الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من ناصرين ( 37 ) )

[ ص: 202 ] يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم : إن تحرص يا محمد على هدى هؤلاء المشركين إلى الإيمان بالله واتباع الحق ( فإن الله لا يهدي من يضل )

واختلفت القراء في قراءة ذلك ، فقرأته عامة قراء الكوفيين ( فإن الله لا يهدي من يضل ) بفتح الياء من يهدي ، وضمها من يضل ، وقد اختلف في معنى ذلك قارئوه كذلك ، فكان بعض نحويي الكوفة يزعم أن معناه : فإن الله من أضله لا يهتدي ، وقال : العرب تقول : قد هدى الرجل : يريدون قد اهتدى ، وهدى واهتدى بمعنى واحد ، وكان آخرون منهم يزعمون أن معناه : فإن الله لا يهدي من أضله ، بمعنى : أن من أضله الله فإن الله لا يهديه . وقرأ ذلك عامة قراء المدينة والشام والبصرة ( فإن الله لا يهدى ) بضم الياء من يهدى ومن يضل ، وفتح الدال من يهدى بمعنى : من أضله الله فلا هادي له .

وهذه القراءة أولى القراءتين عندي بالصواب ، لأن يهدي بمعنى يهتدي قليل في كلام العرب غير مستفيض ، وأنه لا فائدة في قول قائل : من أضله الله فلا يهديه ، لأن ذلك مما لا يجهله أحد ، وإذ كان ذلك كذلك ، فالقراءة بما كان مستفيضا في كلام العرب من اللغة بما فيه الفائدة العظيمة أولى وأحرى .

فتأويل الكلام لو كان الأمر على ما وصفنا : إن تحرص يا محمد على هداهم ، فإن من أضله الله فلا هادي له ، فلا تجهد نفسك في أمره ، وبلغه ما أرسلت به لتتم عليه الحجة ( وما لهم من ناصرين ) يقول : وما لهم من ناصر ينصرهم من الله إذا أراد عقوبتهم ، فيحول بين الله وبين ما أراد من عقوبتهم .

وفي قوله ( إن تحرص ) لغتان : فمن العرب من يقول : حرص ، يحرص بفتح الراء في فعل وكسرها في يفعل ، وحرص يحرص بكسر الراء في فعل وفتحها في يفعل ، والقراءة على الفتح في الماضي ، والكسر في المستقبل ، وهي لغة أهل الحجاز .

التالي السابق


الخدمات العلمية