الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                        صفحة جزء
                                                                                        وأما بيان الألفاظ التي تكون وصية ، والتي لا تكون وصية روى ابن سماعة في نوادره عن محمد إذا قال الرجل اشهدوا أني أوصيت [ ص: 464 ] لفلان بألف درهم ، وأوصيت أن لفلان في مالي ألف درهم فالألف الأولى وصية ، والأخرى إقرار ، والفرق أن أوصيت لما دخلت على أن المصدرية تستعمل بمعنى ذكرت ، ولهذا كان إقرارا بخلاف الأولى فإنها على بابها .

                                                                                        وفي الأصل إذا قال في وصيته سدس داري لفلان وإني أجيز ذلك يكون وصية ، ولو قال سدس في داري لفلان وإني أجيز ذلك يكون وصية ، ولو قال لفلان سدس في داري فإنه يكون إقرارا ، وعلى هذا إذا قال الرجل لفلان درهم من مالي يكون وصية استحسانا ، وإن كان في ذكر وصيته إذا قال في مالي كان إقرارا ، وإذا قال عبدي هذا لفلان ، وداري هذه لفلان ، ولم يقل وصية ولا كان في ذكر وصية ولا بعد موتي كانت هبة قياسا واستحسانا ، وإن قبضها في حال حياته صح ، وإن لم يقبضها حتى مات فهو باطل ، وإن ذكرها في خلال الوصية ذكر الشيخ الإمام الزاهد أحمد الطواويسي في شرح وصايا الأصل القياس أن يكون هذا وصية ، وفي الاستحسان لا يكون وصية ، وإذا قال أوصيت أن يوهب لفلان سدس داري بعد موتي كان ذلك وصية عملا بقوله بعد موتي فالهبة بعد الموت هي الوصية فتصح مع الشيوع ولا يشترط قبضه في حياة الموصي ، ولو قال ثلثي مالي لفلان أو قال سدس مالي لفلان ثم مات قبل أن يقبض فالقياس أن يكون هذا باطلا ، وفي الاستحسان يكون وصية جائزة ، وتأويله إذا قال ذلك في خلال الوصايا يكون وصية ظاهرة فصار كأنه قال ثلث مالي وصية لفلان ، ولو قال هكذا فإنه جائز ، وإن كان قبل القبض ، وكذلك إذا قال بعد موتي لأنه لما قال بعد موتي فإنه نص على الوصية بخلاف ما إذا قال في صحته ثلث مالي لفلان لأنه لم يصرح بالوصية ولا ذكرها في خلال الوصايا ولا إضافة إلى ما بعد الموت فلا يجعل وصية بل يجعل هبة حتى لو ذكرها في خلال الوصايا أو إضافة إلى ما بعد الموت ، وكان ذلك في حال الصحة يكون وصية .

                                                                                        والحاصل لا فرق بين حالة الصحة وحالة المرض ، وروى محمد عن أبي يوسف ، وعن أبي حنيفة في رجل قال في مرضه أو في صحته إن حدث لي حادث فلفلان كذا هذا وصية ، وكذلك لو قال لفلان ألف درهم من ثلثي فهذا وصية ، وإن لم يذكر فيها الموت ، ولو قال لفلان ألف درهم من ثلث مالي أو قال من نصف مالي أو قال من ربع مالي فهو باطل ، وفي الخانية قال ذلك في صحته أو مرضه إلا أن يكون عند ذكر الوصية ، وفي فتاوى الليث مريض قال أخرجوا ألف درهم من مالي أو قال أخرجوا ألف درهم ، ولم يزد على هذا ثم مات فإن قال ذلك في ذكر الوصية جاز ، وفي الخانية ، ويصرف إلى الفقراء رجل حضرته الوفاة فقال له رجل ألا توصي فقال قد أوصيت بثلث مالي ، ولم يزد عليه حتى مات يدفع كل السدس للفقراء ، وفي الخانية مريض قالوا له لم لا توصي فقال قد أوصيت بأن يخرج من ثلث مالي ألفان فيتصدق بألف على المساكين ، ولم يزد على ذلك حتى مات فإذا ثلث ماله ألفان قال الشيخ الإمام أبو القاسم يتصدق بالألف ، ولو قال المريض أوصيت أن يخرج ثلث مالي ، ولم يزد عليه قال يتصدق بجميع الثلث على الفقراء ، وفي المنتقى إذا قال إن مت من مرضي هذا فأمتي هذه حرة وما كان في يدها فهو عليها صدقة قال أرى ذلك جائزا على وجه الصدقة وما كان في يدها يوم مات ، وعليه البينة أن هذا كان في يدها يوم مات ، ولو قال إن مت من مرضي هذا فغلماني أحرار ، ويعطى فلان من مالي كذا وكذا ، ويحج عني ثم برئ من مرضه ثم مرض ثانيا ، وقال للشهود الذين أشهدهم على الوصية الأولى أو لغيرهم اشهدوا أني على الوصية الأولى .

                                                                                        قال محمد أما في القياس هذا باطل لأنه قد بطلت وصيته الأولى حين صح من مرضه ذلك لكنا نستحسن فنجيز ذلك منه ، ويتحاصون في الثلث ، وعلى هذا القياس ، والاستحسان إذا قال أوصيت لعبد ابنه بمائة درهم ، وللمساكين بمائة درهم ثم قال إن مت من مرضي هذا فغلماني أحرار ثم برئ ثم مرض ثانيا ولو قال إن لم أبرأ من مرضي ، وزاد في فتاوى الفضلي أو قال بالفارسية الدين الدين يتمارى من أبدا يا رين يتمارى ممن مر فحينئذ إذا برئ تبطل وصيته ، وفي الظهيرية ومجموع النوازل رجل قال لآخر في وصيته بالفارسية يتمارى دارد في ربدان مرابصين من فقد جعله وصيا في تركته ، وكذا لو قال معدهم وممر يأمرهم وما يجري مجراه ، ولو قال المريض عمر كان من وريد من تحول بعد أن مات أو قال مرور بدان من أصابع فمات قال يصير وصية ، امرأة أوصت بأشياء ، وقال في ذلك حر لسان من أما وكان بها هندان قال من هل تصح هذه الوصية وماذا يعطي قال هذه وصية لمن ليس هو من جملة أربابها ، والتقدير في هذا ذلك [ ص: 465 ] لما يخاطبه بذلك يعطي مالها أقرباؤها ، وقد يبطل اسم التذكرة الخانية مريض أوصى بوصايا ثم برئ من مرضه ذلك ، وعاش سنين ثم مرض فوصاياه ثابتة إن لم يقل إن مت من مرضي هذا أو قال إن لم أبرأ من مرضي هذا فقد أوصيت بكذا أو قال بالفارسية الدمن أرين سماري غير من فحينئذ إذا برئ بطلت وصيته ، ولو قال أبرأت غرمائي ، ولم يسمهم ، ولم ينو أحدا منهم بقلبه .

                                                                                        قال أبو القاسم روى ابن مقاتل عن أصحابنا أنهم لا يبرئون رجلا له دين على رجل فقال المديون إذا مت فأنت بريء من ذلك الدين قال أبو القاسم يجوز ، ويكون وصية من الطالب للمطلوب ، وفي النوازل سئل عن رجل كان له على رجل دين فقال له الطالب إذا مت فأنت بريء من ذلك الدين قال يجوز ، وتكون وصية من الطالب للمطلوب إذا مات ، وإذا قال إن مت فأنت بريء من ذلك الدين قال لا يبرأ ، وهو مخاطرة ، وهو بمنزلة قوله إن دخلت الدار فأنت بريء مما عليك ، وفي المنتقى إذا قال الرجل ضعوا ثلثي حيث أمر الله تعالى يرد إلى الورثة ، وفي الخلاصة ، ولو قال ثلث مالي حيثما يرى الناس أو حيثما يرى المسلمون قيل في عرفنا ليست بوصية ، وفي العيون إذا قال انظروا إلى كل ما يجوز لي أن يوصى به فأعطوه فهذا على الثلث ، ولو قال انظروا ما يجوز لي أن أوصي به فأعطوه فالأمر إلى الورثة لأنه يجوز أن يوصي بدرهم وبأكثر ، وقوله ما يجوز لي كذا ذكرهما هاهنا ، ومراده إذا كانت الورثة كبارا كلهم أما إذا كان فيهم صغير أو من في معناه يجعل في حقه كان الموصي أوصى بدرهم لا غير لأنه هو المتيقن ، وسئل أبو نصر عمن قال ادفعوا هذه الدراهم أو هذه الثياب إلى فلان ، ولم يقل هي له قال إن هذا باطل لأن هذا ليس بوصية ، وسئل أبو نصر الدبوسي عمن قال في وصيته ثلث مالي وقف ، ولم يزد على هذا .

                                                                                        قال إن كان ماله نقدا يعني دراهم أو دنانير وما أشبه ذلك فهذا القول منه باطل ، وصار كقوله هذه الدراهم وقف ، وإن كان ماله ضياعا أو نحوه صار وقفا على الفقراء ، وفي الظهيرية ، وقد قيل الفتوى على أنه لا يجوز ما لم يبين جهة الوقف ، ولو أوصى رجل أن ما وجد مكتوبا من وصية والدي ، ولم أكن نفذتها تنفذ أو أقر بذلك على نفسه إقرارا في مرضه قالوا هذه وصية إن صدقته الورثة بتصديقهم ، وإن كذبوه كان من الثلث بخلاف الدين ، وفي الخانية بخلاف الدين الذي لا طالب له إلا الله تعالى ، وكان حكمه حكم الزكاة والكفارات ، وسئل محمد بن مقاتل عمن أوصى أن يعطى للناس ألف درهم قال الوصية باطلة ، ولو قال تصدقوا بألف درهم فهو جائز ، ويعطى للفقراء ، وفي الخلاصة لو قال لعبده أنت لله لا يعتق ، وقال محمد الوصية جائزة ، وتصرف إلى وجوه البر ، وفي الخانية ، وفي مسألة العتق إن أراد به العتق عتق ، وإن أراد به أنه لله لا يلزمه شيء .

                                                                                        التالي السابق


                                                                                        الخدمات العلمية