الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في من باع نصف ثوب على أن يبيع له المشتري النصف الآخر بغير البلد]

                                                                                                                                                                                        ومن "المدونة" قال مالك في من باع نصف ثوب على أن يبيع له المشتري النصف الآخر بغير البلد لم يجز، وإن كان بيعه بالبلد جاز إذا ضرب أجلا، فإن باع في بعض الأجل كان له من الإجارة بحسابه، وإن لم يضربا أجلا لم يجز لأنه جعل، ولا يجتمع في صفقة واحدة جعل وبيع، وإن كان طعاما لم يجز وإن ضربا الأجل، وإن شرطا أن يبيع النصف بغير البلد لم يجز في طعام ولا في [ ص: 4925 ] عبد.

                                                                                                                                                                                        وقال أيضا في العبد يباع في البلد نفسه يبيعه نصفا على أن يبيعه النصف الآخر: لا خير فيه إن لم يضربا أجلا، وإن ضربا الأجل فهو أحرم.

                                                                                                                                                                                        وقال في "مختصر ما ليس في المختصر": إن ضربا أجلا فذلك مكروه، وإن لم يضربا أجلا فلا بأس به; لأن البيع ثابت فيه. فأما إذا ضربا أجلا فالخلاف فيه يرجع إلى من باع سلعة بدراهم وبعرض يسير، فاختلف فيه إذا استحق ذلك العرض، هل يرجع بما ينوبه قيمة من سلعته أو في عين سلعته؟ فمن قال: يرجع به قيمة أجاز البيع ها هنا وينتقد المشتري جميع النصف فإن باع في بعض الشهور رجع بما ينوب الإجارة قيمة ولم يرجع في عين النصف بما ينوب الباقي من الإجارة; لأن الإجارة يسيرة.

                                                                                                                                                                                        ومن قال: الحكم الرجوع في عين السلعة لم يجز البيع على أن ينقد ما ينوب الإجارة، كما لو استأجره على أن يبيع له ثوبا شهرا بثوب آخر فإن النقد في ذلك لا يجوز، وإن باع على أن لا ينقد ما ينوب الإجارة جاز فكل ما مضى منه يوم استحق منه بقدر ما ينوب الإجارة، وإن لم يضربا أجلا كان جعلا. [ ص: 4926 ]

                                                                                                                                                                                        وقد اختلف في بيع وجعل في عقد، وفي إجارة وجعل في عقد، وبيع بت وخيار إذا كان الجعل والخيار في اليسير، فإن باع استحق ما ينوب الجعل، وإن اختار ألا يبيعه رده وغرم ما ينوبه قيمة إلا أن يدخل على التزام البيع فيجوز كما قال مالك إذا كان البيع ثابتا. ولم يجز ذلك في الطعام وإن ضربا أجلا; لأنه يتبعض فإذا دخل على أن يقدم جميع ذلك كان ما ينوب الإجارة تارة سلفا إن باع في بعض الشهر، وتارة بيعا إن تم الشهر ولم يبع، وأجاز ذلك ابن القاسم في "كتاب محمد" في كل ما يكال أو يوزن، وينتقد الجميع لما كان الذي ينوب الإجارة يسيرا، فإن باع في بعض الشهر رجع بمثل ما ينوب الإجارة، ورأى أن مثل ذلك ليسارته لا يقصدان فيه إلى بيع وسلف.

                                                                                                                                                                                        وإن قال: أبيعك نصف هذا العبد على أن تبيع جميعه لم يجز، وإن ضربا أجلا بمنزلة من باع عبدا على أن يبيعه مشتريه فهو تحجير وغير ممكن من المبيع وما باعه به مشتريه لبائعه الأول.

                                                                                                                                                                                        وقال ابن حبيب: إن قال ذلك فيما لا ينقسم فلا بأس به وإن ضرب أجلا، ولا خير فيه فيما ينقسم وإن ضرب الأجل; لأنه إنما اشترى [ ص: 4927 ] منه نصف ذلك حين اشترط بيع جميعه. ورأى أن السلعة مخالفة لذلك لما كان للبائع أن يدعو لبيع جميعها، والأول أبين; لأن ذلك شرط في أصل البيع. وقد قال ابن القاسم في من قال: أبيع لك هذه السلعة وهي كثيرة الثمن إلى أجل بكذا على أني متى شئت تركت: فلا بأس به إذا لم ينقد; لأن النقد لا يصلح في الخيار وهي إجارة لازمة فيها خيار، ولا يصلح فيها الجعل لأنها كثيرة. يريد: لأنها لازمة لصاحب الثياب والخيار للعامل، وهي إجارة؛ لأن له كلما مضى يوم بحسابه، والجعل لا شيء له في الماضي.

                                                                                                                                                                                        قال: وإن استأجره على أن يبيعها شهرا ولم يشترط أنه متى شاء ترك لم يجز النقد; لأنه إن باع في نصف الشهر رد بقدر ما بقي من الشهر فيدخله بيع وسلف.

                                                                                                                                                                                        وإذا بلغت تلك السلعة ما يباع به مثلها كان القول قول من دعا إلى ترك النداء عليها; لأن العامل يقول: هذا القدر الذي بعت من منافعي والزائد على ذلك لم أبعه إلا إذا لم تبلغ ما تباع به، ولا وجه للقول أنه يلزمه التمادي إذا أحب ذلك المبيع له. [ ص: 4928 ]

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية