الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                        فصل [في نوع الصيد

                                                                                                                                                                                        وكل صيد يصح أن يخرج عنه القيمة بالطعام ، يفترق في النظير من النعم على ثلاثة أوجه :

                                                                                                                                                                                        فمنه ما له نظير في الخلقة والقدر . ومنه ما يوافق في القدر دون الخلقة . ومنه ما لا يوافق في الوجهين جميعا ، إما لصغر الصيد أو لعظمه .

                                                                                                                                                                                        فالأول : بقر الوحش : الجزاء عنه من البقر الإنسي . وهذا موافق له في الخلق ؛ فيخرج من الإنسي مثله في القدر ، ما لم يكن الأول صغيرا ، فيرجع إلى الخلاف المتقدم .

                                                                                                                                                                                        والثاني : حمر الوحش : له نظير في القدر دون الخلقة ، وهي البقر . وكذلك [ ص: 1332 ] الإيل . واختلف الناس في النعامة ، فقال محمد في كتابه : سمعت فيها بدنة . وقال بعض أهل العلم : قيمة . لأنها عنده لا يقارب خلق البقر ، ولا يبلغ الإبل . والجزاء عن الضبع والثعلب والظبي- من الغنم ، فقال عمر : في الضبع كبش ، وفي الظبي عنز . لأن الظباء معز الوحش ، فيجري في نظيرها من الإنس .

                                                                                                                                                                                        والثالث : الأرنب والضب واليربوع ؛ لا نظير له لصغره ، فيخرج عنه طعاما ، إلا على قول عمر ومن وافقه .

                                                                                                                                                                                        وكذلك إذا لم يكن له نظير لكبره كالفيل . فقيل : يخرج عنه بدنة .

                                                                                                                                                                                        وليس بحسن ؛ لأنها دونه . وأرى أن يخرج قيمته طعاما ، أو قيمة ما يشبع لحمه طعاما على القول الآخر .

                                                                                                                                                                                        ولا فرق بين عدم النظير لصغر الصيد أو لكبره ، ويصح أن يخرج عن النظير من النعم إذا كان ذلك نظيره في القدر ، ونقل عثمان - رضي الله عنه - الحكم في حمام مكة ، فجعل فيه شاة .

                                                                                                                                                                                        قال عبد الملك في كتاب محمد : فإن لم يجد فصيام عشرة أيام . قال : وبذلك قال مالك ، وليس مما يجوز فيه الصدقة ، وإنما هو تغليظ من عثمان . فنقل الحكم فيه في ثلاثة مواضع ، أسقط التخيير ، وجعل فيه شاة . فإن لم يجد فصيام عشرة أيام كالمتمتع ، ولا يحتاج على قوله إلى حكمين . [ ص: 1333 ]

                                                                                                                                                                                        وفي بيضة عشر شاة ، فإن لم يجدها صام يوما مكانه ، وهو عشر الصيام كما أن الجزاء عنها بعشر الشاة . واختلف في حمام الحرم ، فقال في المدونة : فيه شاة .

                                                                                                                                                                                        وفي كتاب محمد : فيه حكومة ؛ لأن الأصل فيه وفي حمام مكة حكومة . فغلظ الحكم في حمام مكة لكثرتها واستئمانها ؛ لئلا تسرع إليها أيدي الناس ، فعلى القول الأول يخرج شاة بغير تحكيم ، وعلى القول بالقيمة : يحتاج إلى حكمين .

                                                                                                                                                                                        وقال في الدبسي والقمري يصاد بمكة : إن كان عند الناس من الحمام ؛ ففيه شاة . وأرى هذا إذا كثرت بالمكان ، وإلا كان فيها حكومة . ويبقى على الأصل في موجبها بالقرآن .

                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية