الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        معلومات الكتاب

                                                                                        البحر الرائق شرح كنز الدقائق

                                                                                        ابن نجيم - زين الدين بن إبراهيم بن محمد

                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        ( قوله مستفتحا ) هو حال من الوضع أي يضع قائلا : سبحانك اللهم وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك ، وقد تقدم أنه سنة لرواية الجماعة أنه كان صلى الله عليه وسلم يقوله إذا افتتح الصلاة ، أطلقه فأفاد أنه يأتي به كل مصل إماما كان أو مأموما أو منفردا لكن قالوا المسبوق لا يأتي به إذا كان الإمام يجهر بالقراءة للاستماع ، وصححه في الذخيرة ، ثم " سبحان " في الأصل مصدر كغفران ، وهو لا يكاد يستعمل إلا مضافا منصوبا بإضمار فعله وجوبا فمعنى سبحانك أسبحك تسبيحا أي أنزهك تنزيها ، وقيل أعتقد نزاهتك عن كل صفة لا تليق بك " وبحمدك " أي نحمدك بحمدك فهو في المعنى عطف الجملة على الجملة فحذفت الثانية كالأولى وأبقى حرف العطف داخلا على متعلقها مرادا به الدلالة على الحالية من الفاعل فهو في موضع نصب على الحال منه ، فكأنه إنما أبقى ليشعر بأنه قد كان هنا جملة طوي ذكرها إيجازا على أنه لو قيل بحمدك بلا حرف العطف كان جائزا صوابا كما روي عن أبي حنيفة ; لأنه لا يخل بالمعنى المقصود .

                                                                                        والحاصل أنه نفى بقوله " سبحانك " صفات النقص وأثبت بقوله " بحمدك " صفات الكمال ; لأن الحمد إظهار الصفات الكمالية ، ومن هنا يظهر وجه تقديم التسبيح على التحميد " وتبارك " لا يتصرف فيه ولا يستعمل إلا لله تعالى ذكره القاضي البيضاوي ولعل المعنى والله أعلم : تكاثر خيور أسمائك الحسنى وزادت على خيور سائر الأسماء لدلالتها على الذات السبوحية القدوسية العظمى ، والأفعال الجامعة لكل معنى أسنى " وتعالى جدك " أي ارتفع عظمتك أو سلطانك أو غناك عما سواك " ولا إله غيرك " في الوجود فأنت المعبود بحق فبدأ بالتنزيه الذي يرجع إلى التوحيد ، ثم ختم بالتوحيد ترقيا في الثناء على الله عز وجل من ذكر النعوت السلبية والصفات الثبوتية إلى غاية الكمال في الجلال والجمال وسائر الأفعال ، وهو الانفراد بالألوهية وما يختص به من الأحدية والصمدية فهو الأول والآخر والظاهر والباطن ، وهو بكل شيء عليم ، وأشار .

                                                                                        [ ص: 328 ] المصنف إلى أنه لا يزيد على الاستفتاح فلا يأتي بدعاء التوجه ، وهو وجهت وجهي لا قبل الشروع ولا بعده هو الصحيح المعتمد ونص في البدائع على أن عن أبي يوسف روايتين : في رواية يقدم التسبيح على التوجه وصححه الزاهدي ، وفي رواية : إن شاء قدمه ، وإن شاء أخره ، وقد روى البيهقي عن جابر مرفوعا أنه صلى الله عليه وسلم { كان يجمع بينهما } ، وهو محمول على النافلة ; لأن مبناها على التوسع ويدفعه ما رواه ابن حبان في صحيحه { كان إذا قام للصلاة المكتوبة يجمع بينهما } ومنهم من أجاب بأن ذلك كان في أول الأمر ، ويدل عليه أن عمر رضي الله عنه جهر بالتسبيح فقط لتقتدي الناس به ويتعلموه فهو ظاهر في أنه وحده هو الذي كان عليه النبي صلى الله عليه وسلم آخر الأمر في الفرائض ، وفي منية المصلي وإذا زاد " وجل ثناؤك " لا يمنع ، وإن سكت لا يؤمر به ، وفي الكافي أنه لم ينقل في المشاهير ، وفي البدائع أن ظاهر الرواية الاقتصار على المشهود فالحاصل أن الأولى تركه في كل صلاة نظرا إلى المحافظة على المروي من غير زيادة عليه في خصوص هذا المحل ، وإن كان ثناء على الله تعالى ، ثم اعلم ، أنه يقول في دعاء التوجه : " وأنا من المسلمين " ، ولو قال " وأنا أول المسلمين " اختلف المشايخ في فساد صلاته والأصح عدم الفساد وينبغي أن لا يكون فيه خلاف لما ثبت في صحيح مسلم من الروايتين بكل منهما وتعليل الفساد بأنه كذب مردود بأنه إنما يكون كذبا إذا كان مخبرا عن نفسه لا تاليا وإذا كان مخبرا فالفساد عند الكل .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        ( قوله لكن قالوا المسبوق لا يأتي له إلخ ) قال في النهر : الأولى أن يقال إلا إذا شرع الإمام في القراءة مسبوقا كان أو مدركا ، جهر أو لا لما في الصغرى أدرك الإمام في القيام والركوع يثني ما لم يبدأ الإمام بالقراءة وقيل في المخافتة يثني ، وإن كان الإمام في القراءة بخلاف الجهرية ا هـ .

                                                                                        فقوله وقيل إلخ أفاد أن ما قاله المؤلف أنه يمنع عن الثناء في صورة الجهر فقط ضعيف وأن المعتمد أنه يمنع عن الثناء متى شرع الإمام في القراءة سرا أو جهرا ، وحاصله : أن الخلاف فيما إذا شرع الإمام في القراءة سرا ، فالمفهوم من البحر أنه يثني وعبر عنه في الصغرى بقيل فأفاد ضعفه ، وأما في قراءة الجهر فأنه يمنع من الثناء بلا خلاف لكن مقتضى قوله وصححه في الذخيرة أن فيه خلافا أيضا ، وكذا قال في التتارخانية عن الخلاصة ويسكت المؤتم عن الثناء إذا جهر الإمام هو الصحيح ا هـ .

                                                                                        وهو بإطلاقه يشمل المدرك والمسبوق ، وقد رأيت في الذخيرة التصريح بالخلاف في الجهرية وصحح أنه لا يثني بعدما نقل عن شيخ الإسلام أنه في المخافتة يثني لأن الثناء سنة مقصودة والإنصات إنما يجب حالة الاستماع فيسن تعظيما للقرآن فكان سنة تبعا لا مقصودا بنفسه بخلاف الثناء فمراعاة السنة المقصودة أهم ، فإن قيل الإنصات فرض وإن كان لا يستمع حتى سقطت التلاوة عن المقتدي قلنا إنما سقطت لأن قراءة الإمام له قراءة لا للإنصات وليس ثناء الإمام ثناء للمقتدي فإذا لم يأت به يفوته ا هـ .

                                                                                        ملخصا . وظاهره اعتماد أنه يأتي به في المخافتة وعليه مشى في الدرر أيضا ، وكذا في متن التنوير ، وكذا في الخانية حيث قال وينبغي التفصيل إن كان الإمام يجهر لا يأتي به ، وإن كان يسر يأتي به ا هـ . ومشى عليه في المنية أيضا .




                                                                                        الخدمات العلمية