الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                            صفحة جزء
                                                                                                                            ويشترط لصحة الركوع كونه ( بطمأنينة ) لخبر المسيء صلاته المار ، وأقلها أن تستقر أعضاؤه راكعا ( بحيث ينفصل رفعه ) من ركوعه ( عن هويه ) بفتح الهاء أفصح من ضمها : أي سقوطه ، فزيادة الهوي لا تقوم مقام الطمأنينة ( ولا يقصد به ) أي بالهوي ( غيره ) أي الركوع سواء أقصده أم لا كسائر الأركان لانسحاب نية الصلاة على ذلك ( فلو هوى لتلاوة فجعله ركوعا لم يكف ) لوجود الصارف فعليه أن ينتصب ليركع ، فلو قرأ إمامه آية سجدة ثم ركع عقبها فظن المأموم أنه هوى لسجدة التلاوة فهوى لذلك معه فرآه لم يسجد فوقف عن السجود هل [ ص: 498 ] يحسب له هذا عن الركوع ؟ الأقرب كما قاله الزركشي .

                                                                                                                            نعم ويغتفر ذلك للمتابعة فقد جزم به بعضهم ، وفي الروضة ما يشهد له فقال : لو قام الإمام إلى خامسة سهوا وكان قد أتى بالتشهد في الرابعة على نية التشهد الأول لم يحتج إلى إعادته على الصحيح انتهى .

                                                                                                                            وهذا أولى لأنه إذا قام المستحب مقام الواجب فلأن يقوم الواجب عن غيره بطريق الأولى وقول بعض المتأخرين : الأقرب عندي أنه يعود للقيام ثم يركع لا وجه له لفوات محله ، ولو قرأ آية سجدة وقصد أن لا يسجد ويركع فلما هوى عن له أن يسجد للتلاوة فإن كان قد انتهى إلى حد الراكعين فليس له ذلك وإلا جاز ( وأكمله ) أي : الركوع ( تسوية ظهره وعنقه ) كالصفيحة للإتباع رواه مسلم ويكره تركه نص عليه في الأم ( ونصب ساقيه ) وفخذيه لأنه أعون ولا يثني ركبتيه والساق مؤنثة ( وأخذ ركبتيه بيديه ) أي بكفيه للاتباع رواه البخاري ( وتفريق أصابعه ) تفريقا وسطا للاتباع ، رواه ابن حبان في صحيحه والبيهقي من غير ذكر الوسط ( للقبلة ) أي لجهتها لأنها أشرف الجهات ، واحترز بذلك عن أن يوجه أصابعه إلى غير جهتها من يمنة أو يسرة ، قاله الولي العراقي .

                                                                                                                            وفيه إشارة للجواب عن قول ابن النقيب لم أفهم معناه ولو تعذر وضع يديه أو إحداهما فعل الممكن ( ويكبر في ابتداء هويه ) للركوع ( ويرفع يديه كإحرامه ) وقد تقدم للإتباع رواه الشيخان لكن يسن أن يكون ابتداء الرفع [ ص: 499 ] وهو قائم مع ابتداء تكبيره ، فإذا حاذى كفاه منكبيه انحنى قاله في المجموع نقلا عن الأصحاب ، وفي البيان وغيره نحوه وصوبه الإسنوي .

                                                                                                                            قال في الإقليد : لأن الرفع حال الانحناء متعذر أو متعسر انتهى .

                                                                                                                            ويكون التشبيه في كلام المصنف بالنظر للرفع إذ لا يلزم أن يعطى المشبه حكم المشبه به من كل وجه فسقط ما قيل إن ما اقتضاه كلامه من أن الهوي يقارن الرفع ضعيف .

                                                                                                                            التالي السابق


                                                                                                                            حاشية الشبراملسي

                                                                                                                            ( قوله : أفصح من ضمها ) هذا مذهب الخليل ، وفي المصباح هوي يهوي من باب ضرب هويا بضم الهاء وفتحها ، وزاد ابن القوطية هواء بالمد سقط من أعلى إلى أسفل ، قاله أبو زيد وغيره ، وهوى يهوي أيضا هويا بالضم لا غير إذا ارتفع ، وهو يفيد أن الهوي بالضم يستعمل بمعنى السقوط والرفع ، وبالفتح بمعنى السقوط لا غير ، وفي القاموس ما يصرح بأن ثم لغة هي أن الهوي بالفتح السقوط وبالضم الارتفاع ( قوله : أم لا ) أي بأن أطلق أو قصده وغيره فلو هوي بقصد الركوع وقتل العقرب مثلا لم يضر ، هل يغتفر له الأفعال الكثيرة أم لا ؟ فيه نظر ، والأقرب الأول لأن هذا الفعل مطلوب منه ، لكن نقل عن فتاوى الشهاب الرملي أنه يضر كما لو تكرر دفع المار بأفعال متوالية فإنه تبطل صلاته وإن كان أصل الدفع مطلوبا انتهى .

                                                                                                                            أقول : وقد يفرق بينه وبين دفع المار بأن الدفع شرع لدفع النقص الحاصل بالمرور بين يدي المصلي والإكثار منه يذهب الخشوع ، فربما فات به ما شرع لأجله من كمال صلاته ، بخلاف ما هنا فإن قتل الحية مطلوب لدفع ضررها فأشبه دفع العدو والأفعال الكثيرة في دفعه لا تضر ( قوله : فلو هوى لتلاوة ) قال حج : أو قتل نحو حية ( قوله : فعليه أن ينتصب ليركع قال الشيخ عميرة : الظاهر أنه يسجد للسهو أيضا انتهى ، أقول : بل الظاهر أنه لا يسجد ) لأن هويه للتلاوة كان مشروعا وعوده ليركع واجب فلم يفعل شيئا يبطل عمده ، ومجرد جعله ركوعا بعد هويه بقصد التلاوة ليس فعلا لما يبطل عمده فليتأمل ، إلا أن يقال : قطع سجود التلاوة جائز حيث قطعه ليعود إلى القيام ، وإرادة جعله للركوع ينزل منزلة فعل يبطل عمده وفيه ما فيه ( قوله فرآه لم يسجد فوقف عن السجود ) فلو لم يعلم بوقوف الإمام في الركوع إلا بعد أن وصل للسجود فهل يقوم منحنيا حتى لو قام منتصبا ثم ركع عامدا عالما بطلت صلاته لزيادته ركوعا للاعتداد بهويه القياس .

                                                                                                                            نعم بناء على المعتمد المذكور وفاقا لم ر [ ص: 498 ] على الفور ، ويحتمل جواز القيام منتصبا لأن لهم ترددا في إجزاء الهوي والحالة ما ذكر ، ففي العود التخلص من شبهة التردد انتهى سم على منهج .

                                                                                                                            ومعلوم أن الكلام في العامد العام ( قوله الأقرب كما قاله الزركشي نعم ) أي خلافا لحج كما يأتي ( قوله : وهذا أولى ) قد تمنع الأولوية بأن المستحب ثم إنما قام مقام الواجب لأن نية الصلاة شملته ، كما يأتي في قيام جلوس الاستراحة مقام الجلوس بين السجدتين وهويه للتلاوة لم يشمله نية الصلاة وإن كان واجبا للمتابعة ، فحقه أن لا يكفي كما لا تكفي السجدة للتلاوة عن سجود الصلاة لو نسيه ( قوله : لأنه إذا قام المستحب ) أي وهو التشهد الأول في ظنه ، وقوله مقام الواجب : أي وهو التشهد الأخير ( قوله : وقول بعض المتأخرين ) مراده حج ( قوله : وقصد أن لا يسجد ويركع ) معناه وقصد الركوع فليس عطفا على المنفي ( قوله وإلا جاز ) دخل فيه ما لو خرج بهويه عن حد القيام بأن صار إلى الركوع أقرب منه إلى القيام ويحتمل أنه غير مراد ( قوله : ويكره تركه ) أي ترك الأكمل ( قوله : والساق مؤنثة ) وهي ما بين القدم والركبة وجمعها أسوق وسيقان وسوق انتهى عميرة وسم على منهج ومثله في القاموس ( قوله تفريقا وسطا للاتباع ) واعتبر في التفريق كونه وسطا لئلا يخرج بعض الأصابع عن القبلة ( قوله لم أفهم معناه ) أي معنى قول المصنف وتفرقة أصابعه للقبلة ( قوله : فعل الممكن ) ولو قطع من الزنديق لا يبلغ بهما الركبتين إذ به يفوت استواء الظهر انتهى شرح البهجة الكبير .

                                                                                                                            ويؤخذ منه أنه لو لم يفت استواء الظهر ندب أن يبلغ بهما الركبتين ، وقوله الزندين بفتح الزاي وعبارة المصباح : الزند ما انحسر عنه اللحم من الذراع وهو مذكر والجمع زنود مثل فلس وفلوس انتهى ( قوله : ويكبر في ابتداء هويه ) قال الشيخ عميرة : قلت يجوز قراءة يكبر بنصب الراء عطفا على تسوية فيكون التقدير أكمله أن يسوي وأن يكبر انتهى .

                                                                                                                            أقول : ويجوز رفعه إذ هو الأصل ، ولعله لم يجزم بالنصب لأنه ليس قبله ناصب صريحا ( قوله : ويرفع يديه ) قد صنف البخاري في ذلك تصنيفا رد فيه على منكري الرفع وقال : إنه رواه سبعة عشر من الصحابة رضي الله تعالى عنهم ، وأن عدم الرفع لم يثبت عن أحد منهم بر انتهى سم على منهج .

                                                                                                                            قال حج : ونقله غيره : أي غير البخاري عن أضعاف ذلك [ ص: 499 ] قوله : مع ابتداء تكبيره ) أي ويمده إلى أن يصل إلى حد الركوع ، وكذا في سائر الانتقالات حتى في جلسة الاستراحة فيمده على الألف التي بين اللام والهاء لكن بحيث لا تجاوز سبع ألفات لأنها غاية هذا المد ومن ابتداء رفع رأسه إلى تمام قيامه انتهى حج



                                                                                                                            حاشية المغربي

                                                                                                                            ( قوله : ; لأنه إذا قام المستحب إلخ ) الفرق أن ذاك شملته نية الصلاة الذي هو شرط وقوع الفعل أو القول من الصلاة عن نظيره بخلاف هذا ، على أنا نمنع في صورة الروضة قيام مستحب مقام واجب كما يعلم بالتأمل [ ص: 499 ] قوله : ويكون التشبيه في كلام المصنف بالنظر للرفع ) إلخ لا يخفى أن حاصل هذا أن التشبيه في قول المصنف كإحرامه راجع إلى مجموع قوله ويكبر في ابتداء هويه ، ويرفع يديه .

                                                                                                                            إلا أنه بالنظر لقوله ، ويرفع يديه فقط ، فهو تشبيه ناقص ولك أن تقول : ما الداعي إلى هذا التكلف وما المانع من جعله قصرا ومن أول الأمر على قوله ، ويرفع يديه فيكون التشبيه تاما




                                                                                                                            الخدمات العلمية