الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                              5718 6065 - حدثنا أبو اليمان، أخبرنا شعيب، عن الزهري قال: حدثني أنس بن مالك - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: " لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام". [ 6076 - مسلم: 2559 - فتح: 10 \ 481].

                                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                              ذكر فيه حديث أبي هريرة - رضي الله عنه - ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : "إياكم والظن" إلى قوله: "ولا تحاسدوا ولا تدابروا، ولا تحسسوا، ولا تجسسوا"

                                                                                                                                                                                                                              وحديث أنس - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا تباغضوا، ولا تحاسدوا، ولا تدابروا".

                                                                                                                                                                                                                              فيه: الأمر بالألفة والمحبة، والنهي عن التباغض والتدابر، وما أمرهم الشارع فعليهم العمل به، وما نهاهم عنه فعليهم الانتهاء عنه، وغير موسع عليهم مخالفته، إلا أن يخيرهم أن مخرج أمره لهم ونهيه على وجه الندب والإرشاد، وقد سلف في باب الحب في الله قوله - عليه السلام - : "والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا، ولا تؤمنوا حتى تحابوا" .

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 410 ] فدل ذلك أن أمره ونهيه في هذا الحديث على الوجوب، وقال أبو الدرداء: ألا أخبركم بخير لكم من الصدقة والصيام صلاح ذات البين، وإن البغضة هي الحالقة ; لأن في تباغضهم افتراق كلمتهم وتشتت أمرهم، وفي ذلك ظهور عدوهم عليهم ودروس دينهم.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: النهي عن الحسد على النعم، وقد نهى الله عباده المؤمنين عن أن يتمنوا ما فضل الله به بعضهم على بعض، وأمرهم أن يسألوه من فضله. وسنزيد فيه في باب النهي - إن شاء الله - وقد أجاز الشارع الحسد في الخير كما مضى، ويأتي.

                                                                                                                                                                                                                              وفيه: النهي عن التجسس وهو البحث عن بواطن الأمور للناس، وأكثر ما يقال ذلك في الشر. وقال ابن الأعرابي وأبو عمرو الشيباني: الجاسوس: صاحب الشر، والناموس: صاحب الخير.

                                                                                                                                                                                                                              قال الخطابي: وأما (بالحاء) فقيل كالجيم، وبه قرأ الحسن الآية، ومنهم من فرق بينهما فقيل: بالجيم البحث عن عورات المسلمين، (وبالحاء: الاستماع لحديث القوم. ورواه الأوزاعي عن يحيى بن أبي كثير) ، وقيل: بالحاء أن تطلب لنفسك، وبالجيم: أن تكون رسولا لغيرك، قاله أبو عمرو .

                                                                                                                                                                                                                              وقال ابن وهب: بالجيم إذا تخبرها من غيره، وبالحاء إذا تولاها بنفسه، وقيل: اشتقاقه من الحواس; ليدرك ذلك بها، وقيل: بالجيم: في الشر خاصة، وبالحاء فيه وفي الخير.

                                                                                                                                                                                                                              [ ص: 411 ] وقد فسر البخاري في بعض الروايات الجيم بأنه البحث، وهو في معنى ما سلف، وفي البخاري ذكر الجاسوس، وفسره من رواية الحموي بأنه: البحث عن الخير، وقيل: عن العدو، وقال ابن الأنباري: إنما سبق أحدهما على الآخر لاختلاف اللفظ; كقولهم بعدا أو سحقا. قيل: وقد يكون الخير بالعين.

                                                                                                                                                                                                                              فصل:

                                                                                                                                                                                                                              معنى: "لا تدابروا": لا تهاجروا، وهو أن يولي كل واحد منهما صاحبه دبره، وقيل: لا يتكلم أحد في غيبة أحد بما يسوءه، وقال الهروي: التدابر: التقاطع يقال: تدابر القوم، أي: أدبر كل واحد عن صاحبه .

                                                                                                                                                                                                                              وقال صاحب "العين": دابرت الرجل: عاديته، ومنه قولهم: جعلته دبر أذني أي: خلفها .




                                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية