الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                              صفحة جزء
                                                                                              4952 [ 2670 ] وعن أبي سعيد الخدري ، عن النبي صلى الله عليه وسلم : أن رجلا فيمن كان قبلكم راشه الله مالا وولدا ، فقال لولده : لتفعلن ما آمركم به أو لأولين ميراثي غيركم ، إذا أنا مت فأحرقوني - وأكبر علمي أنه قال : - ثم اسحقوني واذروني في الريح ; فإني لم أبتهر عند الله خيرا ، وإن الله يقدر علي أن يعذبني . قال : فأخذ منهم ميثاقا ، ففعلوا ذلك به وربي ، فقال الله : ما حملك على ما فعلت ؟ فقال : مخافتك ، قال : فما تلافاه غيرها .

                                                                                              وفي رواية : رغسه الله مالا وولدا . وفيها : لم يبتئر عبد الله خيرا . فسرها قتادة : لم يدخر .

                                                                                              وفي أخرى : ما ابتأر .

                                                                                              وفي أخرى ما امتأر .

                                                                                              رواه البخاري (3478) ، ومسلم (2757) (27 و 28) .

                                                                                              التالي السابق


                                                                                              و (قوله : " راشه الله مالا ") كذا الرواية الصحيحة ، ومعناه : أكسبه الله مالا . قال ابن الأعرابي : الرياش : المال . قال القتبي : أصله من الريش ، كأن المعدم لا نهوض له مثل المقصوص من الطير . وعند الفاسي : رأسه ، بألف مهموزة وسين مهملة ، وهو تصحيف ، ولا وجه له . وفي رواية : " رغسه الله مالا وولدا " بغين [ ص: 78 ] معجمة وسين مهملة ، أي : أعطاه الله تعالى من ذلك كثيرا . قال أبو عبيد : يقال : رغسه الله يرغسه رغسا : إذا كان ماله ناميا كثيرا ، وكذلك هو في الحسب .

                                                                                              و (قوله : " فلم يبتهر ") بالهاء رواية الشيوخ ، وعند ابن ماهان : لم يبتئر ، بالهمزة ، وكلاهما بمعنى واحد ، والهمزة تبدل من الهاء ، وكذلك ابتار وامتار بالباء والميم ، فإنها تبدل منها . وقد فسرها في الأصل فقال : لم يدخر . وهو تفسير صحيح ، ويشهد له المعنى والمساق .

                                                                                              و (قوله : " فإن الله يقدر على أن يعذبني ") وجدنا الروايات والنسخ تختلف في ضبط هذه الكلمات ، وحاصله يرجع إلى تقييدين :

                                                                                              أحدهما : تشديد " إن " مكسورة ، ونصب الاسم المعظم بها ، ويقدر مرفوعا فعل مضارع ، وهو خبر إن ، على أن " يعذبني " متعلق به ، وهذا خبر محقق عن الرجل ، أخبر به عن نفسه أن الله يقدر على تعذيبه ، وهي رواة صحيحة لقول من قال : لم يكن جاهلا ولا شاكا ، وإنما كان خائفا .

                                                                                              [ ص: 79 ] وثانيهما : تخفيف إن المكسورة ، ورفع اسم الله تعالى بعدها ، وجزم " يقدر " بها ، " علي " مشددة الياء ، و " يعذبني " مجزوم على جواب الشرط . وهذه الرواية مصححة لقول من قال : إن الرجل كان شاكا ، على ما ذكرناه . والأول أشبه ما اخترناه ، والله تعالى أعلم .

                                                                                              ومعظم فوائد هذا الحديث أن المسرف على نفسه لا ييأس من رحمة الله تعالى ومغفرته ، وفيه ما يدل على أنه كان من شرائع من قبلنا أن للرجل أن يورث ماله من يشاء من الناس ، فنسخ ذلك شرعنا .




                                                                                              الخدمات العلمية