الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                        صفحة جزء
                                                        989 - حدثنا أبو بكرة قال : ثنا أبو داود قال : ثنا قيس وشريك ، أنهما سمعا عثمان بن عبد الله بن موهب قال : سئل أبو هريرة رضي الله عنه " ما التفريط في الصلاة ؟ قال : أن تؤخر حتى يجيء وقت الأخرى . قالوا : وقد دل على ذلك أيضا ، ما قد روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لما سئل عن مواقيت الصلاة ، فصلى العصر في اليوم الأول حين صار ظل كل شيء مثله ، ثم صلى الظهر في اليوم الثاني في ذلك الوقت بعينه ، فدل ذلك أنه وقت لهما جميعا . قيل لهم : ما في هذا حجة توجب ما ذكرتم ، لأن هذا قد يحتمل أن يكون أريد به أنه صلى الظهر في اليوم الثاني في قرب الوقت الذي صلى فيه العصر في اليوم الأول ، وقد ذكرنا ذلك والحجة فيه في باب مواقيت الصلاة .

                                                        والدليل على ذلك قوله عليه السلام : " الوقت فيما بين هذين الوقتين " .

                                                        فلو كان كما قال المخالف لنا لما كان بينهما وقت إذا كان ما قبلهما وما بعدهما وقتا كله ، ولم يكن ذلك دليلا على أن كل صلاة من تلك الصلوات منفردة بوقت غير وقت غيرها من سائر الصلوات .

                                                        [ ص: 166 ] وحجة أخرى أن عبد الله بن عباس وأبا هريرة رضي الله عنهما قد رويا ذلك ، عن النبي صلى الله عليه وسلم في مواقيت الصلاة ثم قالاهما في التفريط في الصلاة " أنه تركها حتى يدخل وقت التي بعدها " .

                                                        فثبت بذلك أن وقت كل صلاة من الصلوات خلاف وقت الصلاة التي بعدها ، فهذا وجه هذا الباب من طريق تصحيح معاني الآثار . وأما وجه ذلك من طريق النظر فإنا قد رأيناهم أجمعوا أن صلاة الصبح لا ينبغي أن تقدم على وقتها ولا تؤخر عنه ، فإن وقتها وقت لها خاصة دون غيرها من الصلاة . فالنظر على ذلك أن يكون كذلك سائر الصلوات ، كل واحدة منهن منفردة لوقتها دون غيرها فلا ينبغي أن تؤخر عن وقتها ولا تقدم قبله . فإن اعتل معتل بالصلاة بعرفة وبجمع .

                                                        قيل له : قد رأيناهم أجمعوا أن الإمام بعرفة لو صلى الظهر في وقتها في سائر الأيام ، وصلى العصر في وقتها في سائر الأيام ، وفعل مثل ذلك في المغرب والعشاء بمزدلفة ، فصلى كل واحدة منهما في وقتها ، كما صلى في سائر الأيام كان مسيئا . ولو فعل ذلك وهو مقيم أو فعله وهو مسافر في غير عرفة ، وجمع ، لم يكن مسيئا .

                                                        فثبت بذلك أن عرفة وجمعا ، مخصوصتان بهذا الحكم ، وأن حكم ما سواهما في ذلك بخلاف حكمهما . فثبت بما ذكرنا أن ما روينا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الجمع بين الصلاتين أنه تأخير الأولى وتعجيل الآخرة . وكذلك كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم من بعده يجمعون بينهما .

                                                        التالي السابق


                                                        الخدمات العلمية