الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [فيما يجوز به الخلع، وما لا يجوز]

                                                                                                                                                                                        الخلع يجوز بما تجوز به البياعات من العين والعروض وغيرها، ولا يجوز بما لا يجوز ملكه كالخمر والخنزير، ولا بما يجوز ملكه ولا يجوز أخذ العوض عنه كالسلف بزيادة والتأخير بالدين. واختلف في جوازه بالغرر كالعبد الآبق، والبعير الشارد، والجنين، والثمرة قبل بدو صلاحها، فإن خالعت على خمر أو خنزير أو ميتة مضى الخلع، وكان الطلاق بائنا، وكسرت الخمر؛ كانت في يدها أو في يد الزوج.

                                                                                                                                                                                        ويختلف في رجوعه عليها، فقيل: لا شيء له عليها، وهو المعروف من المذهب. ويجري فيها قول آخر: أن له أن يرجع عليها بخلع المثل قياسا على قوله في خلع المريضة، فقال مالك في كتاب محمد: له خلع مثلها من رأس المال. وأجراه مجرى النكاح المبتدأ; لأنه في الأول اشتراه، والآن باعه.

                                                                                                                                                                                        وإن خالعها على إن أسلفته مضى الخلع والطلاق بائن. ويختلف هل يسقط رجوعه عليها أو يرجع بخلع المثل أو بقيمة الانتفاع بالسلف؟ وإن [ ص: 2529 ] خالعها على إن عجل دينا لها عليه قبل حلوله أو أخرها بدين له عليها والدين عين، جاز، وكان بمنزلة من طلق وأعطى، وتكون الطلقة رجعية، إلا أن يقصد أن تكون بائنة.

                                                                                                                                                                                        وإن خالعها على أن تؤخره بدين حل لها عليه، أو تعجل هي دينا له عليها، لم يجز والطلاق بائن، ويسقط التأجيل فيما كان حالا، والتعجيل فيما كان مؤجلا، وقد أجاز ابن القاسم مرة التعجيل في الدين المؤجل على وضيعة بعضه، فعلى هذا يجوز الخلع على أن تعجل هي الدين ويكون له قبضه، ولا فرق بين أن يجعل عوض التعجيل بعض الدين أو سلعة أو خلعها لنفسها.

                                                                                                                                                                                        وإذا كان الدين لها عليه إلى أجل فخالعها على أن وضعت بعضه وعجل الباقي، أو كان حالا فأخرته ووضعت بعضه، أو كان الدين له عليها إلى أجل فوضع بعضه على أن عجلت الباقي، أو كان حالا فأخرها به، افترق الجواب، فإن كان لها عليه مائة دينار إلى سنة فخالعته على أن أسقطت عنه خمسين وعجل خمسين، أو كانت المائة حالة فخالعته على أن أخذت خمسين وأخرت خمسين، مضى الخلع، وكان له جميع الخمسين، وردت ما تراضيا فيه في الخمسين الباقية من تعجيل أو تأخير، فترد إلى أجلها إن كانت مؤجلة، [ ص: 2530 ] وتقبض الآن إن كانت حالة، وهذا قول مالك، وقوله في الحالة أن له جميع الخمسين صحيح; لأن الخمسين والتأخير جميعا ثمن للخلع.

                                                                                                                                                                                        وأما إذا كانت المائة مؤجلة عليه فينبغي أن يكون له من الخمسين ما قابل الخلع خاصة; لأنها ثمن للشيئين: للخلع والتعجيل، ولم تكن للخلع خاصة، فينبغي أن تقضى على قدر خلع المثل، وقيمة التعجيل للخمسين فيمضى للزوج ما قابل الخلع، وتبقى هي على حقها فيما قابل التعجيل، ويرد إلى أجله، وإن كان الدين له عليها، وهو مائة حالة، فأسقط خمسين وأخرها بخمسين، أو كان الدين مؤجلا فعجلت له خمسين وأسقط عنها خمسين، جاز -إذا كان حالا- الإسقاط والتأخير; لأنها معروف من الزوج، وكأنه قد طلق وأعطى والطلاق رجعي.

                                                                                                                                                                                        وإن كان مؤجلا لم يجز الإسقاط ولا التعجيل، ورد جميع المائة إلى أجلها، وقول محمد: لأن الزوج أعطى شيئين لمكان التعجيل، وهو ما بيده من العصمة، وخمسين وهي التي أسقط، فإذا لم يصح له التعجيل لم يلزمه الإسقاط; لأنه قادر على رده ولم يرد الطلاق; لأنه لا يرد بعد وقوعه، ويبقى مقال الزوج فيما قابل الخلع، هل يرجع به؟ وقد تقدم قول ابن القاسم، وأنه أجاز مرة التعجيل على الوضيعة، فعلى قوله هذا يجوز الخلع والإسقاط ويصح التعجيل; لأن حقيقة ما عملا عليه "ضع وتعجل"; عجلت خمسين على أن خلعها ووضع عنها خمسين. [ ص: 2531 ]

                                                                                                                                                                                        وقال في كتاب محمد فيمن كان صداقها عشرة نقدا وعشرين مؤجلة فصالحها قبل البناء على عشرة نقدا وأسقطت الباقي قال: ينفذ الطلاق ولا يكون لها سوى عشرة، خمسة الآن، وترد الخمسة وتأخذها إلى أجل.

                                                                                                                                                                                        قال: وكذلك لو كان الصلح بستة نقدا أو أكثر إلى أقل من خمسة عشر، يرد ما فوق الخمسة إلى وفاء الأجل، وهذا راجع إلى ما تقدم إذا كان لها دين مؤجل فوضعت نصفه للتعجيل والخلع مضى جميع الوضيعة للخلع، وقد كان الصواب أن يفض.

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية