الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4034 [ 2080 ] وعنها قالت: خرجت سودة، بعدما ضرب عليها الحجاب، لبعض حاجتها، وكانت امرأة جسيمة تفرع النساء جسما، لا تخفى على من يعرفها، فرآها عمر بن الخطاب، فقال: يا سودة! والله ما تخفين علينا، فانظري كيف تخرجين، قالت: فانكفأت راجعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله، إني خرجت، فقال لي عمر: كذا وكذا، قالت: فأوحي إليه، ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن.

                                                                                              رواه مسلم (2170) (17).

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و(قوله: تفرع النساء جسما ) أي: طولا. يقال: فرعت القوم: إذا طلتهم.

                                                                                              و( انكفأت ) صوابه بالهمزة، بمعنى: انقلبت وانصرفت. يقال: كفأت القوم كفئا: إذا أرادوا وجها فصرفتهم إلى غيره، فانكفؤوا. ووقع لبعض الرواة: انكفت - بحذف الهمزة والألف - وكأنه لما سهل الهمزة بقيت الألف ساكنة، فلقيها ساكن فحذفت.

                                                                                              و( العرق ) - بفتح العين وسكون الراء -: العظم الذي عليه اللحم. واعترقت العظم وتعرقته: إذا تتبعت ما عليه من اللحم. والعراق: العظم الذي لا لحم عليه.

                                                                                              و(قوله: قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن ) لا خلاف في أن المرأة [ ص: 498 ] تخرج لما تحتاج إليه من أمورها الجائزة، لكنها تخرج على حال بذاذة، وتستر، وخشونة ملبس; بحيث يستر حجم أعضائها، غير متطيبة، ولا متبرجة بزينة، ولا رافعة صوتها.

                                                                                              وعلى الجملة فالحال التي يجوز لها الخروج عليها: أن تكون بحيث لا تمتد لها عين، ولا تميل إليها نفس، وما أعدم هذه الحالة في هذه الأزمان; لما يظهرن من الزينة والطيب، والتبختر في الملابس الحسان، فمسامحتهن في الخروج على تلك الحال فسوق وعصيان. فإن قيل: فما الزينة التي استثنى الله تعالى لهن إظهارها في قوله: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها فالجواب: إن ذلك اختلف فيه، فقال ابن مسعود : إنها الثياب. يعني بذلك: ثيابها التي تستتر بها، ولا تستر هي، كالملحفة، والخمار. وعلى هذا فلا يجوز أن تبدي مما تحت ذلك شيئا; لا كحلا، ولا خاتما، ولا غير ذلك مما يستر بالملحفة والخمار. وقال ابن عباس والمسور : هي الكحل، والخاتم; يعني: أن العين لا يمكن سترها، وقد تتناول بيد الخاتم ما تحتاج إليه. وقال الحسن ومالك : هو الوجه، والكفان; لأنهما ليسا بعورة; إذ يجب كشفهما عليها في الإحرام عبادة، ويظهر ذلك منها في الصلاة، وهما اللذان يبدوان منها عادة. والكل محومون على أن المستثنى: هو ما يتعذر ستره إما عادة وإما عبادة.

                                                                                              وقد دل على أن المطلوب من المرأة ستر ما تتمكن من ستره قول الله تعالى: ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها وليضربن بخمرهن على جيوبهن وقال تعالى: يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن ذلك أدنى أن يعرفن فلا يؤذين .

                                                                                              فالخمار ما يلف على الرأس والحلق. والجلباب اختلف فيه، فقال الحسن : هو الرداء. وقال ابن جبير : المقنعة. وقال قطرب : هو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها. وقال أبو عبيدة : أدنى الجلباب أن تغطي وجها إلا قدر ما تبصر منه.

                                                                                              فرع: إذا قلنا: إن الوجه والكفين ليسا بعورة، وإنه يجوز لها كشفهما; فإذا كانت بارعة الجمال، وجب عليها أن تستر وجهها؛ لئلا تفتن الناس، فتكون من [ ص: 499 ] المميلات اللاتي قد توعدن بالنار، وللكلام في هذا متسع، وفيما ذكرناه مقنع.




                                                                                              الخدمات العلمية