقه إذ تقييده ينافي ذكر الخلاف ، فقوله إن زعم البعض المذكور غفلة لعله غفلة ومن هنا يظهر ما في قولهم ; لأنه لا يظهره مقال الأصح إلخ ، ; لأنه يرد عليه أن مقابل الأصح لا يأتي أيضا على طريق الرافعي إذا حصلت الإراقة التي هي من نحو الخلط ، بل الوجه أن يقال في توجيه تعين التخريج على رأي الرافعي ; لأنه لا يأتي تصحيح عدم الإعادة على طريق المصنف ، بل الصحيح حينئذ هو الإعادة ، فأحسن التأمل بالإنصاف انتهى ( قوله : أما إذا بقي من الأول بقية ) يتأمل هذا السياق ( قوله : قبل الحدث ) لا حاجة إليه بل الأولى حذفه ( قوله : ومن الصلاة بنجاسة إلخ ) هذا لا يأتي إذا كان الاجتهاد بين طهور ومستعمل ، قال الشهاب ابن قاسم : [ ص: 98 ] فيتجه فيه العمل بالثاني مطلقا ( قوله : أو باجتهاد غير ذلك الاجتهاد ) أي في ماء غير هذين الماءين ( قوله : لكل صلاة ) أي إن أحدث أو تغير ظنه كما علم مما مر




                                                                                                                            الخدمات العلمية