الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
39 - وأخبرنا أبو مسلم المؤيد بن عبد الرحيم بن أحمد بن الإخوة - بقراءتي عليه بأصبهان - قلت له : أخبركم أبو عبد الله الحسين بن عبد الملك الخلال - قراءة عليه وأنت تسمع - أنا إبراهيم بن منصور ، أنا محمد بن إبراهيم بن المقرئ ، أنا أبو يعلى الموصلي ، ثنا أبو موسى إسحاق بن إبراهيم الهروي ، ثنا النضر بن شميل ، ثنا أبو نعامة ، أنا البراء بن نوفل ، عن والان العدوي ، عن حذيفة ، عن أبي بكر الصديق قال : أصبح رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ذات يوم ، فصلى الغداة ، ثم جلس ، حتى إذا كان من الضحى ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جلس مكانه حتى إذا صلى الأولى ، والعصر ، والمغرب ، كل ذلك لا يتكلم ، حتى صلى العشاء الآخرة ، ثم قام إلى أهله ، فقال الناس لأبي بكر : سل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما شأنه صنع اليوم شيئا لم يصنعه قط ، فسأله ، فقال : نعم عرض علي ما هو كائن من أمر الدنيا والآخرة ، يجمع الأولون والآخرون بصعيد واحد ففظع الناس ذلك فانطلقوا إلى آدم ، والعرق يكاد أن يلجمهم ، فقالوا : يا آدم أنت أبو البشر وأنت [ ص: 122 ] اصطفاك الله ، اشفع لنا إلى ربك . قال : لقد لقيت مثل الذي لقيتم ، انطلقوا إلى أبيكم بعد أبيكم : إلى نوح إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين قال : فينطلقون إلى نوح فيقولون اشفع لنا إلى ربك فأنت اصطفاك الله ، واستجاب لك في دعائك ، فلم يدع على الأرض من الكافرين ديارا ، فيقول : ليس ذاكم عندي ، انطلقوا إلى إبراهيم ، فإن الله اتخذه خليلا ، فيأتون إبراهيم فيقول : ليس ذاكم عندي ، انطلقوا إلى موسى ، فإن الله كلمه تكليما فيقول موسى : ليس ذاكم عندي ، ولكن انطلقوا إلى عيسى ، فإنه يبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى فيقول عيسى : ليس ذاكم عندي ، انطلقوا إلى سيد ولد آدم ، فإنه أول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ، انطلقوا إلى محمد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فليشفع لكم إلى ربكم . قال : فينطلق فيأتي جبريل ربه ، فيقول الله - عز وجل - : ائذن له وبشره بالجنة قال : فينطلق به جبريل ، فيخر ساجدا قدر جمعة ، ثم يقول الله تعالى : يا محمد ارفع رأسك وقل تسمع ، واشفع تشفع ، قال : فيرفع رأسه ، فإذا نظر إلى ربه - عز وجل - خر ساجدا قدر جمعة أخرى ، فيقول الله تبارك وتعالى : يا محمد ارفع رأسك ، وقل تسمع ، واشفع تشفع ، قال : فيذهب ليقع ساجدا قال : فيأخذ جبريل بضبعيه فيفتح الله تعالى عليه من الدعاء شيئا لم يفتحه على بشر قط . قال : فيقول : أي رب جعلتني سيد ولد آدم ولا فخر ، وأول من تنشق عنه الأرض يوم القيامة ولا فخر ، حتى إنه ليرد علي الحوض أكثر مما بين صنعاء [ ص: 123 ] وأيلة ، ثم يقال : ادعوا الصديقين فيشفعون ، ثم يقال : ادعوا الأنبياء . قال : فيجيء النبي ومعه العصابة ، والنبي ومعه الخمسة والستة ، والنبي ليس معه أحد ، ثم يقال : ادعوا الشهداء ، قال : فيشفعون لمن أرادوا ، فإذا فعلت الشهداء ذلك ، قال : يقول الله - تبارك وتعالى - : أنا أرحم الراحمين أدخلوا جنتي من كان لا يشرك بي شيئا ، فيدخلون الجنة ، ثم يقول الله - عز وجل - : انظر في النار هل من أحد عمل خيرا قط قال : فيجدون في النار رجلا فيقال له : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا غير أني كنت أسامح الناس في البيع فيقال : أسمحوا لعبدي كإسماحه إلى عبيدي ، ثم يخرجون من النار رجلا آخر فيقال له : هل عملت خيرا قط ؟ فيقول : لا ، غير أني قد أمرت ولدي : إذا مت فأحرقوني بالنار ، ثم اطحنوني حتى إذا كنت مثل الكحل فاذهبوا بي إلى البحر فاذروني في البحر ، قال : فقال الله تبارك وتعالى : لم فعلت ذلك ؟ قال : من مخافتك قال : فيقول : انظر إلى ملك أعظم ملك ، فإن لك مثله وعشرة أمثاله . قال : فيقول له : تسخر بي وأنت الملك ؟ فذاك الذي ضحكت منه من الضحى .

لفظ حديث الهيثم بن كليب ، ورواية أبي يعلى الموصلي ، قد كتب ما خالفه في نسخ .

رواه الإمام أحمد في " مسنده " عن إبراهيم بن إسحاق الطالقاني ، عن النضر بن شميل ، بنحوه ، وعنده " فأذروني في الريح " وكذلك عند ابن خزيمة . [ ص: 124 ] أبو نعامة اسمه : عمرو بن عيسى ، بصري ، وثقه يحيى بن معين . وقال أحمد بن حنبل : هو ثقة إلا أنه اختلط قبل موته .

ووثق يحيى بن معين البراء بن نوفل ، ووالان بن قرفة ، وقيل : ابن بيهس .

وروى هذا الحديث علي بن المديني ، عن روح بن عبادة ، عن أبي نعامة .

ورواه الإمام أبو بكر محمد بن إسحاق بن خزيمة في كتابه التوحيد ، عن أحمد بن سعيد الدارمي ، وأحمد بن منصور البزار ، كلاهما عن النضر بن شميل ، وكان قال في أول الحديث : إن صح الخبر ، ثم قال في آخره : إنما استثنيت صحة الخبر في الباب لأني في الوقت الذي ترجمت الباب لم أكن أحفظ في ذلك الوقت عن والان خبرا غير هذا الخبر ، ولم أحفظ له راويا غير والان بن نوفل ، ثم وجدت له خبرا ثانيا وراويا آخر ، قد روى عنه مالك بن عمير الحنفي غير أنه العجلي لا العدوي ، حدثناه علي بن سعيد بن مسروق الكندي ، ثنا عبد الرحيم - يعني : ابن سليم - عن إسماعيل بن سميع [ ص: 125 ] الحنفي ، عن مالك بن عمير الحنفي ، عن والان العجلي قال : رجعت إلى داري فإذا شاة من غنمي لبون قد ذبحت ، وإذا النسوة مطيفات بها . فقلت : ما شأنها ؟ فقالوا : عرض لها . فقلت : من ذبحها ؟ قالوا : غلامك هذا فقلت : والله ما يحسن يصلي ولا يحسن يذبح - وكان سبيا - فقالوا : إنا قد علمناه وقد سمى . فما نزلت عن بغلتي حتى أتيت عبد الله فذكرت ذلك له . فقال : كلها .

أخبرنا بهذه الحكاية عبد المعز بن محمد الهروي بها ، أن السيد أبا عبد الله محمد بن إسماعيل بن الحسين بن حمزة العلوي أخبرهم - قراءة عليه - أنا أبو عثمان إسماعيل بن عبد الرحمن الصابوني إجازة ، أنا أبو طاهر محمد بن الفضل بن محمد بن إسحاق بن خزيمة ، أنا جدي محمد بن إسحاق بن خزيمة .

ورواه أبو حاتم بن حبان في كتابه " الأنواع والتقاسيم " عن عبد الله بن محمد الأزدي ، عن إسحاق بن إبراهيم ، وذكر أن الإمام إسحاق بن راهويه مدح هذا الحديث .

وقال الدارقطني : والان مجهول في الحديث ، غير ثابت ، والله أعلم .

[ ص: 126 ] ولعل الدارقطني لم يقف على هذه الحكاية التي ذكرها أبو بكر بن خزيمة ، ومن شرط الجهالة أن لا يروي عن الشخص غير واحد ، والله أعلم .

التالي السابق


الخدمات العلمية