الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( قال يا هارون ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ( 92 ) ألا تتبعن أفعصيت أمري ( 93 ) قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ( 94 ) ) [ ص: 359 ] يقول تعالى ذكره : قال موسى لأخيه هارون لما فرغ من خطاب قومه ومراجعته إياهم على ما كان من خطأ فعلهم : يا هارون أي شيء منعك إذ رأيتهم ضلوا عن دينهم ، فكفروا بالله وعبدوا العجل ألا تتبعني .

واختلف أهل التأويل في المعنى الذي عذل موسى عليه أخاه من تركه اتباعه ، فقال بعضهم : عذله على تركه السير بمن أطاعه في أثره على ما كان عهد إليه .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن حميد قال : ثنا سلمة عن ابن إسحاق عن حكيم بن جبير عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : لما قال القوم ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) أقام هارون فيمن تبعه من المسلمين ممن لم يفتتن ، وأقام من يعبد العجل على عبادة العجل ، وتخوف هارون إن سار بمن معه من المسلمين أن يقول له موسى ( فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) وكان له هائبا مطيعا .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله ( ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن ) قال : تدعهم .

وقال آخرون : بل عذله على تركه أن يصلح ما كان من فساد القوم .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج قوله ( ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن ) قال : أمر موسى هارون أن يصلح ، ولا يتبع سبيل المفسدين ، فذلك قوله ( ألا تتبعن أفعصيت أمري ) بذلك ، وقوله ( قال يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) وفي هذا الكلام متروك ، ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام عليه ، وهو : ثم أخذ موسى بلحية أخيه هارون ورأسه يجره إليه ، فقال هارون ( يا ابن أم لا تأخذ بلحيتي ولا برأسي ) .

وقوله ( إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) فاختلف أهل العلم في صفة التفريق بينهم الذي خشيه هارون فقال بعضهم : كان هارون خاف أن يسير بمن أطاعه ، وأقام على دينه في أثر موسى ، ويخلف [ ص: 360 ] عبدة العجل ، وقد ( قالوا ) له ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) فيقول له موسى ( فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) بسيرك بطائفة ، وتركك منهم طائفة وراءك .

ذكر من قال ذلك :

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال ابن زيد في قول الله تعالى ( ما منعك إذ رأيتهم ضلوا ألا تتبعن أفعصيت أمري قال خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) قال : خشيت أن يتبعني بعضهم ويتخلف بعضهم .

وقال آخرون : بل معنى ذلك : خشيت أن نقتتل فيقتل بعضنا بعضا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج ( إني خشيت أن تقول فرقت بين بني إسرائيل ولم ترقب قولي ) قال : كنا نكون فرقتين فيقتل بعضنا بعضا حتى نتفانى .

قال أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك بالصواب القول الذي قاله ابن عباس من أن موسى عذل أخاه هارون على تركه اتباع أمره بمن اتبعه من أهل الإيمان ، فقال له هارون : إني خشيت أن تقول فرقت بين جماعتهم فتركت بعضهم وراءك وجئت ببعضهم ، وذلك بين في قول هارون للقوم ( يا قوم إنما فتنتم به وإن ربكم الرحمن فاتبعوني وأطيعوا أمري ) وفي جواب القوم له وقيلهم ( لن نبرح عليه عاكفين حتى يرجع إلينا موسى ) .

وقوله ( ولم ترقب قولي ) يقول : ولم تنظر قولي وتحفظه ، من مراقبة الرجل الشيء ، وهي مناظرته بحفظه .

كما حدثنا القاسم قال : ثنا الحسين قال : ثني حجاج عن ابن جريج قال : قال ابن عباس ( ولم ترقب قولي ) قال : لم تحفظ قولي .

التالي السابق


الخدمات العلمية