الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              6535 6934 - حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا عبد الواحد ، حدثنا الشيباني ، حدثنا يسير بن عمرو قال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الخوارج شيئا ؟ قال : سمعته يقول - وأهوى بيده قبل العراق - :" يخرج منه قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية " . [ مسلم : 1068 - فتح 12 \ 290 ] .

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي سعيد - رضي الله عنه - قال : بينا النبي - صلى الله عليه وسلم - يقسم جاء عبد الله بن ذي الخويصرة التميمي فقال : اعدل . . . الحديث ، سلف بطوله في باب : علامات النبوة .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 574 ] وقال هنا :" ينظر في قذذه فلا يوجد فيه شيء " إلى آخر الحديث .

                                                                                                                                                                                                                              وحديث الشيباني - وهو أبو إسحاق الشيباني سليمان - ثنا يسير بن عمرو - ويقال : بالهمز بدل الياء - المحاربي ، قال : قلت لسهل بن حنيف : هل سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - يقول في الخوارج شيئا ؟ قال : سمعته يقول - وأهوى بيده قبل العراق - :" يخرج منه قوم يقرءون القرآن لا يجاوز تراقيهم ، يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية " .

                                                                                                                                                                                                                              واعترض الإسماعيلي فقال : الحديث الأول إنما هو في ترك القتل لا القتال المنفرد الذي لا يقاتل كيف يقاتل ؟ فإذا أظهروا رأيهم ونصبوا للقتال فقتالهم حينئذ واجب ، وإنما ترك قتل ذي الخويصرة ؛ لأنه لم يكن أظهر ما قد يستدل بمثله على ما رواه ؛ لأن قتل من يظهر عند الناس العبادة والصلاح قبل استحكام أمر الإسلام ورسوخه في قلوب الأبعدين منفر لهم عن الدخول في الإسلام ، وكذا قال الداودي .

                                                                                                                                                                                                                              قوله : ( باب : من ترك ) . ليس بشيء ، لم يكن له فيه يومئذ مقاتل . ولو قال : لم يقتل لأصاب ، وتسميته إياهم من الخوارج لم يكن يومئذ هذا الاسم ، إنما سموا به لخروجهم على علي - رضي الله عنه - .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن بطال : لا يجوز ترك قتال من خرج على الأمة وشق عصاها ، وأما ذو الخويصرة فإنما ترك الشارع قتله ؛ لأنه عذره لجهله ، وأخبر أنه من قوم يخرجون ويمرقون من الدين ، فإذا خرجوا وجب قتالهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 575 ] وقد أخبرت عائشة - رضي الله عنها - أنه - عليه السلام - لم يكن ينتقم لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله ، وكان يعرض عن الجاهلين .

                                                                                                                                                                                                                              وقد وصف الله تعالى كرم خلقه فقال : وإنك لعلى خلق عظيم [ القلم : 4 ] .

                                                                                                                                                                                                                              قال المهلب : والتآلف إنما كان في أول الإسلام ؛ لحاجتهم إليه ، أما إذ أعلى الله الإسلام ورفعه على غيره ، فلا يجب التآلف إلا أن تنزل ( بالمسلمين ) ضرورة يحتاج فيها إلى التآلف فللإمام ذلك .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              و ( الرمية ) : الطريدة المرمية ، فعيلة بمعنى مفعولة ، يقال : شاة رمي إذا رميت ، ويقال : بئس الرمية الأرنب . فتدخل الهاء كما ذكره ابن بطال ، وهي عبارة الأصمعي قال : هي الطريدة التي يرميها الصائد : وهي كل دابة مرمية .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن سيده : يذهب إلى أن الهاء غالبا إنما تكون للإشعار بأن الفعل لم يقع بعد بالمفعول ، وكذلك يقولون : هذه ذبيحتك . للشاة التي لم تذبح بعد كالضحية ، فإن وقع عليها الفعل فهي ذبيح .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " الصحاح " : إنما جاءت الهاء لأنها صارت في عداد الأسماء ، وليس هو على رميت فهي مرمية ، وعدل به إلى فعيل .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 576 ] وفي " الجامع " للقزاز : الرمية ما رميت به من قسي . هكذا يقال مذكرا كان أو مؤنثا ، فإذا بينته قلت : ظبية رمية ، ونسر رمي ، فيذكر مع اسم المذكر ويؤنث مع اسم المؤنث .

                                                                                                                                                                                                                              و ( القذذ ) : ريش السهم ، كل واحدة قذة ، وقال ثابت : قذتا الجناحين جانباه .

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو حاتم : القذتان : الأذنان . وعبارة ابن التين : القذذ : الريش ، وهو جمع قذة : وهي الريشة ، وأصل القذة : قطع أطراف الريش على مثال القذة .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الداودي : القذذ عند الريش .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              والنضي بفتح النون وكسر الضاد على مثال فعيل - كذا رويناه - وحكي كسر النون : وهو القدح قبل أن ينحت ، قاله الأصمعي ، وهو موافق للحديث ؛ لأنه ذكر النصل قبل النضي في الحديث ، وقال أبو عمرو الشيباني : هو أصل السهم ، ويرده ما ذكرناه .

                                                                                                                                                                                                                              وفي " الصحاح " : هو ما بين الريش والنصل . وعبارته ما قارب الريش من العود ، وقيل : إنه العود الذي عند أصل الأنبوبة ، وتنضى أي : تخلع وتقرع .

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (" سبق الفرث والدم ") يعني : أنه مر سريعا في الرمية ، وخرج لم يعلق به من الفرث والدم شيء ، فشبه خروجهم من الدم ولم يتعلق منه شيء . ، بخروج ذلك السهم .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 577 ] وقوله : (" تدردر ") يعني : تضطرب تذهب وتجيء ، ومثله : تذبذب وتقلقل وتزلزل قال الخطابي : ومنه : دردر الماء . قلت : وأصل تدردر تتدردر ، فحذفت إحدى التاءين ، أي : زحزح يجيء ويذهب . والثدي يذكر ويؤنث للمرأة والرجل ، ( قاله الجوهري . وقال ابن فارس : هو للمرأة ، والجمع ) : ثدى .

                                                                                                                                                                                                                              قال : وثندؤة الرجل كثدي المرأة ، وهو مهموز إذا ضم أوله ، فإذا فتح لم يهمز ، ويقال : هو طرف الثدي .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقوله : (" على حين فرقة ") قد أسلفنا هناك أنه روي بالنون ، وبالخاء المعجمة والراء .

                                                                                                                                                                                                                              قال ابن التين : رويناه بالحاء المهملة وبالنون .

                                                                                                                                                                                                                              وضم الفاء من فرقة ، أي : افتراق .

                                                                                                                                                                                                                              قال الداودي : يعني ما كان يوم صفين ، وروي بالمعجمة ، وكان النعتان جميعا قال : ويحتمل أن يقولهما .

                                                                                                                                                                                                                              فصل :

                                                                                                                                                                                                                              وقول عمر - رضي الله عنه - : ( دعني أضرب عنقه ) ولم ينكر الشارع عليه ، فيه دليل أن قتله مباح فإن إبقاءه جائز لعلة . وبقيت فوائد أسلفناها هناك .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية