القول في تأويل قوله تعالى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32607nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله )
قال
أبو جعفر : يعني - جل ثناؤه - بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب ) ، لله ملكهما وتدبيرهما ، كما يقال : "لفلان هذه الدار" ، يعني بها : أنها له ، ملكا . فذلك قوله : ( ولله المشرق والمغرب ) ، يعني أنهما له ، ملكا وخلقا .
و"المشرق" هو موضع شروق الشمس ، وهو موضع طلوعها ، كما يقال لموضع طلوعها منه : "مطلع" بكسر اللام ، وكما بينا في معنى"المساجد" آنفا .
فإن قال قائل : أوما كان لله إلا مشرق واحد ومغرب واحد ، حتى قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب ) ؟ قيل : إن معنى ذلك غير الذي ذهبت إليه ، وإنما معنى ذلك : ولله المشرق الذي تشرق منه الشمس كل يوم ، والمغرب الذي تغرب فيه كل يوم . فتأويله إذ كان ذلك معناه : ولله ما بين قطري المشرق ، وما بين قطري المغرب ، إذ كان شروق الشمس كل يوم من موضع منه لا تعود لشروقها منه إلى الحول الذي بعده ، وكذلك غروبها كل يوم .
فإن قال : أوليس وإن كان تأويل ذلك ما ذكرت ، فلله كل ما دونه؟ الخلق خلقه!
[ ص: 527 ] قيل : بلى!
فإن قال : فكيف خص المشارق والمغارب بالخبر عنها أنها له في هذا الموضع ، دون سائر الأشياء غيرها؟
قيل : قد اختلف أهل التأويل في السبب الذي من أجله خص الله ذكر ذلك بما خصه به في هذا الموضع . ونحن مبينو الذي هو أولى بتأويل الآية بعد ذكرنا أقوالهم في ذلك . فقال بعضهم : خص الله - جل ثناؤه - ذلك بالخبر ، من أجل أن
اليهود كانت توجه في صلاتها وجوهها قبل
بيت المقدس ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك مدة ، ثم حولوا إلى
الكعبة ، فاستنكرت
اليهود ذلك من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالوا : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها؟ فقال الله تبارك وتعالى لهم : المشارق والمغارب كلها لي ، أصرف وجوه عبادي كيف أشاء منها ، فحيثما تولوا فثم وجه الله .
ذكر من قال ذلك :
1833 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو صالح قال : حدثني
معاوية بن صالح ، عن
علي ، عن
ابن عباس قال ، كان أول ما نسخ من القرآن القبلة ، وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما هاجر إلى
المدينة ، وكان أكثر أهلها
اليهود ، أمره الله عز وجل أن يستقبل
بيت المقدس ، ففرحت
اليهود . فاستقبلها رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعة عشر شهرا ، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب قبلة
إبراهيم عليه السلام ، فكان يدعو وينظر إلى السماء ، فأنزل الله تبارك وتعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144قد نرى تقلب وجهك في السماء ) [ سورة البقرة : 144 ] إلى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فولوا وجوهكم شطره ) [ سورة البقرة : 144 - 150 ] ، فارتاب من ذلك
اليهود ، وقالوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها ) [ سورة البقرة : 142 ] ، فأنزل الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142قل لله المشرق والمغرب ) ، وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) .
[ ص: 528 ]
1834 - حدثني
موسى قال : حدثنا
عمرو قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي نحوه .
وقال آخرون : بل أنزل الله هذه الآية قبل أن يفرض على نبيه صلى الله عليه وسلم وعلى المؤمنين به التوجه شطر
المسجد الحرام . وإنما أنزلها عليه معلما نبيه عليه الصلاة والسلام بذلك وأصحابه أن لهم التوجه بوجوههم للصلاة حيث شاءوا من نواحي المشرق والمغرب ، لأنهم لا يوجهون وجوههم وجها من ذلك وناحية ، إلا كان - جل ثناؤه - في ذلك الوجه وتلك الناحية ، لأن له المشارق والمغارب ، وأنه لا يخلو منه مكان ، كما قال جل وعز : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلا هو معهم أين ما كانوا ) [ سورة المجادلة : 7 ] قالوا : ثم نسخ ذلك بالفرض الذي
[ ص: 529 ] فرض عليهم في التوجه شطر
المسجد الحرام .
