الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        [ ص: 402 ] 2339 - حدثنا روح بن الفرج ، قال : ثنا أبو مصعب الزهري ، قال : ثنا ابن أبي حازم ، عن العلاء بن عبد الرحمن ، عن أبيه ، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرس ذات ليلة بطريق مكة ، فلم يستيقظ هو ولا أحد من أصحابه ، حتى ضربتهم الشمس ، فاستيقظ رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : هذا منزل به شيطان .

                                                        فاقتاد رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتاد أصحابه ، حتى ارتفع الضحى ، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأناخ أصحابه ، فأمهم ، فصلى الصبح
                                                        .

                                                        فلما رأينا النبي صلى الله عليه وسلم أخر صلاة الصبح لما طلعت الشمس وهي فريضة فلم يصلها حينئذ حتى ارتفعت الشمس وقد قال في غير هذا الحديث من نسي صلاة أو نام عنها ، فليصلها إذا ذكرها دل ذلك أن نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس ، قد دخل فيه الفرائض والنوافل ، وأن الوقت الذي استيقظ فيه ، ليس بوقت للصلاة التي نام عنها . فإن قال قائل: فلم قلت ببعض هذا الحديث ، وتركت بعضه ؟ فقلت : من صلى من العصر ركعة ثم غربت له الشمس ، أنه يصلي بقيتها .

                                                        قيل له : لم نقل ببعض هذا الحديث ، ولا بشيء منه ، بل جعلناه منسوخا كله ، بما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من نهيه عن الصلاة عند طلوع الشمس ، وبما قد دل عليه ما ذكرنا من حديث جبير ، وعمران ، وأبي قتادة ، وأبي هريرة على أن الفريضة قد دخلت في ذلك ، وأنها لا تصلى حينئذ ، كما لا تصلى النافلة . وأما الصلاة عند غروب الشمس لعصر يومه ، فإنا قد ذكرنا الكلام في ذلك في ( باب مواقيت الصلاة ) . فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار . وأما وجهه من طريق النظر ، فإنا رأينا وقت طلوع الشمس إلى أن ترتفع وقتا قد نهي عن الصلاة فيه . فأردنا أن ننظر في حكم الأوقات التي ينهى فيها عن الأشياء ، هل يكون على التطوع منها دون الفرائض ؟ أو على ذلك كله ؟

                                                        فرأينا يوم الفطر ، ويوم النحر ، قد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيامهما ، وقامت الحجة عنه بذلك ، فكان ذلك النهي عند جميع العلماء على أن لا يصام فيهما فريضة ، ولا تطوع . فكان النظر على ذلك ، في وقت طلوع الشمس ، الذي قد نهي عن الصلاة فيه ، أن يكون كذلك ، لا تصلى فيه فريضة ولا تطوع ، وكذلك يجيء في النظر ، عند غروب الشمس . وأما نهي النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة بعد العصر حتى تغيب الشمس ، وبعد الصبح حتى تطلع الشمس ، فإن هذين الوقتين لم ينه عن الصلاة فيهما للوقت ، وإنما نهي عن الصلاة فيهما للصلاة ، وقد رأينا ذلك الوقت يجوز لمن لم يصل أن يصلي فيه الفريضة والصلاة الفائتة . [ ص: 403 ] فلما كانت الصلاة هي الناهية وهي فريضة ، كانت إنما ينهى عن غير شكلها من النوافل ، لا عن الفرائض . وهذا قول أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد ، رحمهم الله تعالى . وقد قال بذلك الحكم وحماد .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية