القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28987_29485_32498nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ( 53 ) )
اختلف أهل العربية في وجه دخول الفاء في قوله ( فمن الله ) فقال بعض البصريين : دخلت الفاء ، لأن "ما" بمنزلة "من" فجعل الخبر بالفاء . وقال بعض
الكوفيين : "ما" في معنى جزاء ، ولها فعل مضمر ، كأنك قلت : ما يكن بكم من نعمة فمن الله ، لأن الجزاء لا بد له من فعل مجزوم ، إن ظهر فهو جزم ، وإن لم يظهر فهو مضمر ، كما قال الشاعر :
[ ص: 224 ] إن العقل في أموالنا لا نضق به ذراعا وإن صبرا فنعرف للصبر
وقال : أراد : إن يكن العقل فأضمره . قال : وإن جعلت "ما بكم" في معنى الذي جاز ، وجعلت صلته بكم و"ما" في موضع رفع بقوله ( فمن الله ) وأدخل الفاء ، كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=8إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ) وكل اسم وصل مثل من و ما والذي ، فقد يجوز دخول الفاء في خبره لأنه مضارع للجزاء والجزاء قد يجاب بالفاء ، ولا يجوز أخوك فهو قائم ، لأنه اسم غير موصول ، وكذلك تقول : مالك لي ، فإن قلت : مالك ، جاز أن تقول : مالك فهو لي ، وإن ألقيت الفاء فصواب .
وتأويل الكلام : ما يكن بكم في أبدانكم أيها الناس من عافية وصحة وسلامة ، وفي أموالكم من نماء ، فالله المنعم عليكم بذلك لا غيره ، لأن ذلك إليه وبيده (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثم إذا مسكم الضر ) يقول : إذا أصابكم في أبدانكم سقم ومرض ، وعلة عارضة ، وشدة من عيش (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53فإليه تجأرون ) يقول : فإلى الله تصرخون بالدعاء وتستغيثون به ، ليكشف ذلك عنكم ، وأصله : من جؤار الثور ، يقال منه : جأر الثور يجأر جؤارا ، وذلك إذا رفع صوتا شديدا من جوع أو غيره ، ومنه قول
الأعشى :
وما أيبلي على هيكل بناه وصلب فيه وصارا
يراوح من صلوات الملي ك طورا سجودا وطورا جؤارا
[ ص: 225 ] يعني بالجؤار : الصياح ، إما بالدعاء ، وإما بالقراءة .
وبنحو الذي قلنا في ذلك ، قال أهل التأويل .
ذكر من قال ذلك :
حدثني
محمد بن عمرو ، قال : ثنا
أبو عاصم ، قال : ثنا
عيسى وحدثني
الحارث ، قال : ثنا
الحسن قال : ثنا
ورقاء وحدثني
المثنى ، قال : أخبرنا
أبو حذيفة ، قال : ثنا
شبل وحدثني
المثنى ، قال : أخبرنا
إسحاق ، قال : ثنا
عبد الله ، عن
ورقاء ، جميعا عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد ، في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53فإليه تجأرون ) قال : تضرعون دعاء .
حدثنا
القاسم ، قال : ثنا
الحسين ، قال : ثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، عن
مجاهد ، مثله .
حدثني
المثنى ، قال : أخبرنا
أبو صالح ، قال : ثني
معاوية ، عن
علي ، عن
ابن عباس ، رضي الله عنهما ، قال : الضر : السقم .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28987_29485_32498nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ( 53 ) )
اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ فِي وَجْهِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي قَوْلِهِ ( فَمِنَ اللَّهِ ) فَقَالَ بَعْضُ الْبَصْرِيِّينَ : دَخَلَتِ الْفَاءُ ، لِأَنَّ "مَا" بِمَنْزِلَةِ "مَنْ" فَجُعِلَ الْخَبَرُ بِالْفَاءِ . وَقَالَ بَعْضُ
الْكُوفِيِّينَ : "مَا" فِي مَعْنَى جَزَاءٍ ، وَلَهَا فِعْلٌ مُضْمَرٌ ، كَأَنَّكَ قُلْتَ : مَا يَكُنْ بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ، لِأَنَّ الْجَزَاءَ لَا بُدَّ لَهُ مِنْ فِعْلٍ مَجْزُومٍ ، إِنْ ظَهَرَ فَهُوَ جَزْمٌ ، وَإِنْ لَمْ يَظْهَرْ فَهُوَ مُضْمَرٌ ، كَمَا قَالَ الشَّاعِرُ :
[ ص: 224 ] إِنِ الْعَقْلُ فِي أَمْوَالِنَا لَا نَضِقْ بِهِ ذِرَاعًا وَإِنْ صَبْرًا فَنَعْرِفُ لِلصَّبْرِ
وَقَالَ : أَرَادَ : إِنْ يَكُنِ الْعَقْلُ فَأَضْمَرَهُ . قَالَ : وَإِنْ جَعَلْتَ "مَا بِكُمْ" فِي مَعْنَى الَّذِي جَازَ ، وَجَعَلْتَ صِلَتَهُ بِكُمْ وَ"مَا" فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ بِقَوْلِهِ ( فَمِنَ اللَّهِ ) وَأَدْخِلِ الْفَاءَ ، كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=62&ayano=8إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ) وَكُلُّ اسْمِ وَصْلٍ مِثْلَ مِنْ وَ مَا وَالَّذِي ، فَقَدْ يَجُوزُ دُخُولُ الْفَاءِ فِي خَبَرِهِ لِأَنَّهُ مُضَارِعٌ لِلْجَزَاءِ وَالْجَزَاءُ قَدْ يُجَابُ بِالْفَاءِ ، وَلَا يَجُوزُ أَخُوكَ فَهُوَ قَائِمٌ ، لِأَنَّهُ اسْمٌ غَيْرُ مَوْصُولٍ ، وَكَذَلِكَ تَقُولُ : مَالُكَ لِي ، فَإِنْ قُلْتَ : مَالُكَ ، جَازَ أَنْ تَقُولَ : مَالُكَ فَهُوَ لِي ، وَإِنْ أَلْقَيْتَ الْفَاءَ فَصَوَابٌ .
وَتَأْوِيلُ الْكَلَامِ : مَا يَكُنْ بِكُمْ فِي أَبْدَانِكُمْ أَيُّهَا النَّاسُ مِنْ عَافِيَةٍ وَصِحَّةٍ وَسَلَامَةٍ ، وَفِي أَمْوَالِكُمْ مِنْ نَمَاءٍ ، فَاللَّهُ الْمُنْعِمُ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ لَا غَيْرُهُ ، لِأَنَّ ذَلِكَ إِلَيْهِ وَبِيَدِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ ) يَقُولُ : إِذَا أَصَابَكُمْ فِي أَبْدَانِكُمْ سَقَمٌ وَمَرَضٌ ، وَعِلَّةٌ عَارِضَةٌ ، وَشَدَّةٌ مِنْ عَيْشٍ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) يَقُولُ : فَإِلَى اللَّهِ تَصْرُخُونَ بِالدُّعَاءِ وَتَسْتَغِيثُونَ بِهِ ، لِيَكْشِفَ ذَلِكَ عَنْكُمْ ، وَأَصْلُهُ : مِنْ جُؤَارِ الثَّوْرِ ، يُقَالُ مِنْهُ : جَأَرَ الثَّوْرُ يَجْأَرُ جُؤَارًا ، وَذَلِكَ إِذَا رَفَعَ صَوْتًا شَدِيدًا مِنْ جُوعٍ أَوْ غَيْرِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْأَعْشَى :
وَمَا أَيْبُلِيٌّ عَلَى هَيْكَلٍ بَنَاهُ وَصَلَّبَ فِيهِ وَصَارَا
يُرَاوِحُ مِنْ صَلَوَاتِ الْمَلِي كِ طَوْرًا سُجُودًا وَطَوْرًا جُؤَارًا
[ ص: 225 ] يَعْنِي بِالْجُؤَارِ : الصِّيَاحَ ، إِمَّا بِالدُّعَاءِ ، وَإِمَّا بِالْقِرَاءَةِ .
وَبِنَحْوِ الَّذِي قُلْنَا فِي ذَلِكَ ، قَالَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو ، قَالَ : ثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ ، قَالَ : ثَنَا
عِيسَى وَحَدَّثَنِي
الْحَارِثُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحَسَنُ قَالَ : ثَنَا
وَرْقَاءُ وَحَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ ، قَالَ : ثَنَا
شِبْلٌ وَحَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
إِسْحَاقُ ، قَالَ : ثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ ، عَنْ
وَرْقَاءَ ، جَمِيعًا عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=53فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ ) قَالَ : تَضْرَعُونَ دُعَاءً .
حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ ، قَالَ : ثَنَا
الْحُسَيْنُ ، قَالَ : ثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ ، مِثْلَهُ .
حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى ، قَالَ : أَخْبَرَنَا
أَبُو صَالِحٍ ، قَالَ : ثَنِي
مُعَاوِيَةُ ، عَنْ
عَلِيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، قَالَ : الضُّرُّ : السُّقْمُ .