الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5956 - وكنت أغتسل أنا والنبي - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد. [انظر: 250 - مسلم: 319 - فتح: 10 \ 387]

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث عائشة - رضي الله عنها - : قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - من سفر وقد سترت بقرام لي على سهوة لي فيها تماثيل، فلما رآه النبي - صلى الله عليه وسلم - هتكه وقال: "أشد الناس عذابا يوم القيامة الذين يضاهون بخلق الله". قالت: فجعلناه وسادة أو وسادتين.

                                                                                                                                                                                                                              وحديثها أيضا: قدم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من سفر، وعلقت (درنوكا) فيه تماثيل، فأمرني أن أنزعه، فنزعته، وكنت أغتسل أنا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - من إناء واحد.

                                                                                                                                                                                                                              الشرح:

                                                                                                                                                                                                                              في هذا الحديث حجة لمن أجاز من استعمال الصور ما يمتهن ويبسط.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 200 ] وهو قول الثوري ومالك والشافعي وأبي حنيفة رحمهم الله، ألا ترى أن عائشة - رضي الله عنها - فهمت من إنكاره للصور في الستر إنما كان لما كان منصوبا ومعلقا دون ما كان منها مبسوطا يمتهن بالجلوس عليه والارتفاق به، ولذلك جعلته وسادة، وسيأتي مذاهب العلماء فيه بعد.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("إن أشد الناس") إلى آخره تفسير حديث ابن مسعود السالف، ويدل أن الوعيد الشديد إنما جاء لمن صور صورة مضاهاة لخلق الله كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              روى البخاري الحديث الأول عن علي بن (عبد) الله، ثنا سفيان سمعت عبد الرحمن بن القاسم - وما بالمدينة يومئذ أفضل منه - قال: سمعت أبي قال: سمعت عائشة - رضي الله عنها - ، فذكره كما سلف.

                                                                                                                                                                                                                              فيه: ذكر فضل عبد الرحمن، قال معمر: ما رأيت (فقيها) أفضل من عبد الله بن طاوس. قيل له: ولا هشام بن عروة. قال: ما كان يفضله ولم يكن مثله. قال إسماعيل بن إسحاق: لم ير معمر عبد الرحمن بن القاسم. يعني: لو رآه لفضله على ابن طاوس.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              قولها: (سترت) هو بتشديد المثناة فوق.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              القرام - بكسر القاف: الستر الرقيق، قاله ابن فارس والهروي .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 201 ] وقال الجوهري: هو ستر فيه رقم ونقوش، وكذلك المقرم والمقرمة . والسهوة بفتح المهملة، قال الأصمعي فيما نقله عنه الجوهري: هي كالصفة تكون بين يدي البيوت.

                                                                                                                                                                                                                              وقال أبو عبيد: سمعت غير واحد من أهل اليمن يقولون: إنها بيت صغير منحدر في الأرض، وسمكه مرتفع منها يشبه الخزانة الصغيرة يكون فيها المتاع .

                                                                                                                                                                                                                              وقال بعضهم: إنها شبيهة بالرف أو الطاق يوضع فيه الشيء.

                                                                                                                                                                                                                              قال أبو عبيد: وقول أهل اليمن عندي أشبه ما قيل فيه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخليل: هي أربعة أعواد يعرض بعضها على بعض ثم يوضع عليها المتاع .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن الأعرابي: هو الكوة بين الدارين. وقيل: بيت صغير يشبه المخدع. وقيل: هو كالصفة بين يدي البيت. وقيل: يشبه دجلة يكون في البيت.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المحكم": أنها حائط صغير يبنى بين حائطي البيت ويجعل السقف على الجميع، فما كان وسط البيت فهو سهوة، وما كان داخله فهو المخدع، وقيل: هو صفة بين بيتين، أو مخدع بين بيتين يستتر بها سقاة الإبل من الحر .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 202 ] وقيل: هو ثلاثة أعواد يعرض بعضها على بعض، وقيل: إنها الصخرة، طائية، لا يسمون بذلك غير الصخرة، وجمع ذلك كله: سهاء.

                                                                                                                                                                                                                              وفي "الغريبين": السهوة: الكندوج.

                                                                                                                                                                                                                              والهتك: خرق الستر عما وراءه، ويضاهون: يشاكلون ويشابهون، يهمز ولا يهمز، وقرئ بهما.

                                                                                                                                                                                                                              وقوله: ("أشد الناس عذابا") أي: من أشدهم; لأن إبليس وابن آدم الذي سن القتل أشد الناس عذابا.

                                                                                                                                                                                                                              والوسادة: المخدة، ويحتمل أن نزول الصورة في تقطيع الستر وسادة، أو يكون ذلك قبل حديث النمرقة إذ يفرق بين ما كان في ستر أو وسادة; لأنه ممتهن في الوسادة ويوطأ عليه، بخلاف الستر وهذا حجة.

                                                                                                                                                                                                                              والدرنوك: بضم الدال وفتحها، ذكرهما عياض .

                                                                                                                                                                                                                              قال النووي: والمشهور الأول، والنون مضمومة لا غير، ويقال: بالميم، وهو ضرب من البسط ذو خمل، ويشبه فروة البعير والأسد، وجمعه: درانك .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن فارس: الدرنوك من الثياب ذو خمل .

                                                                                                                                                                                                                              وقال الخطابي: أصله ثياب غلاظ لها خمل، وقد تبسط مرة فتسمى بساطا، وتعلق أخرى فتسمى سترا .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 203 ] وفي "المحكم": الدرنوك والدرنيك: ضرب من الثياب له خمل قصير كخمل المناديل. والدرنوك والدرنك: الطنفسة، وأما قول الراجز يصف بعيرا:

                                                                                                                                                                                                                              كأنه مجلل درانكا فقد يكون جمع: درنوك، وإنما يريد أن عليه وبر عامين أو أعوام، وأراد درانيكا، فحذف الياء للضرورة، وقد يجوز أن يكون جمع الدرنك التي هي الطنفسة .

                                                                                                                                                                                                                              وفي "المغيث": الدرنوك: البساط، وقيل: هو كل ثوب له خمل .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية