الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                              معلومات الكتاب

                                                                                                                              السراج الوهاج من كشف مطالب صحيح مسلم بن الحجاج

                                                                                                                              صديق خان - محمد صديق حسن خان القنوجي الظاهري

                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                              12 [ ص: 238 ] (باب الإسلام ما هو؟ وبيان خصاله)

                                                                                                                              وترجمه النووي بقوله: (باب بيان الصلوات التي هي «أحد» أركان الإسلام) .

                                                                                                                              (حديث الباب)

                                                                                                                              وهو بصحيح مسلم \ النووي ص 166 167 جـ1 المطبعة المصرية

                                                                                                                              [عن طلحة بن عبيد الله يقول جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائر الرأس، نسمع دوي صوته ولا نفقه ما يقول، حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «خمس صلوات في اليوم والليلة» فقال: هل علي غيرهن؟ قال: «لا. إلا أن تطوع وصيام شهر رمضان» فقال: هل علي غيره؟ فقال: «لا. إلا أن تطوع» وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال: هل علي غيرها قال: «لا. إلا أن تطوع»

                                                                                                                              قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق»
                                                                                                                              ]

                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                              (الشرح)

                                                                                                                              (عن طلحة بن عبيد الله رضي الله عنه، قال: «جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد. ثائر الرأس) .

                                                                                                                              [ ص: 239 ] أي: قائم شعره، منتفشه «وثائر» ، بالرفع صفة للرجل. وقيل: يجوز نصبه على الحال.

                                                                                                                              (نسمع دوي صوته، ولا نفقه ما يقول ) . روي «نسمع ونفقه» . بالنون المفتوحة فيهما، وبالياء المضمومة فيهما.

                                                                                                                              والأول هو الأشهر، الأكثر، الأعرف.

                                                                                                                              «ودوي صوته» هو بعده في الهواء: ومعناه ؛ شدة صوت لا يفهم «والدوي» ، بفتح الدال وكسر الواو وتشديد الياء، هذا هو المشهور.

                                                                                                                              وحكى صاحب «المطالع» ، فيه: ضم الدال أيضا.

                                                                                                                              (حتى دنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فإذا هو يسأل عن الإسلام، فقال رسول الله: «خمس صلوات في اليوم والليلة» . فقال: هل علي غيرهن؟ قال: «لا. إلا أن تطوع ) .

                                                                                                                              المشهور فيه، تشديد الطاء، على إدغام إحدى التاء في الطاء.

                                                                                                                              وقال ابن الصلاح: هو محتمل للتشديد والتخفيف على الحذف. والاستثناء منقطع. أي: لكن يستحب لك أن تطوع. وقيل: متصل. واستدلوا به، على أن من شرع في صلاة نفل، أو صوم، وجب عليه إتمامه. «والأول» أظهر. وبه قال الشافعية.

                                                                                                                              «وفيه» ، أن الصلاة التي هي ركن من أركان الإسلام، التي أطلقت، في باقي الأحاديث هي الصلوات الخمس، وأنها في كل يوم وليلة، على كل مكلف بها.

                                                                                                                              [ ص: 240 ] «وفيه» أن وجوب صلاة الليل منسوخ في حق الأمة.

                                                                                                                              قال النووي: وهذا مجمع عليه. والأصح نسخه في حقه صلى الله عليه وسلم.

                                                                                                                              «وفيه» أن صلاة الوتر، وصلاة العيد، ليستا بواجبتين. وهذا: مذهب الجماهير.

                                                                                                                              «وصيام شهر رمضان» ، فقال: هل علي غيره؟ فقال «لا إلا أن تطوع» .

                                                                                                                              «وفيه» أنه لا يجب صوم عاشوراء، ولا غيره، سوى «رمضان» . وهذا مجمع عليه «وذكر له رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الزكاة» فقال: هل علي غيرها؟ قال: «لا إلا أن تطوع» .

                                                                                                                              «وفيه» أنه، ليس في المال حق، سوى الزكاة على من ملك نصابا.

                                                                                                                              «وفيه» غير ذلك.

                                                                                                                              قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله! لا أزيد على هذا، ولا أنقص منه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح إن صدق» .

                                                                                                                              قال في «المشكاة» : متفق عليه.

                                                                                                                              قلت: وفي لفظ متفق عليه أيضا، «فلما ولى. قال: «من سره، أن ينظر إلى رجل من أهل الجنة. فلينظر إلى هذا» . قيل: هذا الفلاح راجع إلى قوله «لا أنقص خاصة» .

                                                                                                                              والأظهر أنه عائد إلى المجموع. بمعنى أنه، إذا لم يزد ولم ينقص. كان [ ص: 241 ] مفلحا. لأنه أتى بما عليه. ومن أتى بما عليه، فهو مفلح. وليس في هذا أنه: إذا أتى بزائد لا يكون مفلحا. لأن هذا مما يعرف بالضرورة، فإنه إذا أفلح بالواجب، فلأن يفلح بالواجب والمندوب أولى. وفي رواية البخاري، في آخر هذا الحديث، زيادة توضح المقصود.

                                                                                                                              قال: (أخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بشرائع الإسلام، فأدبر الرجل، وهو يقول: والله! لا أزيد ولا أنقص ما فرض الله تعالى علي شيئا ) .

                                                                                                                              فعلى عموم قوله: «بشرائع الإسلام» . وقوله: «مما» فرض الله علي» يزول الإشكال. في الفرائض؛ فلا يقال: ليس في هذا الحديث جميع الواجبات، ولا المنهيات الشرعية، ولا السنن المندوبات.

                                                                                                                              وأما النوافل: فقيل: يحتمل أن هذا، كان قبل شرعها، أو أراد أنه لا يصلي النافلة، مع أنه لا يخل بشيء، من الفرائض. وهذا مفلح بلا شك؛ وإن كانت مواظبته على ترك السنن مذمومة، وترد بها الشهادة؛ إلا أنه ليس بعاص بل هو مفلح ناج

                                                                                                                              وفي رواية: قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفلح وأبيه إن صدق» أو «دخل الجنة وأبيه إن صدق» .

                                                                                                                              ليس هو حلفا، وإنما هو كلمة جرت عادة العرب أن تدخلها في كلامها، غير قاصدة بها، حقيقة الحلف.

                                                                                                                              والنهي، إنما ورد فيمن قصد حقيقة الحلف. لما فيه من إعظام المحلوف [ ص: 242 ] به. ومضاهاته به الله سبحانه: فهذا هو الجواب المرضي.

                                                                                                                              وقيل: يحتمل أن يكون هذا، قبل النهي عن الحلف بغير الله تعالى، والله أعلم.

                                                                                                                              ثم إنه؛ لم يأت في هذا الحديث، ذكر الحج، ولا جاء ذكره في حديث «جبريل» من رواية أبي هريرة.

                                                                                                                              وكذا غير هذا، من هذه الأحاديث، لم يذكر في بعضها «الصوم» . ولم يذكر في بعضها «الزكاة» . وذكر في بعضها «صلة الرحم» . وفي بعضها «أداء الخمس» . ولم يقع في بعضها ذكر «الإيمان» ؛ فتفاوتت هذه الأحاديث، في عدد خصال الإيمان، وشرائع الإسلام. زيادة ونقصانا. وإثباتا وحذفا.

                                                                                                                              وقد أجاب عياض «رح» ، وغيره؛ بجواب لخصه ابن الصلاح، وهذبه، فقال: ليس هذا باختلاف صادر من رسول الله صلى الله عليه وسلم، بل هو من تفاوت الرواة، في الحفظ والضبط. إلى آخر ما قال.

                                                                                                                              قال: النووي وهو تقرير حسن والله أعلم.




                                                                                                                              الخدمات العلمية