الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                            صفحة جزء
                                                            وعن سعيد عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فرع ولا عتيرة زاد الشيخان عقبه والفرع أول نتاج كان ينتج لهم يذبحونه وفصله أبو داود فجعله من قول سعيد وقال البخاري يذبحونه لطواغيتهم قال والعتيرة في رجب، وللنسائي نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع والعتيرة .

                                                            ولأبي داود والنسائي وابن ماجه من حديث نبيشة نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم كنا نعتر عتيرة في الجاهلية في رجب فما تأمرنا ؟ قال اذبحوا لله في أي شهر كان وبروا الله عز وجل وأطعموا. قال إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا ؟ قال في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه على ابن السبيل فإن ذلك خير ورواه الحاكم مختصرا في العتيرة وصححه زاد أبو داود (قلت لأبي قلابة كم السائمة ؟ قال مائة) .

                                                            وللنسائي والحاكم وصححه من حديث الحارث بن عمرو من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع .

                                                            ولأصحاب السنن من حديث مخنف بن سليم إن على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، وهل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي يسمونها الرجبية قال الترمذي حديث حسن غريب وللنسائي مرسلا من رواية شعيب بن محمد بن عبد الله وزيد بن أسلم قالوا يا رسول الله الفرع ؟ قال حق فإن تركته حتى يكون بكرا فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه فيلصق لحمه بوبره وتكفئ إناءك وتوله ناقتك قالوا يا رسول الله فالعتيرة ؟ قال العتيرة حق ووصله الحاكم من رواية شعيب عن جده عبد الله بن عمرو في الفرع وصححه ومن حديث أبي هريرة أيضا وصححه وذكر الحازمي أن حديث النهي ناسخ للإذن فيهما .

                                                            [ ص: 217 ]

                                                            التالي السابق


                                                            [ ص: 217 ] (الحديث الثاني)

                                                            عن سعيد عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا فرعة ولا عتيرة

                                                            (فيه) فوائد:

                                                            (الأولى) أخرجه الأئمة الستة فرووه خلا الترمذي من هذا الوجه من رواية ابن عيينة عن الزهري عن سعيد زاد البخاري قال والفرع أول نتاج كان ينتج لهم كانوا يذبحونه لطواغيتهم والعتيرة في رجب وزاده ابن ماجه أيضا بلفظة والفرعة أول النتاج والعتيرة الشاة يذبحها أهل البيت هكذا رويا هذا التفسير موصولا بالحديث وفصله أبو داود عنه فروى الحديث أولا مقتصرا على المرفوع ثم روى من طريق عبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد قال الفرع أول النتاج كان ينتج لهم فيذبحوه وروى مسلم والترمذي الحديث من طريق عبد الرزاق بتفسير الفرع موصولا بالحديث ورواه البخاري من طريق عبد الله بن المبارك عن معمر بالزيادة كلها موصولة بالحديث وروى النسائي من طريق شعبة قال حدثت أبا إسحاق عن معمر وسفيان يعني ابن حسين عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة قال أحدهما نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع والعتيرة .

                                                            وقال الآخر لا فرع ولا عتيرة وفي الباب أيضا عن نبيشة والحارث بن عمرو ومخنف بن سليم وعبد الله بن عمر وأبي هريرة وغيرهم فحديث نبيشة بضم النون وفتح الباء الموحدة وإسكان الياء المثناة من تحت [ ص: 218 ] وفتح الشين المعجمة رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه قال نادى رجل رسول الله صلى الله عليه وسلم إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية فما تأمرنا ؟ قال اذبحوا لله في أي شهر كان، وبروا الله عز وجل وأطعموا قال إنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية فما تأمرنا ؟ قال في كل سائمة فرع تغذوه ماشيتك حتى إذا استحمل ذبحته فتصدقت بلحمه فإن ذلك خير . وفي رواية أبي داود بعد قوله فتصدقت بلحمه قال خالد أحسبه قال على ابن السبيل وفي رواية ابن ماجه أراه قال على ابن السبيل وفي رواية للنسائي على ابن السبيل بالجزم وفي رواية له إسقاطها، وفي رواية أبي داود قال نصر يعني الجهضمي استحمل للحجيج وفيها أيضا قال خالد قلت لأبي قلابة كم السائمة ؟ قال (مائة) . وروى الحاكم قصة العتيرة فقط وقال هذا حديث صحيح الإسناد وقال ابن المنذر هو حديث ثابت وحديث الحارث بن عمرو رواه النسائي بلفظ إنه لقي رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع الحديث وفيه فقال رجل من الناس يا رسول الله العتائر والفرائع قال من شاء عتر ومن شاء لم يعتر ومن شاء فرع ومن شاء لم يفرع . ورواه الحاكم في مستدركه وقال صحيح الإسناد وحديث مخنف بكسر الميم وإسكان الخاء المعجمة وفتح النون وآخره فاء ابن سليم بضم السين رواه أصحاب السنن الأربعة من رواية عبد الله بن عون عن أبي رملة عنه قال كنا وقوفا مع النبي صلى الله عليه وسلم بعرفات [ ص: 219 ] فسمعته يقول يا أيها الناس على كل أهل بيت في كل عام أضحية وعتيرة، قال هل تدرون ما العتيرة ؟ هي التي تسمونها الرجبية . لفظ الترمذي وقال حسن غريب ولا نعرف هذا الحديث إلا من هذا الوجه من حديث ابن عون وقال الخطابي أبو رملة مجهول وهذا الحديث ضعيف المخرج انتهى وقد نكت على كلام الترمذي بأن أبا نعيم ذكر في تاريخ أصبهان أن رواية سليمان التيمي عن رجل عن أبي رملة ولكنه قيل إن الرجل هو ابن عون وذكر أبو نعيم أيضا أنه رواه ابن جريج عن حبيب بن مخنف بن سليم عن أبيه قال والدي رحمه الله والمعروف أن بينهما واسطة وهو عبد الكريم الجزري رواه كذا ورواه عبد الرزاق في المصنف عن ابن جريج ورواه الطبراني في معجمه الكبير من طريقه وقيل من هذا الوجه عن حبيب بن مخنف من غير ذكر أبيه وذكر ابن أبي حاتم عن عبد الرزاق أنه قال لا أدري عن أبيه أم لا. وحديث عبد الله بن عمر رواه الحاكم في المستدرك من رواية داود بن قيس الفراء قال سمعت عمرو بن شعيب يحدث عن أبيه عن جده عبد الله بن عمر وقال سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الفرع قال الفرع حق وإن تتركه حتى يكون بنت مخاض أو ابن لبون فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه يلصق لحمه بوبره وتوله ناقتك . [ ص: 220 ] قال الحاكم هذا حديث صحيح ورواه أبو داود في سننه وفي أوله ذكر العقيقة وقال أراه عن جده ورواه النسائي من رواية داود بن قيس قال سمعت عمرو بن شعيب بن محمد بن عبد الله بن عمر عن أبيه وزيد بن أسلم قالوا يا رسول الله الفرع، قال حق فإن تركته حتى يكون بكرا فتحمل عليه في سبيل الله أو تعطيه أرملة خير من أن تذبحه فيلصق لحمه بوبره فتكفئ إناءك وتوله ناقتك قالوا يا رسول الله فالعتيرة ؛ قال العتيرة حق . وحديث أبي هريرة رواه الحاكم في مستدركه من رواية عمرو بن دينار عن ابن أبي عمار عن أبي هريرة أنه قال في الفرعة هي حق ولا يذبحها وهي غراة من الغراة تلصق في يدك ولكن أمكنها من اللبن حتى إذا كانت من خيار المال فاذبحها وقال صحيح بهذا الإسناد.

                                                            (الثانية) الفرع بفتح الفاء والراء وبالعين المهملة والفرعة بزيادة هاء التأنيث قد عرفت تفسيره في الحديث بأنه أول النتاج وأما كونهم كانوا يذبحونه لطواغيتهم فليس من تتمة تفسيره فإن الاسم صادق عليه وإن لم يذبح وتقدم أن ظاهر رواية البخاري وغيره أن التفسير من نفس الحديث وأن أبا داود فصله فجعله من قول سعيد بن المسيب فيكون وصله بالحديث من الإدراج ونقل النووي في شرح المهذب عن أهل اللغة لأنه أول نتاج البهيم كانوا يذبحونه ولا يملكونه رجاء البركة في الأم وكثرة نسلها ثم قال هذا تفسير الشافعي وأصحابنا وغيرهم. وفي صحيح البخاري وسنن أبي داود [ ص: 221 ] أنه أول النتاج كانوا يذبحونه لطواغيتهم وكذا غاير في شرح مسلم بينهما ولا معنى لهذا لما قررته من أن الذبح ليس داخلا في مسماه سواء كان للطواغيت أو غيرها وأطلق النووي تبعا للحديث النتاج وقيده الجوهري والقاضي عياض وابن الأثير بنتاج الناقة وقيده ابن سيده في المحكم بنتاج الإبل والغنم فما أدري هو قيد أو مثال ثم حكى القاضي عياض وابن الأثير والنووي في شرح مسلم قولا آخر في الفرع وهو أن أهل الجاهلية كانوا إذا أتمت إبل الواحد منهم مائة قدم بكرا فذبحه لصنمه فهو الفرع ولم يجعل صاحب المحكم ذلك خلافا بل جعله من المشترك بين معان فقال الفرع والفرعة أول نتاج الإبل والغنم وكان أهل الجاهلية يذبحونه لآلهتهم وجمعه فرع ثم قال والفرع والفرعة ذبح كان يذبح إذا بلغت الإبل ما يتمناه صاحبها وجمعها فراع والفرع بعير كان يذبح في الجاهلية إذا كان للإنسان مائة بعير نحر منها بعيرا كل عام فأطعم الناس ولا يذوقه هو ولا أهله والفرع طعام يصنع لنتاج الإبل كالخرس لولادة المرأة ثم ذكر معاني أخر ليست ملائمة لهذا المعنى الذي نحن فيه.

                                                            (الثالثة) العتيرة بفتح العين المهملة وكسر التاء المثناة من فوق بعدها ياء مثناة من تحت فسرها في حديث أبي هريرة بأنها التي تذبح في رجب وفي حديث مخنف بأنها التي تسمى الرجبية وقيد أبو داود في سننه والنووي ذلك بأن تذبح في العشر الأول منه قال النووي واتفق العلماء على تفسيرها بهذا وفيما ذكره نظر فإن الخطابي بعد ذكره حديث مخنف قال هو الذي يشبه معنى الحديث ويليق بحكم الدين فأما العتيرة التي كان يعترها أهل الجاهلية فهي الذبيحة تذبح للصنم فيصب دمها على رأسه والعتر بمعنى الذبح ا هـ. فدل على أن للعتيرة معنى آخر وهو اللائق بتفسير المنفي في حديث أبي هريرة وجعل آخرون في ذلك خلافا قال في المشارق قال أبو عبيد هي الرجبية ذبيحة كانوا يذبحونها في الجاهلية في رجب يتقربون بها وكانت في أول الإسلام فنسخ ذلك وقال بعض السلف ببقاء حكمها ثم قال وقيل العتيرة نذر كانوا ينذرونه لمن بلغ ماله كذا رأسا أن يذبح من كل عشرة منها رأسا في رجب وجزم في النهاية بهذا [ ص: 222 ] القول وحكاه ابن المنذر عن أبي عبيد وقال في المحكم العتيرة أول ما ينتج كانوا يذبحونه لآلهتهم ثم ذكر أن الرجل كان يقول في الجاهلية إن بلغت إبلي مائة عترت منها عتيرة. وفي الصحاح العتر العتيرة وهي شاة كانوا يذبحونها في رجب لآلهتهم مثال ذبح وذبيحة انتهى فقيدها بالشاة وقد ظهر بذلك الخلاف في تفسير العتيرة وهو قادح في دعوى الاتفاق

                                                            والله أعلم.

                                                            (الرابعة) في حديث أبي هريرة نفى الفرع والعتيرة وفي رواية النهي عنهما وفي حديث الحارث بن عمرو التخيير بين فعلهما وتركهما وفي حديث عمرو بن شعيب أنهما حق وفي حديث المخنف الإلزام بالعتيرة وفي حديث نبيشة الأمر بالعتيرة من غير تقييد بكونها في رجب والإلزام بالفرع وأن تأخير ذبحه إلى كبره أفضل قال والدي رحمه الله في شرح الترمذي حديث النهي أصح وأحاديث الإباحة أكثر انتهى وقد اختلف العلماء في ذلك فذهبت طائفة إلى أن النهي ناسخ لأحاديث الإباحة قال ابن المنذر (كانت العرب تفعل ذلك في الجاهلية وفعلهما بعض أهل الإسلام بأمر النبي صلى الله عليه وسلم ثم نهى عنهما فقال لا فرعة ولا عتيرة فانتهى الناس عنهما لنهيه).

                                                            ومعلوم أن النهي لا يكون إلا عن شيء قد كان يفعل ولا نعلم أحدا من أهل العلم يقول إن النبي صلى الله عليه وسلم كان نهاهم عنهما ثم أذن لهم فيهما والدليل على أن الفعل كان قبل النهي قوله في حديث نبيشة إنا كنا نعتر عتيرة في الجاهلية وإنا كنا نفرع فرعا في الجاهلية .

                                                            وفي إجماع علماء الأمصار على النهي عن استعمالها مع ثبوت النهي عن ذلك بيان لما قلناه وكان ابن سيرين من بين أهل العلم يذبح العتيرة في رجب وكان يروي فيها شيئا انتهى وتبعه ابن بطال وقال بعد قوله وكان يروي فيها شيئا: لا يصح وأظنه حديث ابن عون عن أبي رملة عن مخنف بن سليم ولا حجة فيه لضعفه ولو صح لكان حديث أبي هريرة ناسخا له ؛ والعلماء مجمعون على القول بحديث أبي هريرة انتهى وذكر القاضي عياض أن جماهير العلماء على نسخ الأمر بالفرع والعتيرة وكذا ذكر أبو بكر الحازمي أن حديث النهي ناسخ لأحاديث الإذن وذهب آخرون إلى استحباب الفرع والعتيرة .

                                                            [ ص: 223 ] وأولوا النهي، قال الشافعي رضي الله عنه فيما رواه عنه المزني : الفرع شيء كان أهل الجاهلية يطلبون به البركة في أموالهم فكان أحدهم يذبح بكر ناقته أو شاته ولا يغذوه رجاء البركة فيما يأتي بعده فسألوا النبي صلى الله عليه وسلم عنه فقال أفرعوا إن شئتم أي اذبحوا إن شئتم وكانوا يسألونه عما كانوا يصنعونه في الجاهلية خوفا أن يكره في الإسلام فأعلمهم أنه لا كراهة عليهم فيه وأمرهم استحبابا أن يغذوه ثم يحمل عليه في سبيل الله وقوله الفرعة حق معناه أنها ليست بباطل ولكنه كلام عربي خرج على جواب السائل وقد روي عنه عليه السلام لا فرعة ولا عتيرة .

                                                            وليس هذا اختلافا من الرواية إنما هذا لا فرعة واجبة ولا عتيرة واجبة والحديث الآخر يدل على معنى ذا أنه أباح له الذبح واختار أن يعطيه أرملة أو يحمل عليه في سبيل الله والعتيرة هي الرجبية وهي ذبيحة كان أهل الجاهلية يتبركون بها في رجب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لا عتيرة على معنى لا عتيرة لازمة وقوله عليه السلام حيث سئل عن العتيرة اذبحوا لله في أي شهر ما كان إنها في رجب دون ما سواه من الشهور هذا كله كلام الشافعي حكاه عنه البيهقي في سننه وذكر ابن كج والدارمي أنهما لا يستحبان وهل يكرهان ؟

                                                            فيه وجهان:

                                                            (أحدهما) يكرهان للخبر (والثاني) لا كراهة فيهما، وحكى أن الشافعي رحمه الله قال إن تيسر ذلك كل شهر كان حسنا قال النووي في الروضة هذا النص للشافعي في سنن حرملة وفي سنن أبي داود وغيره حديث يقتضي الترخيص فيهما بل ظاهره الندب.

                                                            فالوجه الثاني يوافقه فهو الراجح وقال في شرح مسلم بعد نقله نص الشافعي المتقدم والصحيح عند أصحابنا وهو نص الشافعي استحباب الفرع والعتيرة ثم حكى نص حرملة وقال في شرح المهذب الصحيح وهو الذي نص عليه الشافعي واقتضته الأحاديث أنهما لا يكرهان بل يستحبان وقال الحنابلة إنهما لا يستحبان



                                                            (الخامسة) الذين قالوا بنفي استحباب الفرع والعتيرة حملوا قوله لا فرع ولا عتيرة على أن معناه مستحبان والذين قالوا باستحبابهما أجابوا عن هذا الحديث بأجوبة (أحدها) أن المعنى لا فرع واجب ولا عتيرة واجبة وهذا تأويل الشافعي رحمه الله كما [ ص: 224 ] تقدم ويشكل عليه وعلى جواب الأولين النهي الذي في رواية للنسائي فإنه لا يجيء معه نفي الوجوب ولا الاستحباب ولعل راويه روى بالمعنى في ظنه فأخطأ ؛ ظن أن معنى النفي النهي وليس كذلك بل معناه نفي الاستحباب أو الوجوب كما تقدم .

                                                            (ثانيها) أن المراد أنهما ليسا كالأضحية في الاستحباب المتأكد أو في ثواب إراقة الدم فأما تفرقة اللحم على المساكين فبر وصدقة.

                                                            (ثالثها) أن المراد نفي ما كانوا يذبحونه لأصنامهم فأما الذبيحة لا بقيد كونها للأصنام فلا بأس بها.

                                                            (السادسة) النتاج بكسر النون وقوله ينتج بضم أوله وفتح ثالثه على صيغة البناء للمفعول ثم يحتمل أن يكون مبنيا للفاعل وأن يكون مبنيا للمفعول فإن هذا الفعل لا يستعمل إلا بهذه الصيغة وإن كان مبنيا للفاعل يقال نتجت الناقة إذا ولدت .

                                                            وقوله (وفصله) أبو داود بتخفيف الصاد.

                                                            (والطواغيت) هنا المراد بها الأصنام ومفرده طاغوت وهو مقلوب لأنه من طغى والطغيان مجاوزة الحد.

                                                            وقوله (نعتر) بكسر التاء.

                                                            وقوله (وبروا الله) بفتح أوله أي أطيعوه.

                                                            وقوله (نفرع) بفتح الراء.

                                                            (السابعة) قوله في كل سائمة فرع السائمة الراعية ولم يذكر في الحديث لذلك عددا وفي سنن أبي داود عن أبي قلابة راوي الحديث أنه قال السائمة مائة.

                                                            وروى أبو داود أيضا بإسناد صحيح عن عائشة قالت أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم من كل خمسين شاة شاة . ورواه البيهقي بهذا اللفظ وبلفظ آخر أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالفرعة من كل خمسين واحدة . ورواه الحاكم في مستدركه بلفظ أمر بالفرع في كل خمسة واحدة . وقال صحيح الإسناد

                                                            ثم يحتمل أن يكون ذكر السائمة خرج مخرج الغالب فلا مفهوم له ويحتمل أن يتقيد ذلك بها كما في الزكاة وفي هذا استحباب أن يتصدق من كل مائة أو خمسين أو خمس بواحدة وهذا قدر زائد على الزكاة والله أعلم.

                                                            (الثامنة) قوله (تغذوه ماشيتك) بالذال المعجمة أي ترضعه ماشيتك وهي أمه لاحتياجه للرضاعة.

                                                            وقوله (استحمل) بفتح التاء أي قوي على الحمل وأطاقه وهو استفعل من الحمل ومعنى الحديث أن تأخير ذبح الفرع إلى أن يكمل ويشبع من لبن أمه ويجيء وقت الحمل عليه أفضل من المبادرة لذبحه في أول ولادته وخص ابن السبيل لشدة [ ص: 225 ] احتياجه أكثر من المقيم لغربته ونفاد نفقته



                                                            (التاسعة) استدل بقوله على أهل كل بيت في كل عام أضحية من قال بوجوبها وهو قول أبي حنيفة وقال الجمهور باستحبابها وأجابوا عن الحديث بضعفه كما تقدم وبتقدير صحته فالمراد الاستحباب المؤكد دون الوجوب ويدل لذلك أنه لم يقل أحد بوجوب العتيرة



                                                            (العاشرة) فيه أن الأضحية مشروعة على الكفاية فيكفي في تأدي مشروعيتها أن يضحي الواحد عنه وعن أهل بيته بأضحية واحدة.

                                                            (الحادية عشرة) البكر بالفتح الفتى من الإبل والأنثى بكرة وفي رواية لأبي داود بكرا شغزبا ابن مخاض أو ابن لبون وهو بضم الشين وإسكان الغين وضم الزاي المعجمات بعدها باء موحدة مشددة كذا وقع عند أبي داود قال الحربي الذي عندي أنه زخزبا أي بضم الزاي وإسكان الخاء المعجمة ثم زاي مضمومة ثم باء موحدة وهو الذي اشتد لحمه وغلظ قال الخطابي ويحتمل أن تكون الزاي أبدلت شينا والخاء غينا فصحف وهذا من غرائب الإبدال.

                                                            (الثانية عشرة) (قوله فيلصق) بفتح أوله لحمه بوبره كأن ذلك كناية عن هزاله أي لا يكون فيه شحم يفصل بين لحمه وجلده .

                                                            (وقوله فتكفأ إناءك) بفتح التاء والفاء يقال كفأ الإناء أي قلبه وكبه وأكفاه أي أماله وقيل هما لغتان فيهما فعلى الثاني يجوز فيها أيضا ضم التاء وكسر الفاء ومعناه أنك إذا ذبحت ولد الناقة انقطع لبنها فأكفأت إناء اللبن أي قلبته على وجهه لأنه فارغ من اللبن.

                                                            وقوله (وتوله ناقتك) أي تفجعها بفقد ولدها حتى يصيبها الوله وهو خبل العقل وقال أبو العباس القرطبي حين ذكر هذا الحديث وعلى هذا فالفرع هنا إنما هو الصغير ألا ترى أنه فسره بذلك ولا فرق بين أول النتاج وبين ما بعده والمعروف عن أهل اللغة أنه أول النتاج (قلت) هو صغير مخصوص وهو الذي يكون أول النتاج كما فسره في الحديث والله أعلم.




                                                            الخدمات العلمية