الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ( 33 ) )

يقول تعالى ذكره : زوجوا الصالحين من عبادكم وإمائكم ولا تكرهوا إماءكم على البغاء ، وهو الزنا ( إن أردن تحصنا ) يقول : إن أردن تعففا عن الزنا .

( لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ) يقول : لتلتمسوا بإكراهكم إياهن على الزنا عرض الحياة الدنيا وذلك ما تعرض لهم إليه الحاجة من رياشها وزينتها وأموالها ، ( ومن يكرهن ) يقول : ومن يكره فتياته على البغاء ، فإن الله من بعد إكراهه إياهن على ذلك ، لهن ( غفور رحيم ) ، ووزر ما كان من ذلك عليهم دونهن .

وذكر أن هذه الآية أنزلت في عبد الله بن أبي ابن سلول ، حين أكره أمته مسيكة على الزنا .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا الحسن بن الصباح ، قال : ثنا حجاج بن محمد ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، أنه سمع جابر بن عبد الله يقول : جاءت مسيكة لبعض الأنصار فقالت : إن سيدي يكرهني على الزنا ، فنزلت في ذلك : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) .

حدثني يحيى بن إبراهيم المسعودي ، قال : ثنا أبي ، عن أبيه ، عن جده ، عن الأعمش ، عن أبي سفيان عن جابر قال : كانت جارية لعبد الله بن أبي ابن سلول ، يقال لها مسيكة ، فآجرها أو أكرهها " الطبري شك فأتت النبي صلى الله عليه وسلم ، فشكت ذلك إليه ، فأنزل الله ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا لتبتغوا عرض الحياة الدنيا ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) يعني بهن .

[ ص: 175 ] حدثنا أبو حصين عبد الله بن أحمد بن يونس ، قال : ثنا عبثر ، قال : ثنا حصين ، عن الشعبي ، في قوله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) قال : رجل كانت له جارية تفجر ، فلما أسلمت نزلت هذه .

حدثنا القاسم ، قال : ثنا الحسين ، قال : ثني حجاج ، عن ابن جريج ، قال : أخبرني أبو الزبير ، عن جابر ، قال : جاءت جارية لبعض الأنصار ، فقالت : إن سيدي أكرهني على البغاء ، فأنزل الله في ذلك ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) قال ابن جريج : وأخبرني عمرو بن دينار ، عن عكرمة قال : أمة لعبد الله بن أبي ، أمرها فزنت ، فجاءت ببرد ، فقال لها : ارجعي فازني ، قالت : والله لا أفعل ، إن يك هذا خيرا فقد استكثرت منه ، وإن يك شرا فقد آن لي أن أدعه . قال ابن جريج ، وقال مجاهد نحو ذلك ، وزاد قال : البغاء الزنا ، ( والله غفور رحيم ) قال : للمكرهات على الزنا ، وفيها نزلت هذه الآية .

حدثنا الحسن ، قال : أخبرنا عبد الرزاق ، قال : أخبرنا معمر ، عن الزهري أن رجلا من قريش أسر يوم بدر ، وكان عبد الله بن أبي أسره ، وكان لعبد الله جارية يقال : لها معاذة ، فكان القرشي الأسير يريدها على نفسها ، وكانت مسلمة ، فكانت تمتنع منه لإسلامها ، وكان ابن أبي يكرهها على ذلك ، ويضربها رجاء أن تحمل للقرشي ، فيطلب فداء ولده ، فقال الله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) قال الزهري : ( ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) يقول : غفور لهن ما أكرهن عليه .

حدثنا أبو كريب ، قال : ثنا ابن يمان ، عن أشعث ، عن جعفر ، عن سعيد بن جبير ، أنه كان يقرأ : فإن الله من بعد إكراههن لهن غفور رحيم .

حدثنا علي ، قال : ثنا أبو صالح ، قال : ثني معاوية ، عن علي ، عن ابن عباس ، قوله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء إن أردن تحصنا ) يقول : ولا تكرهوا إماءكم على الزنا ، فإن فعلتم فإن الله سبحانه لهن غفور رحيم ، وإثمهن على من أكرههن .

حدثني محمد بن سعد ، قال : ثني أبي ، قال : ثني عمي ، قال : ثني أبي ، عن أبيه ، عن ابن عباس ، قوله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) . . إلى آخر الآية ، قال : كانوا في الجاهلية يكرهون إماءهم على الزنا ، يأخذون أجورهن ، فقال الله : لا تكرهوهن على الزنا من أجل المنالة في الدنيا ، ( ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) [ ص: 176 ] لهن يعني إذا أكرهن .

حدثني محمد بن عمرو ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا عيسى ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) على الزنا ، قال : عبد الله بن أبي ابن سلول أمر أمة له بالزنا ، فجاءته بدينار أو ببرد " شك أبو عاصم " فأعطته ، فقال : ارجعي فازني بآخر ، فقالت : والله ما أنا براجعة ، فالله غفور رحيم للمكرهات على الزنا ، ففي هذا أنزلت هذه الآية .

حدثني الحارث ، قال : ثنا الحسن ، قال : ثنا ورقاء ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ، نحوه . إلا أنه قال في حديثه : أمر أمة له بالزنا ، فزنت فجاءته ببرد فأعطته ، فلم يشك .

حدثت عن الحسين ، قال : سمعت أبا معاذ يقول : أخبرنا عبيد ، قال : سمعت الضحاك يقول في قوله : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) يقول : على الزنا ( فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) يقول : غفور لهن ، للمكرهات على الزنا .

حدثني يونس ، قال : أخبرنا ابن وهب ، قال : قال : ابن زيد ، في قوله : ( ومن يكرهن فإن الله من بعد إكراههن غفور رحيم ) قال : غفور رحيم لهن حين أكرهن وقسرن على ذلك .

حدثنا ابن حميد ، قال : ثنا جرير ، عن منصور ، عن مجاهد ، قال : كانوا يأمرون ولائدهم يباغين يفعلن ذلك ، فيصبن ، فيأتينهم بكسبهن ، فكانت لعبد الله بن أبي ابن سلول جارية ، فكانت تباغي . فكرهت وحلفت أن لا تفعله ، فأكرهها أهلها ، فانطلقت فباغت ببرد أخضر ، فأتتهم به ، فأنزل الله تبارك وتعالى : ( ولا تكرهوا فتياتكم على البغاء ) . . الآية .

التالي السابق


الخدمات العلمية