ذكر من قال ذلك :
1835 - حدثنا
بشر بن معاذ قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يزيد بن زريع قال : حدثنا
سعيد عن
قتادة : قوله جل وعز : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، ثم نسخ ذلك بعد ذلك ، فقال الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149ومن حيث خرجت فول وجهك شطر المسجد الحرام ) [ سورة البقرة : 149 - 150 ]
1836 - حدثنا
الحسن قال أخبرنا
عبد الرزاق قال : أخبرنا
معمر ، عن
قتادة في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، قال : هي القبلة ، ثم نسختها القبلة إلى
المسجد الحرام .
1837 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
الحجاج بن المنهال قال : حدثنا
همام قال : حدثنا
يحيى قال ، سمعت
قتادة في قول الله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، قال : كانوا يصلون نحو
بيت المقدس ورسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قبل الهجرة ، وبعد ما هاجر رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى نحو
بيت المقدس ستة عشر شهرا ، ثم وجه بعد ذلك نحو
الكعبة البيت الحرام . فنسخها الله في آية أخرى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فلنولينك قبلة ترضاها ) إلى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144وحيثما كنتم فولوا وجوهكم شطره ) [ سورة البقرة : 144 ] ، قال : فنسخت هذه الآية ما كان قبلها من أمر القبلة .
1838 - حدثنا
يونس قال : أخبرنا
ابن وهب قال ، سمعته - يعني
زيدا - يقول :
قال عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) قال : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "هؤلاء قوم يهود يستقبلون بيتا من بيوت الله لو أنا استقبلناه! فاستقبله النبي صلى الله عليه وسلم ستة عشر شهرا ، فبلغه أن يهود تقول : والله ما درى محمد وأصحابه أين قبلتهم حتى هديناهم ! فكره ذلك النبي صلى الله عليه وسلم ، ورفع وجهه إلى السماء ، فقال الله عز وجل : [ ص: 530 ] ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144قد نرى تقلب وجهك في السماء ) الآية [ سورة البقرة : 144 ] .
وقال آخرون : نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم ، إذنا من الله - عز وجل - له أن
nindex.php?page=treesubj&link=32607يصلي التطوع حيث توجه وجهه من شرق أو غرب ، في مسيره في سفره ، وفي حال المسايفة ، وفي شدة الخوف ، والتقاء الزحوف في الفرائض . وأعلمه أنه حيث وجه وجهه فهو هنالك ، بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) .
ذكر من قال ذلك :
1839 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن إدريس قال : حدثنا
عبد الملك ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عمر أنه كان يصلي حيث توجهت به راحلته ، ويذكر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك ، ويتأول هذه الآية : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115أينما تولوا فثم وجه الله ) .
1840 - حدثني
أبو السائب قال : حدثنا
ابن فضيل ، عن
عبد الملك بن أبي سليمان ، عن
سعيد بن جبير ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811256عن ابن عمر أنه قال : "إنما نزلت هذه الآية : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115أينما تولوا فثم وجه الله ) أن تصلي حيثما توجهت بك راحلتك في السفر تطوعا ، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رجع من مكة يصلي على راحلته تطوعا يومئ برأسه نحو المدينة " . [ ص: 531 ]
وقال آخرون بل نزلت هذه الآية في قوم عميت عليهم القبلة فلم يعرفوا شطرها ، فصلوا على أنحاء مختلفة ، فقال الله عز وجل لهم : لي المشارق والمغارب ، فأنى وليتم وجوهكم فهنالك وجهي ، وهو قبلتكم - معلمهم بذلك أن صلاتهم ماضية .
ذكر من قال ذلك :
1841 - حدثنا
أحمد قال : حدثنا
أبو أحمد قال : حدثنا
أبو الربيع السمان ، عن
عاصم بن عبيد الله ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811920عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه قال : "كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في ليلة سوداء مظلمة ، فنزلنا منزلا فجعل الرجل يأخذ الأحجار فيعمل مسجدا يصلي فيه ، فلما أصبحنا ، إذا نحن قد صلينا على غير القبلة ، فقلنا : يا رسول الله لقد صلينا ليلتنا هذه لغير القبلة ، فأنزل الله عز وجل : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله إن الله واسع عليم ) .
[ ص: 532 ]
1842 - حدثني
المثنى قال : حدثني
الحجاج قال : حدثنا
حماد قال ، قلت
nindex.php?page=showalam&ids=12354للنخعي : إني كنت استيقظت - أو قال أيقظت ، شك
الطبري - فكان في السماء سحاب ، فصليت لغير القبلة . قال : مضت صلاتك ، يقول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) .
