الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                              صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                              المسألة الثالثة عشرة : قوله تعالى : { وجوهكم } : والوجه في اللغة : ما برز من بدنه وواجه غيره به ، وهو أبين من أن يبين ، وأوجه من أن يوجه ، وهو عندالعرب عضو يشتمل على جملة أعضاء ، ومحل من الجسد فيه أربع طرق للعلوم ، وله طول وعرض ، وهو أيضا بين إلا أنه أشكل على الفقهاء منه ستة معان :

                                                                                                                                                                                                              الأول : إذا اكتسى الذقن بالشعر ، فإنه قد انتقل الفرض فيما يقابله إلى الشعر قطعا ونفي الزائد عليه ، وهو ما استرسل من اللحية ، ويحتمل أن يكون فرضا ; لأنه قد اتصل بالوجه وواجه كما يواجه ، فيكون فرضا غسله مثل الوجه ، ويحتمل أن يكون ندبا ، وبالأول أقول ; لما ثبت { أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يغسل لحيته } . أخرجه الترمذي وغيره ، فعين المحتمل بالفعل .

                                                                                                                                                                                                              الثاني : إذا دار العذار على الخد ، هل يلزم غسل ما وراءه إلى الأذن أم لا ؟ وفيه خلاف بيننا في أنفسنا وبين العلماء أيضا غيرنا . والصحيح عندي أنه لا يلزم غسله لا للأمرد ولا للمعذر .

                                                                                                                                                                                                              الثالث : الفم قال أحمد بن حنبل وجماعة : إن غسله في الوضوء واجب ; لأنه من الوجه ; وقد واظب النبي صلى الله عليه وسلم عليه . وقال : { إذا تمضمض خرجت الخطايا من فيه } .

                                                                                                                                                                                                              [ ص: 54 ] الرابع : الأنف ، وقد ورد الأمر به في الحديث الصحيح ، فقال : { إذا توضأ أحدكم فليجعل في أنفه ماء ثم ليستنثر ، ومن استجمر فليوتر } . وقال أيضا : { فإذا استنثر خرجت الخطايا من أنفه } .

                                                                                                                                                                                                              الخامس : العين ، والحكم فيها واحد أثرا ونظرا ولغة ، ولكن سقط غسلها للتأذي بذلك والحرج به ، ولذلك كان عبد الله بن عمر لما عمي يغسل عينيه إذ كان لا يتأذى بذلك .

                                                                                                                                                                                                              السادس : لا خلاف أنه لا بد من غسل جزء من الرأس مع الوجه من غير تحديد فيه ، كما أنه لا بد على القول بوجوب عموم مسح الرأس من مسح جزء معه من الوجه لا يتقدر ، وهذا ينبني على أصل من أصول الفقه ; وهو أن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب مثله ; وقد مهدناه في موضعه ; فهذه تتمة تسع عشرة مسألة .

                                                                                                                                                                                                              التالي السابق


                                                                                                                                                                                                              الخدمات العلمية