القول في تأويل قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وإن منها لما يهبط من خشية الله )
قال
أبو جعفر : يعني بذلك جل ثناؤه : وإن من الحجارة لما يهبط - أي يتردى من رأس الجبل إلى الأرض والسفح - من خوف الله وخشيته . وقد دللنا على معنى " الهبوط " فيما مضى ، بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع .
قال
أبو جعفر : وأدخلت هذه " اللامات " اللواتي في " ما " ، توكيدا للخبر .
وإنما وصف الله تعالى ذكره الحجارة بما وصفها به - من أن منها المتفجر منه الأنهار ، وأن منها المتشقق بالماء ، وأن منها الهابط من خشية الله ، بعد الذي جعل منها لقلوب الذين أخبر عن
nindex.php?page=treesubj&link=32425_32424_31931قسوة قلوبهم من بني إسرائيل مثلا - معذرة منه جل ثناؤه لها ، دون الذين أخبر عن قسوة قلوبهم من بني إسرائيل إذ كانوا بالصفة التي وصفهم الله بها من التكذيب لرسله ، والجحود لآياته ، بعد الذي أراهم من الآيات والعبر ، وعاينوا من عجائب الأدلة والحجج ، مع ما أعطاهم تعالى ذكره من صحة العقول ، ومن به عليهم من سلامة النفوس التي لم
[ ص: 240 ] يعطها الحجر والمدر ، ثم هو مع ذلك منه ما يتفجر بالأنهار ، ومنه ما يتشقق بالماء ، ومنه ما يهبط من خشية الله ، فأخبر تعالى ذكره أن من الحجارة ما هو ألين من قلوبهم لما يدعون إليه من الحق ، كما : -
1316 - حدثنا
ابن حميد قال ، حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق .
وبنحو الذي قلنا في تأويل ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
1317 - حدثني
محمد بن عمرو قال ، حدثنا
عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد في قول الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) ، قال : كل حجر يتفجر منه الماء ، أو يتشقق عن ماء ، أو يتردى من رأس جبل ، فهو من خشية الله عز وجل ، نزل بذلك القرآن .
1318 - حدثني
المثنى قال ، حدثنا
أبو حذيفة قال ، حدثنا
شبل ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد مثله .
1319 - حدثني
بشر بن معاذ قال ، حدثنا
يزيد قال ، حدثنا
سعيد ، عن
قتادة : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74فهي كالحجارة أو أشد قسوة ) ثم عذر الحجارة ولم يعذر شقي ابن
آدم . فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء وإن منها لما يهبط من خشية الله ) .
1320 - حدثنا
الحسن بن يحيى قال ، أخبرنا
عبد الرزاق قال ، أخبرنا
معمر ، عن
قتادة مثله .
1321 - حدثني
محمد بن سعد قال ، حدثني أبي قال ، حدثني عمي قال ، حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قال : ثم عذر الله الحجارة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء ) .
1322 - حدثنا
القاسم قال ، حدثنا
الحسين قال ، حدثنا
حجاج ، عن
ابن [ ص: 241 ] جريج أنه قال فيها كل حجر انفجر منه ماء ، أو تشقق عن ماء ، أو تردى من جبل ، فمن خشية الله . نزل به القرآن .
قال
أبو جعفر : ثم اختلف أهل التأويل في معنى هبوط ما هبط من الحجارة من خشية الله .
فقال بعضهم : إن هبوط ما هبط منها من خشية الله تفيؤ ظلاله .
وقال آخرون : ذلك الجبل الذي صار دكا إذ تجلى له ربه .
وقال بعضهم : ذلك كان منه ويكون ، بأن الله جل ذكره أعطى بعض الحجارة المعرفة والفهم ، فعقل طاعة الله فأطاعه .
1324 - كالذي روي عن
الجذع الذي كان يستند إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خطب ، فلما تحول عنه حن .
1325 - وكالذي روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501573 : " إن حجرا كان يسلم علي في الجاهلية إني لأعرفه الآن " . [ ص: 242 ] وقال آخرون : بل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74يهبط من خشية الله ) كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77جدارا يريد أن ينقض ) ولا إرادة له . قالوا وإنما أريد بذلك أنه من عظم أمر الله ، يرى كأنه هابط خاشع من ذل خشية الله ، كما قال
زيد الخيل :
بجمع تضل البلق في حجراته ترى الأكم منه سجدا للحوافر
وكما قال
سويد بن أبي كاهل يصف عدوا له :
ساجد المنخر لا يرفعه خاشع الطرف أصم المستمع
يريد أنه ذليل .
وكما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15626جرير بن عطية :
لما أتى خبر الرسول تضعضعت سور المدينة والجبال الخشع
وقال آخرون : معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74يهبط من خشية الله ) ، أي : يوجب الخشية لغيره ، بدلالته على صانعه ، كما قيل : " ناقة تاجرة " ، إذا كانت من نجابتها وفراهتها تدعو الناس إلى الرغبة فيها ، كما قال
nindex.php?page=showalam&ids=15626جرير بن عطية :
[ ص: 243 ] وأعور من نبهان ، أما نهاره فأعمى ، وأما ليله فبصير
فجعل الصفة لليل والنهار ، وهو يريد بذلك صاحبه النبهاني الذي يهجوه ، من أجل أنه فيهما كان ما وصفه به .
وهذه الأقوال ، وإن كانت غير بعيدات المعنى مما تحتمله الآية من التأويل ، فإن تأويل أهل التأويل من علماء سلف الأمة بخلافها ، فلذلك لم نستجز صرف تأويل الآية إلى معنى منها .
وقد دللنا فيما مضى على معنى " الخشية " ، وأنها الرهبة والمخافة ، فكرهنا إعادة ذلك في هذا الموضع .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِذَلِكَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَهْبِطُ - أَيْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْسِ الْجَبَلِ إِلَى الْأَرْضِ وَالسَّفْحِ - مِنْ خَوْفِ اللَّهِ وَخَشْيَتِهِ . وَقَدْ دَلَّلْنَا عَلَى مَعْنَى " الْهُبُوطِ " فِيمَا مَضَى ، بِمَا أَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأُدْخِلَتْ هَذِهِ " اللَّامَاتُ " اللَّوَاتِي فِي " مَا " ، تَوْكِيدًا لِلْخَبَرِ .
وَإِنَّمَا وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْحِجَارَةَ بِمَا وَصَفَهَا بِهِ - مِنْ أَنَّ مِنْهَا الْمُتَفَجِّرَ مِنْهُ الْأَنْهَارُ ، وَأَنَّ مِنْهَا الْمُتَشَقِّقَ بِالْمَاءِ ، وَأَنَّ مِنْهَا الْهَابِطَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، بَعْدَ الَّذِي جَعَلَ مِنْهَا لِقُلُوبِ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32425_32424_31931قَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مَثَلًا - مَعْذِرَةً مِنْهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ لَهَا ، دُونَ الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْ قَسْوَةِ قُلُوبِهِمْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ كَانُوا بِالصِّفَةِ الَّتِي وَصَفَهُمُ اللَّهُ بِهَا مِنَ التَّكْذِيبِ لِرُسُلِهِ ، وَالْجُحُودِ لِآيَاتِهِ ، بَعْدَ الَّذِي أَرَاهُمْ مِنَ الْآيَاتِ وَالْعِبَرِ ، وَعَايَنُوا مِنْ عَجَائِبِ الْأَدِلَّةِ وَالْحُجَجِ ، مَعَ مَا أَعْطَاهُمْ تَعَالَى ذِكْرُهُ مِنْ صِحَّةِ الْعُقُولِ ، وَمَنَّ بِهِ عَلَيْهِمْ مِنْ سَلَامَةِ النُّفُوسِ الَّتِي لَمْ
[ ص: 240 ] يُعْطِهَا الْحَجَرَ وَالْمَدَرَ ، ثُمَّ هُوَ مَعَ ذَلِكَ مِنْهُ مَا يَتَفَجَّرُ بِالْأَنْهَارِ ، وَمِنْهُ مَا يَتَشَقَّقُ بِالْمَاءِ ، وَمِنْهُ مَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ، فَأَخْبَرَ تَعَالَى ذِكْرُهُ أَنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ مَا هُوَ أَلْيَنُ مِنْ قُلُوبِهِمْ لِمَا يَدْعُونَ إِلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ ، كَمَا : -
1316 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي تَأْوِيلِ ذَلِكَ ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1317 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ ، حَدَّثَنَا
عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) ، قَالَ : كُلُّ حَجَرٍ يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْمَاءُ ، أَوْ يَتَشَقَّقُ عَنْ مَاءٍ ، أَوْ يَتَرَدَّى مِنْ رَأْسِ جَبَلٍ ، فَهُوَ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ ، نَزَلَ بِذَلِكَ الْقُرْآنُ .
1318 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ ، حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ ، حَدَّثَنَا
شِبْلٌ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ .
1319 - حَدَّثَنِي
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ ، حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً ) ثُمَّ عَذَرَ الْحِجَارَةَ وَلَمْ يَعْذُرْ شَقِيَّ ابْنِ
آدَمَ . فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) .
1320 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ بْنُ يَحْيَى قَالَ ، أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ ، أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ مِثْلَهُ .
1321 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ ، حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : ثُمَّ عَذَرَ اللَّهُ الْحِجَارَةَ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ ) .
1322 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ ، حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ ، عَنِ
ابْنِ [ ص: 241 ] جُرَيْجٍ أَنَّهُ قَالَ فِيهَا كُلُّ حَجَرٍ انْفَجَرَ مِنْهُ مَاءٌ ، أَوْ تَشَقَّقَ عَنْ مَاءٍ ، أَوْ تَرَدَّى مِنْ جَبَلٍ ، فَمِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ . نَزَلَ بِهِ الْقُرْآنُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : ثُمَّ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي مَعْنَى هُبُوطِ مَا هَبَطَ مِنَ الْحِجَارَةِ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : إِنَّ هُبُوطَ مَا هَبَطَ مِنْهَا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ تَفَيُّؤُ ظِلَالِهِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : ذَلِكَ الْجَبَلُ الَّذِي صَارَ دَكًّا إِذْ تَجَلَّى لَهُ رَبُّهُ .
وَقَالَ بَعْضُهُمْ : ذَلِكَ كَانَ مِنْهُ وَيَكُونُ ، بِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ذِكْرُهُ أَعْطَى بَعْضَ الْحِجَارَةِ الْمَعْرِفَةَ وَالْفَهْمَ ، فَعَقَلَ طَاعَةَ اللَّهِ فَأَطَاعَهُ .
1324 - كَالَّذِي رُوِيَ عَنِ
الْجِذْعِ الَّذِي كَانَ يَسْتَنِدُ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا خَطَبَ ، فَلَمَّا تَحَوَّلَ عَنْهُ حَنَّ .
1325 - وَكَالَّذِي رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=3501573 : " إِنَّ حَجَرًا كَانَ يُسَلِّمُ عَلَيَّ فِي الْجَاهِلِيَّةِ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ " . [ ص: 242 ] وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=77جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ ) وَلَا إِرَادَةَ لَهُ . قَالُوا وَإِنَّمَا أُرِيدُ بِذَلِكَ أَنَّهُ مَنْ عِظَمِ أَمْرِ اللَّهِ ، يُرَى كَأَنَّهُ هَابِطٌ خَاشِعٌ مِنْ ذُلِّ خَشْيَةِ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ
زَيْدُ الْخَيْلِ :
بِجَمْعٍ تَضِلُّ الْبُلْقُ فِي حَجَرَاتِهِ تَرَى الْأُكْمَ مِنْهُ سُجَّدًا لِلْحَوَافِرِ
وَكَمَا قَالَ
سُوَيْدُ بْنُ أَبِي كَاهِلٍ يَصِفُ عَدُوًّا لَهُ :
سَاجِدَ الْمَنْخِرِ لَا يَرْفَعُهُ خَاشِعَ الطَّرْفِ أَصَمُّ الْمُسْتَمَعْ
يُرِيدُ أَنَّهُ ذَلِيلٌ .
وَكَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15626جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ :
لَمَّا أَتَى خَبَرُ الرَّسُولِ تَضَعْضَعَتْ سُورُ الْمَدِينَةِ وَالْجِبَالُ الْخُشَّعُ
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=74يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ ) ، أَيْ : يُوجِبُ الْخَشْيَةَ لِغَيْرِهِ ، بِدَلَالَتِهِ عَلَى صَانِعِهِ ، كَمَا قِيلَ : " نَاقَةٌ تَاجِرَةٌ " ، إِذَا كَانَتْ مِنْ نَجَابَتِهَا وَفَرَاهَتِهَا تَدْعُو النَّاسَ إِلَى الرَّغْبَةِ فِيهَا ، كَمَا قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15626جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ :
[ ص: 243 ] وَأَعْوَرُ مِنْ نَبْهَانَ ، أَمَّا نَهَارُهُ فَأَعْمَى ، وَأَمَّا لَيْلُهُ فَبَصِيرُ
فَجَعَلَ الصِّفَةَ لِلَّيْلِ وَالنَّهَارِ ، وَهُوَ يُرِيدُ بِذَلِكَ صَاحِبَهُ النَّبْهَانِيَّ الَّذِي يَهْجُوهُ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فِيهِمَا كَانَ مَا وَصَفَهُ بِهِ .
وَهَذِهِ الْأَقْوَالُ ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ بَعِيدَاتِ الْمَعْنَى مِمَّا تَحْتَمِلُهُ الْآيَةُ مِنَ التَّأْوِيلِ ، فَإِنَّ تَأْوِيلَ أَهْلِ التَّأْوِيلِ مِنْ عُلَمَاءِ سَلَفِ الْأُمَّةِ بِخِلَافِهَا ، فَلِذَلِكَ لَمْ نَسْتَجِزْ صَرْفَ تَأْوِيلِ الْآيَةِ إِلَى مَعْنَى مِنْهَا .
وَقَدْ دَلَّلْنَا فِيمَا مَضَى عَلَى مَعْنَى " الْخَشْيَةِ " ، وَأَنَّهَا الرَّهْبَةُ وَالْمَخَافَةُ ، فَكَرِهْنَا إِعَادَةَ ذَلِكَ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ .