الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              3201 [ 1781 ] وعن عبد الله بن عباس قال: قال عمر بن الخطاب - وهو جالس على منبر رسول الله صلى الله عليه وسلم -: إن الله بعث محمدا بالحق، وأنزل عليه الكتاب، فكان مما أنزل الله عليه آية الرجم، قرأناها، ووعيناها، وعقلناها، فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم، ورجمنا بعده، فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله! فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله، فإن الرجم في كتاب الله حق على من زنى إذا أحصن من الرجال والنساء; إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف.

                                                                                              رواه البخاري (3872) ومسلم (1691) (15) وأبو داود (4418) والترمذي (1431).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قول عمر : كان مما أنزل الله تعالى على نبيه - صلى الله عليه وسلم - آية الرجم، فقرأناها، ووعيناها، وعقلناها ) هذا نص من عمر - رضي الله عنه - على أن هذا كان قرآنا يتلى، وفي آخره ما يدل على أنه نسخ كونها من القرآن، وبقي حكمها معمولا به، وهو الرجم. وقال ذلك عمر بمحضر الصحابة - رضي الله عنهم - وفي معدن الوحي، وشاعت هذه الخطبة في المسلمين، وتناقلها الركبان، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئا مما قاله عمر ، ولا راجعه لا في حياته ولا بعد موته، فكان ذلك إجماعا منهم على صحة هذا النوع من النسخ، وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه، وقل علمه في ذلك.

                                                                                              وقد بينا في الأصول أن النسخ على ثلاثة أضرب: نسخ التلاوة، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم.

                                                                                              و(قوله: فرجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورجمنا بعده ) يعني: نفسه وأبا بكر - رضي الله عنهما -.

                                                                                              و(قوله: فأخشى إن طال زمان أن يقول قائل: ما نجد الرجم في كتاب الله فيضلوا بترك فريضة أنزلها الله تعالى ) هذا الذي توقعه عمر قد وقع بعده للخوارج ، [ ص: 86 ] والنظام ; فإنهم أنكروا الرجم، فهم ضالون بشهادة عمر - رضي الله عنه - وهذا من الحق الذي جعل الله تعالى على لسان عمر وقلبه - رضي الله عنه - ومما يدل على أنه كان محدثا بكثير مما غاب عنه، كما شهد له بذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

                                                                                              و(قوله: فإن الرجم في كتاب الله ) أي: في حكم الله الذي كان نزل في الكتاب، وكان فيه ثابتا قبل نسخه، كما قدمناه. وقد نص على هذا المعنى فيما ذكره عنه مالك في "الموطأ" فقال: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبته بيدي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة. وهذا من قوله يدل على أن الكتاب قد أحكمت آياته وانحصرت حروفه وكلماته، فلا يقبل الزيادة ولا النقصان.

                                                                                              و(قوله: حق ) أي: ثابت يعمل به إلى يوم القيامة.

                                                                                              و(قوله: على من زنى من الرجال أو النساء إذا أحصن ) هذا مجمع عليه; إذ لم يسمع بمن فرق فيه بين الرجال والنساء. وقد رجم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ماعزا والغامدية على ما يأتي.

                                                                                              و(قوله: إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف ) فيعني بالبينة الأربعة الشهداء العدول، المؤدين للشهادة في فور واحد; الذين يصفون رؤية فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة، المقيمين على شهادتهم إلى أن يقام الحد على ما يعرف في كتب الفقه.

                                                                                              و( الحبل ): يعني به: أن يظهر بامرأة لا زوج لها، ولا سيد، وكانت غير طارئة - حبل، ولم يظهر ما يدل على الإكراه [مثل أن تتعلق [ ص: 87 ] به، وتفضح نفسها، وهي تدمى، فأما لو لم يكن إلا قولها أنها أكرهت، ولم يظهر ما يدل على الإكراه] فإنها لا يدفع الحد عنها مجرد قولها، ولا يكون قولها شبهة عندنا، وهو شبهة عند أبي حنيفة يدرأ بها الحد. وبه قال ابن المنذر ، والكوفيون، والشافعي قالوا: إذا وجدت المرأة حاملا فلا حد عليها إلا أن تقر بالزنى، أو تقوم عليها بينة. ولم يفرقوا بين الطارئة وغيرها.

                                                                                              ويرد عليهم قول عمر - رضي الله عنه -: أو الحبل - بحضرة الصحابة - ولا منكر. وأيضا: فمثل هذا لا يقوله عمر - رضي الله عنه - عن اجتهاد، إنما يقوله عن النبي - صلى الله عليه وسلم - لكنه لم يصرح بالرفع، ولا يضرنا ذلك، ولو سلمنا أنه قاله عن اجتهاد فاجتهاده راجح على اجتهاد غيره; لشهادة النبي - صلى الله عليه وسلم - (إن الله تعالى قد جعل الحق على لسانه وقلبه) وسيأتي الكلام في الاعتراف.




                                                                                              الخدمات العلمية