القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ( 37 ) )
[ ص: 202 ] يقول تعالى ذكره لنبيه
محمد صلى الله عليه وسلم : إن تحرص يا
محمد على هدى هؤلاء المشركين إلى الإيمان بالله واتباع الحق (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37فإن الله لا يهدي من يضل )
واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفيين (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37فإن الله لا يهدي من يضل ) بفتح الياء من يهدي ، وضمها من يضل ، وقد اختلف في معنى ذلك قارئوه كذلك ، فكان بعض نحويي
الكوفة يزعم أن معناه : فإن الله من أضله لا يهتدي ، وقال : العرب تقول : قد هدى الرجل : يريدون قد اهتدى ، وهدى واهتدى بمعنى واحد ، وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه : فإن الله لا يهدي من أضله ، بمعنى : أن من أضله الله فإن الله لا يهديه . وقرأ ذلك عامة قراء
المدينة والشام والبصرة (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37فإن الله لا يهدى ) بضم الياء من يهدى ومن يضل ، وفتح الدال من يهدى بمعنى : من أضله الله فلا هادي له .
وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصواب ، لأن يهدي بمعنى يهتدي قليل في كلام العرب غير مستفيض ، وأنه لا فائدة في قول قائل : من أضله الله فلا يهديه ، لأن ذلك مما لا يجهله أحد ، وإذ كان ذلك كذلك ، فالقراءة بما كان مستفيضا في كلام العرب من اللغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى .
فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا : إن تحرص يا
محمد على هداهم ، فإن من أضله الله فلا هادي له ، فلا تجهد نفسك في أمره ، وبلغه ما أرسلت به لتتم عليه الحجة (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37وما لهم من ناصرين ) يقول : وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم ، فيحول بين الله وبين ما أراد من عقوبتهم .
وفي قوله ( إن تحرص ) لغتان : فمن العرب من يقول : حرص ، يحرص بفتح الراء في فعل وكسرها في يفعل ، وحرص يحرص بكسر الراء في فعل وفتحها في يفعل ، والقراءة على الفتح في الماضي ، والكسر في المستقبل ، وهي لغة أهل
الحجاز .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28987nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37إِنْ تَحْرِصْ عَلَى هُدَاهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ( 37 ) )
[ ص: 202 ] يَقُولُ تَعَالَى ذِكْرُهُ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنْ تَحْرِصْ يَا
مُحَمَّدُ عَلَى هُدَى هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكِينَ إِلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وَاتِّبَاعِ الْحَقِّ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ )
وَاخْتَلَفَتِ الْقُرَّاءُ فِي قِرَاءَةِ ذَلِكَ ، فَقَرَأَتْهُ عَامَّةُ قُرَّاءِ الْكُوفِيِّينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ ) بِفَتْحِ الْيَاءِ مَنْ يَهْدِي ، وَضَمِّهَا مَنْ يُضِلُّ ، وَقَدِ اخْتَلَفَ فِي مَعْنَى ذَلِكَ قَارِئُوهُ كَذَلِكَ ، فَكَانَ بَعْضُ نَحْوِيِّيِ
الْكُوفَةِ يَزْعُمُ أَنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنَّ اللَّهَ مَنْ أَضَلَّهُ لَا يَهْتَدِي ، وَقَالَ : الْعَرَبُ تَقُولُ : قَدْ هَدَى الرَّجُلُ : يُرِيدُونَ قَدِ اهْتَدَى ، وَهَدَى وَاهْتَدَى بِمَعْنًى وَاحِدٍ ، وَكَانَ آخَرُونَ مِنْهُمْ يَزْعُمُونَ أَنَّ مَعْنَاهُ : فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ أَضَلَّهُ ، بِمَعْنَى : أَنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيهِ . وَقَرَأَ ذَلِكَ عَامَّةُ قُرَّاءِ
الْمَدِينَةِ وَالشَّامِ وَالْبَصْرَةِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُهْدَى ) بِضَمِّ الْيَاءِ مِنْ يُهْدَى وَمِنْ يُضِلُّ ، وَفَتْحِ الدَّالِ مِنْ يُهْدَى بِمَعْنَى : مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ .
وَهَذِهِ الْقِرَاءَةُ أَوْلَى الْقِرَاءَتَيْنِ عِنْدِي بِالصَّوَابِ ، لِأَنَّ يَهْدِي بِمَعْنَى يَهْتَدِي قَلِيلٌ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ غَيْرُ مُسْتَفِيضٍ ، وَأَنَّهُ لَا فَائِدَةَ فِي قَوْلِ قَائِلٍ : مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَلَا يَهْدِيهِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ مِمَّا لَا يَجْهَلُهُ أَحَدٌ ، وَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَالْقِرَاءَةُ بِمَا كَانَ مُسْتَفِيضًا فِي كَلَامِ الْعَرَبِ مِنَ اللُّغَةِ بِمَا فِيهِ الْفَائِدَةُ الْعَظِيمَةُ أَوْلَى وَأَحْرَى .
فَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ لَوْ كَانَ الْأَمْرُ عَلَى مَا وَصَفْنَا : إِنْ تَحْرِصْ يَا
مُحَمَّدُ عَلَى هُدَاهُمْ ، فَإِنَّ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ فَلَا هَادِيَ لَهُ ، فَلَا تُجْهِدْ نَفْسَكَ فِي أَمْرِهِ ، وَبَلِّغْهُ مَا أُرْسِلْتَ بِهِ لِتَتِمَّ عَلَيْهِ الْحُجَّةُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=37وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ ) يَقُولُ : وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرٍ يَنْصُرُهُمْ مِنَ اللَّهِ إِذَا أَرَادَ عُقُوبَتَهُمْ ، فَيَحُولُ بَيْنَ اللَّهِ وَبَيْنَ مَا أَرَادَ مِنْ عُقُوبَتِهِمْ .
وَفِي قَوْلِهِ ( إِنْ تَحْرِصْ ) لُغَتَانِ : فَمِنَ الْعَرَبِ مَنْ يَقُولُ : حَرَصَ ، يَحْرِصُ بِفَتْحِ الرَّاءِ فِي فَعَلَ وَكَسْرِهَا فِي يَفْعِلُ ، وَحَرِصَ يَحْرَصُ بِكَسْرِ الرَّاءِ فِي فَعِلَ وَفَتْحِهَا فِي يَفْعَلُ ، وَالْقِرَاءَةُ عَلَى الْفَتْحِ فِي الْمَاضِي ، وَالْكَسْرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ ، وَهِيَ لُغَةُ أَهْلِ
الْحِجَازِ .