الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6454 [ ص: 263 ] 40 – باب: من رأى مع امرأته رجلا فقتله

                                                                                                                                                                                                                              6846 - حدثنا موسى ، حدثنا أبو عوانة ، حدثنا عبد الملك ، عن وراد - كاتب المغيرة - عن المغيرة قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح . فبلغ ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال :" أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير مني " . [ 7416 - مسلم : 1499 - فتح 12 \ 174 ]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث المغيرة - رضي الله عنه - قال : قال سعد بن عبادة : لو رأيت رجلا مع امرأتي لضربته بالسيف غير مصفح . فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال :" أتعجبون من غيرة سعد ، لأنا أغير منه ، والله أغير مني " .

                                                                                                                                                                                                                              الشرح :

                                                                                                                                                                                                                              قوله ( غير مصفح ) هو بإسكان الصاد وفتح الفاء ، كذا هو مضبوط في الأصول . قال ابن التين : وكذا رويناه اسم مفعول من أصفح . وحكى أبو عبد الملك كسرها أيضا . وفي " الصحاح " : صفحته إذا ضربت عنقه بالسيف مصفحا . أي : بعرضه ، تقول : وجه هذا السيف مصفح . أي : عريض من أصفحته .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (" أتعجبون من غيرة سعد ") قال الداودي : يدل على أنه حمد ذلك وأجازه له فيما بينه وبين الله . ( والغيرة ) من أحمد الأشياء ومن لم تكن فيه فليس على خلق محمود . وقال المهلب : هو دال على وجوب القود فيمن قتل رجلا وجده مع امرأته ؛ لأن الله وإن كان أغير من عباده فإنه أوجب الشهود في الحدود ، فلا يجوز لأحد أن يتعدى حدود الله ولا يسقط دما بدعوى . وفي " الموطأ " نحو هذا

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 264 ] مبينا من حديث سهيل عن أبيه ، عن أبي هريرة أن سعد بن عبادة قال : يا رسول الله ، أرأيت إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة شهداء ؟ فقال - عليه السلام - :" نعم " . ووجه ذلك أن الحدود لا يقيمها إلا السلطان .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              إذا وجد رجل مع امرأته رجلا فلا يخلو من أحوال ثلاثة : إما أن لا يعلم من ذلك من قوله ، فهذا يقتل به إن قتله .

                                                                                                                                                                                                                              أو تقوم بينة أربعة إصابته إياها ، فإن كان محصنا لم يقتل قاتله ، وإن كان بكرا فقال ابن القاسم ( والمغيرة ) : لا يقاد به وعليه الدية ، خلافا لابن المغيرة . وقال ابن حبيب : يقاد به . وإذا قلنا بوجوب الدية ، فقال ابن القاسم هي على عاقلة الزوج . وقال أصبغ وأشهب : في مال القاتل .

                                                                                                                                                                                                                              ثالثها : إن أتى من ذلك ( . . .) فقيل : لا يقتل به . وقال محمد : إن ظهر عذره فلا قود عليه إلا أن يكون استأذن عليه ؛ لجواز أن يكون أخدعه حتى أدخله بيته . وقال سحنون : إذا نادى به وأشهد بامرأته أو جاريته ثم قتله بعد ذلك لم يكن عليه شيء قال : وكذلك لو شهد عليه وهو غائب وعلم أن الشهود عليه ، علم بذلك ثم وجده مقتولا في بيته . وعن ابن القاسم نحوه إذا قتله وقتل امرأة نفسه .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 265 ] فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وفيه من الفقه قطع الذرائع والتسبب [ في ] قتل الناس والادعاء عليهم بمثل هذا وشبهه ، وفي حديث سعد من رواية مالك : النهي عن إقامة الحدود بغير سلطان وبغير شهود ؛ لأن الله تعالى عظم دم المسلم وعظم الإثم فيه ، فلا يحل سفكه إلا بما أباحه الله تعالى ، وبذلك أفتى علي - رضي الله عنه - فيمن قتل رجلا وجده مع امرأته فقال : إن لم يأت بأربعة شهداء فليعط برمته . أي : يسلم برمته للقتل ، وعلى هذا جمهور العلماء .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الشافعي وأبو ثور يشهد فيما بينه وبين الله ، قتل الرجل وامرأته إن كانا ثيبين وعلم أنه قد نال منها ما يوجب الغسل ولا يسقط عنه القود في الحكم . وقال أحمد : ( إن جاء ببينة أنه وجد مع امرأته رجلا وقتله يهدر دمه ) إن جاء بشاهدين ، وهو قول إسحاق ، وهذا خلاف ما أسلفناه من قوله : ( أمهله حتى آتي بأربعة ؟ قال :" نعم ") .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن حبيب : إن كان المقتول محصنا فالذي ينجي قاتله من القتل أن يقيم أربعة شهداء أنه فعل بامرأته ، وإن كان غير محصن فعلى قاتله القود وإن أتى بأربعة شهود ، هذا وجه الحديث عندي . وذكر ابن مزين عن ابن القاسم أن في البكر والثيب سواء . يترك قاتله

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 266 ] إذا قامت له البينة بالرؤية ، وقال أصبغ عن ابن القاسم وأشهب : أستحب الدية في البكر في مال القاتل ، وهو قول أصبغ كما سلف ، وأسلفنا أيضا عن ابن المغيرة : لا قود عليه ولا دية ، وقد أهدر عمر بن الخطاب دما من هذا الوجه ، روى الليث عن يحيى بن سعيد : أن رجلا فقد أخاه فجعل ينشده في الموسم فقام رجل فقال : أنا قتلته ، فمر به إلى عمر - رضي الله عنه - ، فسأله ، فقال : إني مررت بأخي هذا في بيت امرأة مغيبة وهو يقول :

                                                                                                                                                                                                                              وأشعث غره الإسلام مني خلوت بعرسه ليل التمام أبيت على ترائبها ويسري
                                                                                                                                                                                                                              على صهباء لاحقة الحزام



                                                                                                                                                                                                                              فأهدر عمر دمه . وذكر ابن أبي شيبة أن اسم ( المغيب ) أشعث ، وروى الليث أيضا عن يحيى بن سعيد أن زيد بن أسلم أدرك المرأة الهزلية التي رمت ضيفها الذي أرادها على نفسه ، فقتله عجوز كبيرة ، فأخبرته أن عمر أهدر دمه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن مزين : ما روي عن عمر - رضي الله عنه - في هذا أنه ثبت عنده ذلك من عداوتهم وظلمهم ، ولو أخذ بقول الرجل في ذلك بغير بينة لعمد الرجل إلى الرجل يريد قتله فيدعوه إلى بيته لطعام أو حاجة ثم يقتله ويدعي أنه وجده مع امرأته ، فيؤدي ذلك إذا قبل قوله إلى إباحة الدماء وإسقاط القود فيها بغير حق ولا ثبات .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 267 ] وقال ابن المنذر : الأخبار عن عمر - رضي الله عنه - في هذا مختلفة وعامتها منقطعة ، فإن ثبت عنه الإهدار فيها فإنما ذلك لبينة ثبتت عنده تسقط الحد .

                                                                                                                                                                                                                              وروى عبد الرزاق عن الثوري عن المغيرة بن النعمان عن هانئ بن حزام أن رجلا وجد مع امرأته رجلا فقتلهما ، قال : فكتب عمر كتابا في العلانية : أن يقتلوه ، وكتابا في السر : أن يعطوه الدية . وروى الأعمش عن ابن وهب أن عمر - رضي الله عنه - أمر بالدية في ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              قال الشافعي : وبحديث علي نأخذ ولا أحفظ عن أحد من أهل العلم قبلنا مخالفة له . قال ابن المنذر : وقد حرم الله دماء المؤمنين في كتابه إلا بالحق فغير جائز إباحة ما ثبت تحريمه إلا ببينة ، ونهى الشارع سعدا ( أن يقتل ) حتى يأتي بأربعة شهداء ، وفي نهيه له عن ذلك مع مكانه من الثقة والصلاح دليل على منع جميع الناس من قتل من يدعون إباحة قتله بغير بينة .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية