الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                      صفحة جزء
                                                      مسألة [ النسخ لا يستلزم البداء ]

                                                      ولا يستلزم النسخ البداء إذ النسخ بأمر ، والبداء الظهور بعد أن لم يكن ، خلافا للرافضة واليهود ، فإنهم ادعوا استلزامه . فلزمهم التسوية بينهما في الجواز وعدمه ، فقالت اليهود : لا يجوز النسخ عليه لامتناع البداء عليه . وقالت الرافضة : يجوز البداء عليه لجواز النسخ منه . والكل كفر . والثاني أغلظ إذ يمكن حمل الأول على وجه لا يكفر بأن يجعل التعبد بكل شرع مغيا إلى ظهور آخر . وبهذا المعنى أنكره بعض المسلمين . وقال سليم في " التقريب " : مذهب الأشعرية في النسخ يؤدي إلى جواز البداء ، لأن اللفظ بصيغته عندهم لا يدل على استغراق الأعيان والأزمان ، حتى يقترن به دليل عليه يخصه ، ولفظ العموم في الأزمان لا يقترن به [ ص: 206 ] ما ينسخ بعضه ، لأن النسخ لا يكون إلا بدليل منفصل عن المنسوخ ، متأخر عنه ، فلا بد في قوله : أن يدل دليل أنه قصد إيجاب العبادات في عموم الأوقات ، ثم يدل دليل آخر بعده على النسخ . ا هـ . وقال إلكيا : لا يستلزم البداء ، لأن النسخ هو النص الدال على أن مثل الثابت زائل في الاستقبال ، وذلك يقتضي أن الفعل المأمور به غير المنهي عنه ، وأن وقت النهي عنه غير وقت المأمور به . وبنوا على هذا الأصل أن نسخ الفعل قبل وقت إمكانه غير جائز . وأما الأشعرية فجوزوه بناء على أن الذي أمر به لمصلحة ، والذي نهى عنه لمفسدة ، لا أنه أمر به ونهى عنه عبثا ، وتقدير النهي بعد الأمر قبل إمكان الأول ضرب من البداء ، وغاية ما تمسكوا به أن الأمر بالفعل مشروط ببقائه أو مشروط بانتفاء النهي . فإذا نهي عنه فقد زال الشرط بعد نهيه عن الفعل غير الوجه الذي أمر به . وليس كما إذا قال : أمرتكم بكذا وكذا . ونهيتكم عنه متصلا به ، لأنه نهى عن الفعل على وجه الأمر . وهاهنا النهي على غير وجه الأمر ، فهو كقولك : أمرتكم بشرط أن لا يظهر لكم ما ينافيه .

                                                      فائدة [ تحقيق لغوي في لفظ البداء ]

                                                      حكى ابن الفارض المعتزلي في كتاب " النكت " عن بعضهم : أن لفظ البداء غير صحيح في اللغة ، وإنما هو البدو من بدا الشيء يبدو بدوا وبدوا ، إذا ظهر . قال ابن الصلاح في " فوائد رحلته " : وهذا ليس [ ص: 207 ] بصحيح ، فقد أورد هذا اللفظ ابن دريد في قصيدته في " الممدود والمقصور " فقال :

                                                      توصى وعقلك في بدا فكذاك رأيك ذو بداء

                                                      قال التبريزي : البدا المقصور موضع ، وقيل : إنه بغير ألف ولام ، والبداء الممدود من قولهم : بدا لي في الأمر ، تريد : تغير رأيي فيه عما كان . قلت : وحكاه صاحب " المحكم " عن سيبويه ، فقال : بدا الشيء يبدو بدوا وبدوا وبداء ، الأخيرة عن سيبويه . وفي " صحاح " الجوهري : بدا له في هذا الأمر بداء ممدود . وقد نبه عليه أبو محمد بن بري ، فقال : صوابه بداء بالرفع لأنه الفاعل . وقال السهيلي في " الروض " : المصدر البدو والبدو ، والاسم البداء . ولا يقال في المصدر بدا له بدو ، كما لا يقال : ظهر له ظهور بالرفع ، لأن الذي يظهر ويبدو هاهنا هو الاسم ، نحو البداء . قال : ومن أجل أن البدو الظهور كان البداء في وصف البارئ سبحانه محالا ، لأنه لا يبدو له شيء كان غائبا عنه ، وقد يجيء بدا بمعنى أراد مجازا كحديث البخاري في الثلاثة : الأقرع والأعمى والأبرص ، وأنه صلى الله عليه وسلم قال : بدا لله أن يبتليهم . [ ص: 208 ]

                                                      تنبيه

                                                      منع بعض الحنفية إطلاق لفظ التبديل على النسخ ، فإنه رفع الحكم المنسوخ وإقامة الناسخ مقامه ، وذلك يوهم البداء ، وهو محجوج بقوله تعالى { وإذا بدلنا آية مكان آية } . .

                                                      التالي السابق


                                                      الخدمات العلمية