1843 - حدثنا
سفيان بن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
أشعث السمان ، عن
عاصم بن عبيد الله ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810060عن عبد الله بن عامر بن ربيعة ، عن أبيه قال ، كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم في ليلة مظلمة في سفر ، فلم ندر أين القبلة فصلينا ، فصلى كل واحد منا على حياله ، ثم أصبحنا فذكرنا للنبي صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عز وجل : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) .
وقال آخرون : بل نزلت هذه الآية في سبب
النجاشي ، لأن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم تنازعوا في أمره ، من أجل أنه مات قبل أن يصلي إلى القبلة ، فقال الله عز وجل : المشارق والمغارب كلها لي ، فمن وجه وجهه نحو شيء منها يريدني به ويبتغي به طاعتي ، وجدني هنالك ، يعني بذلك أن
النجاشي وإن لم يكن صلى إلى القبلة ، فإنه قد كان يوجه إلى بعض وجوه المشارق والمغارب وجهه ، يبتغي بذلك رضا الله عز وجل في صلاته .
ذكر من قال ذلك :
1844 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
هشام بن معاذ قال : حدثني أبي ،
عن قتادة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إن أخاكم النجاشي قد مات فصلوا عليه . قالوا : نصلي على رجل ليس بمسلم ! قال فنزلت ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وإن من أهل الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله ) [ سورة [ ص: 533 ] آل عمران : 199 ] ، قال : قتادة ، فقالوا : إنه كان لا يصلي إلى القبلة ، فأنزل الله عز وجل : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115ولله المشرق والمغرب فأينما تولوا فثم وجه الله ) .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك : أن الله تعالى ذكره إنما خص الخبر عن المشرق والمغرب في هذه الآية بأنهما له ملكا ، وإن كان لا شيء إلا وهو له ملك - إعلاما منه عباده المؤمنين أن له ملكهما وملك ما بينهما من الخلق ، وأن على جميعهم إذ كان له ملكهم طاعته فيما أمرهم ونهاهم ، وفيما فرض عليهم من الفرائض ، والتوجه نحو الوجه الذي وجهوا إليه ، إذ كان من حكم المماليك طاعة مالكهم؛ فأخرج الخبر عن المشرق والمغرب ، والمراد به من بينهما من الخلق ، على النحو الذي قد بينت من الاكتفاء بالخبر عن سبب الشيء من ذكره والخبر عنه ، كما قيل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وأشربوا في قلوبهم العجل ) ، وما أشبه ذلك .
ومعنى الآية إذا : ولله ملك الخلق الذي بين المشرق والمغرب يتعبدهم بما شاء ، ويحكم فيهم ما يريد ، عليهم طاعته ، فولوا وجوهكم - أيها المؤمنون - نحو وجهي ، فإنكم أينما تولوا وجوهكم فهنالك وجهي .
فأما القول في هذه الآية : ناسخة أم منسوخة ، أم لا هي ناسخة ولا منسوخة؟ فالصواب فيه من القول أن يقال : إنها جاءت مجيء العموم ، والمراد الخاص ، وذلك أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، محتمل : أينما تولوا - في حال سيركم في أسفاركم ، في صلاتكم التطوع ، وفي حال مسايفتكم عدوكم ، في تطوعكم ومكتوبتكم ، فثم وجه الله ، كما قال
ابن عمر والنخعي ، ومن قال ذلك ممن ذكرنا عنه آنفا .
[ ص: 534 ]
ومحتمل : فأينما تولوا - من أرض الله فتكونوا بها - فثم قبلة الله التي توجهون وجوهكم إليها؛ لأن الكعبة ممكن لكم التوجه إليها منها . كما قال : -
1845 -
أبو كريب قال حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
أبي سنان ، عن
الضحاك ،
nindex.php?page=showalam&ids=15411والنضر بن عربي ، عن
مجاهد في قول الله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، قال : قبلة الله ، فأينما كنت من شرق أو غرب فاستقبلها .
1846 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثنا
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، أخبرني
إبراهيم ، عن
ابن أبي بكر ، عن
مجاهد قال ، حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها قال ،
الكعبة .
ومحتمل : فأينما تولوا وجوهكم في دعائكم فهنالك وجهي أستجيب لكم دعاءكم ، كما : -
1847 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج قال : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، قال
مجاهد : لما نزلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادعوني أستجب لكم ) [ سورة غافر : 60 ] ، قالوا : إلى أين؟ فنزلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) .
فإذ كان قوله عز وجل : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، محتملا ما ذكرنا من الأوجه ، لم يكن لأحد أن يزعم أنها ناسخة أو منسوخة إلا بحجة يجب التسليم لها .
؛ لأن الناسخ لا يكون إلا بمنسوخ ، ولم تقم حجة يجب التسليم لها بأن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، معني به : فأينما توجهوا وجوهكم في صلاتكم فثم قبلتكم ، ولا أنها نزلت بعد صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحو
بيت المقدس ، أمرا من الله عز وجل لهم بها أن يتوجهوا نحو
الكعبة ، فيجوز أن يقال : هي ناسخة الصلاة نحو
بيت المقدس ، إذ كان من أهل العلم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأئمة التابعين ، من ينكر أن تكون نزلت في ذلك المعنى ، ولا خبر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثابت بأنها نزلت فيه ، وكان الاختلاف في أمرها موجودا على ما وصفت .
[ ص: 535 ]
ولا هي - إذ لم تكن ناسخة لما وصفنا - قامت حجتها بأنها منسوخة ، إذ كانت محتملة ما وصفنا : بأن تكون جاءت بعموم ، ومعناها : في حال دون حال - إن كان عني بها التوجه في الصلاة ، وفي كل حال إن كان عني بها الدعاء ، وغير ذلك من المعاني التي ذكرنا .
وقد دللنا في كتابنا : "كتاب البيان عن أصول الأحكام" ، على أن لا ناسخ من آي القرآن وأخبار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا ما نفى حكما ثابتا ، وألزم العباد فرضه ، غير محتمل بظاهره وباطنه غير ذلك . فأما إذا ما احتمل غير ذلك من أن يكون بمعنى الاستثناء أو الخصوص والعموم ، أو المجمل ، أو المفسر ، فمن الناسخ والمنسوخ بمعزل ، بما أغنى عن تكريره في هذا الموضع ، ولا منسوخ إلا المنفي الذي كان قد ثبت حكمه وفرضه .
ولم يصح واحد من هذين المعنيين لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فأينما تولوا فثم وجه الله ) ، بحجة يجب التسليم لها ، فيقال فيه : هو ناسخ أو منسوخ .
وأما قوله : ( فأينما ) ، فإن معناه : حيثما .
وأما قوله : ( تولوا ) فإن الذي هو أولى بتأويله أن يكون : تولون نحوه وإليه ، كما يقول القائل : "وليته وجهي ووليته إليه" ، بمعنى : قابلته وواجهته . وإنما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية ، لإجماع الحجة على أن ذلك تأويله ، وشذوذ من تأوله بمعنى : تولون عنه فتستدبرونه ، فالذي تتوجهون إليه وجه الله ، بمعنى قبلة الله .
وأما قوله : ( فثم ) فإنه بمعنى : هنالك .
[ ص: 536 ]
واختلف في تأويل قوله : ( فثم وجه الله ) فقال بعضهم : تأويل ذلك : فثم قبلة الله ، يعني بذلك وجهه الذي وجههم إليه .
ذكر من قال ذلك :
1848 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
النضر بن عربي ، عن
مجاهد : ( فثم وجه الله ) قال : قبلة الله .
1849 - حدثنا
القاسم قال : حدثنا
الحسين قال : حدثني
حجاج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج قال ، أخبرني
إبراهيم ، عن
مجاهد قال ، حيثما كنتم فلكم قبلة تستقبلونها .
وقال آخرون : معنى قول الله عز وجل : ( فثم وجه الله ) ، فثم الله تبارك وتعالى .
وقال آخرون : معنى قوله : ( فثم وجه الله ) ، فثم تدركون بالتوجه إليه رضا الله الذي له الوجه الكريم .
وقال آخرون : عنى ب "الوجه" ذا الوجه . وقال قائلو هذه المقالة : وجه الله صفة له .
فإن قال قائل : وما هذه الآية من التي قبلها؟
قيل : هي لها مواصلة ، وإنما معنى ذلك : ومن أظلم من
النصارى الذين منعوا عباد الله مساجده أن يذكر فيها اسمه ، وسعوا في خرابها ، ولله المشرق والمغرب ، فأينما توجهوا وجوهكم فاذكروه ، فإن وجهه هنالك ، يسعكم فضله وأرضه وبلاده ، ويعلم ما تعملون ، ولا يمنعكم تخريب من خرب
مسجد بيت المقدس ، ومنعهم من منعوا من ذكر الله فيه - أن تذكروا الله حيث كنتم من أرض الله ، تبتغون به وجهه .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32607nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) ، لِلَّهِ مِلْكُهُمَا وَتَدْبِيُرُهُمَا ، كَمَا يُقَالُ : "لِفُلَانٍ هَذِهِ الدَّارُ" ، يَعْنِي بِهَا : أَنَّهَا لَهُ ، مِلْكًا . فَذَلِكَ قَوْلُهُ : ( وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) ، يَعْنِي أَنَّهُمَا لَهُ ، مِلْكًا وَخَلْقًا .
وَ"الْمَشْرِقُ" هُوَ مَوْضِعُ شُرُوقِ الشَّمْسِ ، وَهُوَ مَوْضِعُ طُلُوعِهَا ، كَمَا يُقَالُ لِمَوْضِعِ طُلُوعِهَا مِنْهُ : "مَطْلِعٌ" بِكَسْرِ اللَّامِ ، وَكَمَا بَيَّنَّا فِي مَعْنَى"الْمَسَاجِدِ" آنِفًا .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : أَوَمَا كَانَ لِلَّهِ إِلَّا مَشْرِقٌ وَاحِدٌ وَمَغْرِبٌ وَاحِدٌ ، حَتَّى قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) ؟ قِيلَ : إِنَّ مَعْنَى ذَلِكَ غَيْرُ الَّذِي ذَهَبْتَ إِلَيْهِ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ الَّذِي تَشْرُقُ مِنْهُ الشَّمْسُ كُلَّ يَوْمٍ ، وَالْمَغْرِبُ الَّذِي تَغْرُبُ فِيهِ كُلَّ يَوْمٍ . فَتَأْوِيلُهُ إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ : وَلِلَّهِ مَا بَيْنَ قُطْرِيِ الْمَشْرِقِ ، وَمَا بَيْنَ قُطْرِيِ الْمَغْرِبِ ، إِذْ كَانَ شُرُوقُ الشَّمْسِ كُلَّ يَوْمٍ مِنْ مَوْضِعٍ مِنْهُ لَا تَعُودُ لِشُرُوقِهَا مِنْهُ إِلَى الْحَوْلِ الَّذِي بَعْدَهُ ، وَكَذَلِكَ غُرُوبُهَا كُلَّ يَوْمٍ .
فَإِنْ قَالَ : أَوَلَيْسَ وَإِنْ كَانَ تَأْوِيلُ ذَلِكَ مَا ذَكَرْتَ ، فَلِلَّهِ كُلُّ مَا دُونَهُ؟ الْخَلْقُ خَلْقُهُ!
[ ص: 527 ] قِيلَ : بَلَى!
فَإِنْ قَالَ : فَكَيْفَ خَصَّ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ بِالْخَبَرِ عَنْهَا أَنَّهَا لَهُ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، دُونَ سَائِرِ الْأَشْيَاءِ غَيْرَهَا؟
قِيلَ : قَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي السَّبَبِ الَّذِي مِنْ أَجْلِهِ خَصَّ اللَّهُ ذِكْرَ ذَلِكَ بِمَا خَصَّهُ بِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ . وَنَحْنُ مُبَيِّنُو الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ بَعْدَ ذِكْرِنَا أَقْوَالَهُمْ فِي ذَلِكَ . فَقَالَ بَعْضُهُمْ : خَصَّ اللَّهُ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - ذَلِكَ بِالْخَبَرِ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّ
الْيَهُودَ كَانَتْ تُوَجِّهُ فِي صَلَاتِهَا وُجُوهَهَا قِبَلَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَفْعَلُ ذَلِكَ مُدَّةً ، ثُمَّ حُوِّلُوا إِلَى
الْكَعْبَةِ ، فَاسْتَنْكَرَتِ
الْيَهُودُ ذَلِكَ مِنْ فِعْلِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالُوا : مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا؟ فَقَالَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى لَهُمُ : الْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ كُلُّهَا لِي ، أَصْرِفُ وُجُوهَ عِبَادِي كَيْفَ أَشَاءُ مِنْهَا ، فَحَيْثُمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1833 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو صَالِحٍ قَالَ : حَدَّثَنِي
مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ ، عَنْ
عَلَيٍّ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ ، كَانَ أَوَّلُ مَا نُسِخَ مِنَ الْقُرْآنِ الْقِبْلَةَ ، وَذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا هَاجَرَ إِلَى
الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ أَكْثَرُ أَهْلِهَا
الْيَهُودَ ، أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يَسْتَقْبِلَ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ ، فَفَرِحَتِ
الْيَهُودُ . فَاسْتَقْبَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِضْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُحِبُّ قِبْلَةَ
إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ ، فَكَانَ يَدْعُو وَيَنْظُرُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 144 ] إِلَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 144 - 150 ] ، فَارْتَابَ مِنْ ذَلِكَ
الْيَهُودُ ، وَقَالُوا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 142 ] ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142قُلْ لِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ) ، وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) .
[ ص: 528 ]
1834 - حَدَّثَنِي
مُوسَى قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرٌو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ نَحْوَهُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ قَبْلَ أَنْ يَفْرِضَ عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِهِ التَّوَجُّهَ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ . وَإِنَّمَا أَنْزَلَهَا عَلَيْهِ مُعْلِمًا نَبِيَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِذَلِكَ وَأَصْحَابَهُ أَنَّ لَهُمُ التَّوَجُّهَ بِوُجُوهِهِمْ لِلصَّلَاةِ حَيْثُ شَاءُوا مِنْ نَوَاحِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، لِأَنَّهُمْ لَا يُوَجِّهُونَ وُجُوهَهُمْ وَجْهًا مِنْ ذَلِكَ وَنَاحِيَةً ، إِلَّا كَانَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - فِي ذَلِكَ الْوَجْهِ وَتِلْكَ النَّاحِيَةِ ، لِأَنَّ لَهُ الْمَشَارِقَ وَالْمَغَارِبَ ، وَأَنَّهُ لَا يَخْلُو مِنْهُ مَكَانٌ ، كَمَا قَالَ جَلَّ وَعَزَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=7وَلَا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ) [ سُورَةُ الْمُجَادَلَةِ : 7 ] قَالُوا : ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بِالْفَرْضِ الَّذِي
[ ص: 529 ] فُرِضَ عَلَيْهِمْ فِي التَّوَجُّهِ شَطْرَ
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1835 - حَدَّثَنَا
بِشْرُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17360يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ عَنْ
قَتَادَةَ : قَوْلُهُ جَلَّ وَعَزَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، ثُمَّ نُسِخَ ذَلِكَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَالَ اللَّهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=149وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 149 - 150 ]
1836 - حَدَّثَنَا
الْحَسَنُ قَالَ أَخْبَرَنَا
عَبْدُ الرَّزَّاقِ قَالَ : أَخْبَرَنَا
مَعْمَرٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، قَالَ : هِيَ الْقِبْلَةُ ، ثُمَّ نَسَخَتْهَا الْقِبْلَةُ إِلَى
الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ .
1837 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ قَالَ : حَدَّثَنَا
هَمَّامٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَحْيَى قَالَ ، سَمِعْتُ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، قَالَ : كَانُوا يُصَلُّونَ نَحْوَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ ، وَبَعْدَ مَا هَاجَرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى نَحْوَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، ثُمَّ وُجِّهَ بَعْدَ ذَلِكَ نَحْوَ
الْكَعْبَةِ الْبَيْتِ الْحَرَامِ . فَنَسَخَهَا اللَّهُ فِي آيَةٍ أُخْرَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ) إِلَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144وَحَيْثُمَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 144 ] ، قَالَ : فَنَسَخَتْ هَذِهِ الْآيَةُ مَا كَانَ قَبْلَهَا مِنْ أَمْرِ الْقِبْلَةِ .
1838 - حَدَّثَنَا
يُونُسُ قَالَ : أَخْبَرَنَا
ابْنُ وَهْبٍ قَالَ ، سَمِعْتُهُ - يَعْنِي
زَيْدًا - يَقُولُ :
قَالَ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) قَالَ : فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "هَؤُلَاءِ قَوْمُ يَهُودَ يَسْتَقْبِلُونَ بَيْتًا مِنْ بُيُوتِ اللَّهِ لَوْ أَنَا اسْتَقْبَلْنَاهُ! فَاسْتَقْبَلَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا ، فَبَلَغَهُ أَنَّ يَهُودَ تَقُولُ : وَاللَّهِ مَا دَرَى مُحَمَّدٌ وَأَصْحَابُهُ أَيْنَ قِبْلَتُهُمْ حَتَّى هَدَيْنَاهُمْ ! فَكَرِهَ ذَلِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَفَعَ وَجْهَهُ إِلَى السَّمَاءِ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : [ ص: 530 ] ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=144قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ) الْآيَةَ [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 144 ] .
وَقَالَ آخَرُونَ : نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، إِذْنًا مِنَ اللَّهِ - عَزَّ وَجَلَّ - لَهُ أَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=32607يُصَلِّيَ التَّطَوُّعَ حَيْثُ تَوَجَّهَ وَجْهُهُ مِنْ شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ ، فِي مَسِيرِهِ فِي سَفَرِهِ ، وَفِي حَالِ الْمُسَايَفَةِ ، وَفِي شِدَّةِ الْخَوْفِ ، وَالْتِقَاءِ الزُّحُوفِ فِي الْفَرَائِضِ . وَأَعْلَمَهُ أَنَّهُ حَيْثُ وَجَّهَ وَجْهَهُ فَهُوَ هُنَالِكَ ، بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1839 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ إِدْرِيسَ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْمَلِكِ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ كَانَ يُصَلِّي حَيْثُ تَوَجَّهَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ ، وَيَذْكُرُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ ، وَيَتَأَوَّلُ هَذِهِ الْآيَةَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) .
1840 - حَدَّثَنِي
أَبُو السَّائِبِ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ فَضِيلٍ ، عَنْ
عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811256عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ : "إِنَّمَا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115أَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) أَنْ تُصَلِّيَ حَيْثُمَا تَوَجَّهَتْ بِكَ رَاحِلَتُكَ فِي السَّفَرِ تَطَوُّعًا ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا رَجَعَ مِنْ مَكَّةَ يُصَلِّي عَلَى رَاحِلَتِهِ تَطَوُّعًا يُومِئُ بِرَأْسِهِ نَحْوَ الْمَدِينَةِ " . [ ص: 531 ]
وَقَالَ آخَرُونَ بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي قَوْمٍ عُمِّيَتْ عَلَيْهِمُ الْقِبْلَةُ فَلَمْ يَعْرِفُوا شَطْرَهَا ، فَصَلَّوْا عَلَى أَنْحَاءٍ مُخْتَلِفَةٍ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ : لِيَ الْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ ، فَأَنَّى وَلَّيْتُمْ وُجُوهَكُمْ فَهُنَالِكَ وَجْهِي ، وَهُوَ قِبْلَتُكُمْ - مُعْلِمَهُمْ بِذَلِكَ أَنَّ صَلَاتَهُمْ مَاضِيَةٌ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1841 - حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو أَحْمَدَ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو الرَّبِيعِ السَّمَّانُ ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811920عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ : "كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ سَوْدَاءَ مُظْلِمَةٍ ، فَنَزَلْنَا مَنْزِلًا فَجَعْلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ الْأَحْجَارَ فَيَعْمَلُ مَسْجِدًا يُصَلِّي فِيهِ ، فَلَمَّا أَصْبَحْنَا ، إِذَا نَحْنُ قَدْ صَلَّيْنَا عَلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ، فَقُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ لَقَدْ صَلَّيْنَا لَيْلَتَنَا هَذِهِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ ) .
[ ص: 532 ]
1842 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنِي
الْحَجَّاجُ قَالَ : حَدَّثَنَا
حَمَّادٌ قَالَ ، قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=12354لِلنَّخَعِيِّ : إِنِّي كُنْتُ اسْتَيْقَظْتُ - أَوْ قَالَ أَيْقَظْتُ ، شَكَّ
الطَّبَرَيُّ - فَكَانَ فِي السَّمَاءِ سَحَابٌ ، فَصَلَّيْتُ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ . قَالَ : مَضَتْ صَلَاتُكَ ، يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) .
1843 - حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ بْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
أَشْعَثَ السَّمَانِ ، عَنْ
عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=810060عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ ، كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي سَفَرٍ ، فَلَمْ نَدْرِ أَيْنَ الْقِبْلَةُ فَصَلَّيْنَا ، فَصَلَّى كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا عَلَى حِيَالِهِ ، ثُمَّ أَصْبَحْنَا فَذَكَرْنَا لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلْ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي سَبَبِ
النَّجَاشِيِّ ، لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَنَازَعُوا فِي أَمْرِهِ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ مَاتَ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ إِلَى الْقِبْلَةِ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : الْمَشَارِقُ وَالْمَغَارِبُ كُلُّهَا لِي ، فَمَنْ وَجَّهَ وَجْهَهُ نَحْوَ شَيْءٍ مِنْهَا يُرِيدُنِي بِهِ وَيَبْتَغِي بِهِ طَاعَتِي ، وَجَدَنِي هُنَالِكَ ، يَعْنِي بِذَلِكَ أَنَّ
النَّجَاشِيَّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ صَلَّى إِلَى الْقِبْلَةِ ، فَإِنَّهُ قَدْ كَانَ يُوَجِّهُ إِلَى بَعْضِ وُجُوهِ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ وَجْهَهُ ، يَبْتَغِي بِذَلِكَ رِضَا اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فِي صِلَاتِهِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1844 - حَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
هِشَامُ بْنُ مُعَاذٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ،
عَنْ قَتَادَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ : إِنَّ أَخَاكُمُ النَّجَاشِيَّ قَدْ مَاتَ فَصَلُّوا عَلَيْهِ . قَالُوا : نُصَلِّي عَلَى رَجُلٍ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ ! قَالَ فَنَزَلَتْ ( nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=199وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ ) [ سُورَةُ [ ص: 533 ] آلِ عِمْرَانَ : 199 ] ، قَالَ : قَتَادَةُ ، فَقَالُوا : إِنَّهُ كَانَ لَا يُصَلِّي إِلَى الْقِبْلَةِ ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ إِنَّمَا خَصَّ الْخَبَرَ عَنِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِأَنَّهُمَا لَهُ مِلْكًا ، وَإِنْ كَانَ لَا شَيْءَ إِلَّا وَهُوَ لَهُ مَلِكٌ - إِعْلَامًا مِنْهُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ لَهُ مِلْكَهُمَا وَمِلْكَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلْقِ ، وَأَنْ عَلَى جَمِيعِهِمْ إِذْ كَانَ لَهُ مِلْكُهُمْ طَاعَتُهُ فِيمَا أَمَرَهُمْ وَنَهَاهُمْ ، وَفِيمَا فَرَضَ عَلَيْهِمْ مِنَ الْفَرَائِضِ ، وَالتَّوَجُّهِ نَحْوَ الْوَجْهِ الَّذِي وُجِّهُوا إِلَيْهِ ، إِذْ كَانَ مِنْ حُكْمِ الْمَمَالِيكِ طَاعَةُ مَالِكِهِمْ؛ فَأَخْرَجَ الْخَبَرَ عَنِ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ ، وَالْمُرَادُ بِهِ مَنْ بَيْنَهُمَا مِنَ الْخَلْقِ ، عَلَى النَّحْوِ الَّذِي قَدْ بَيَّنْتُ مِنَ الِاكْتِفَاءِ بِالْخَبَرِ عَنْ سَبَبِ الشَّيْءِ مِنْ ذِكْرِهِ وَالْخَبَرِ عَنْهُ ، كَمَا قِيلَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=93وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ ) ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَمَعْنَى الْآيَةِ إِذًا : وَلِلَّهِ مِلْكُ الْخَلْقِ الَّذِي بَيْنَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ يَتَعَبَّدُهُمْ بِمَا شَاءَ ، وَيَحْكُمُ فِيهِمْ مَا يُرِيدُ ، عَلَيْهِمْ طَاعَتُهُ ، فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ - أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ - نَحْوَ وَجْهِي ، فَإِنَّكُمْ أَيْنَمَا تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ فَهُنَالِكَ وَجْهِي .
فَأَمَّا الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : نَاسِخَةٌ أَمْ مَنْسُوخَةٌ ، أَمْ لَا هِيَ نَاسِخَةٌ وَلَا مَنْسُوخَةٌ؟ فَالصَّوَابُ فِيهِ مِنَ الْقَوْلِ أَنْ يُقَالَ : إِنَّهَا جَاءَتْ مَجِيءَ الْعُمُومِ ، وَالْمُرَادُ الْخَاصُّ ، وَذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، مُحْتَمِلٌ : أَيْنَمَا تُوَلُّوا - فِي حَالِ سَيْرِكُمْ فِي أَسْفَارِكُمْ ، فِي صَلَاتِكُمُ التَّطَوُّعَ ، وَفِي حَالِ مُسَايَفَتِكُمْ عَدُّوَكُمْ ، فِي تَطَوُّعِكُمْ وَمَكْتُوبَتِكُمْ ، فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ، كَمَا قَالَ
ابْنُ عُمَرَ وَالنَّخَعِيُّ ، وَمَنْ قَالَ ذَلِكَ مِمَّنْ ذَكَرْنَا عَنْهُ آنِفًا .
[ ص: 534 ]
وَمُحْتَمِلٌ : فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا - مِنْ أَرْضِ اللَّهِ فَتَكُونُوا بِهَا - فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ الَّتِي تُوَجِّهُونَ وُجُوهَكُمْ إِلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْكَعْبَةَ مُمْكِنٌ لَكُمُ التَّوَجُّهُ إِلَيْهَا مِنْهَا . كَمَا قَالَ : -
1845 -
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
أَبِي سِنَانٍ ، عَنِ
الضَّحَّاكِ ،
nindex.php?page=showalam&ids=15411وَالنَّضِرِ بْنِ عَرَبِيٍّ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، قَالَ : قِبْلَةُ اللَّهِ ، فَأَيْنَمَا كُنْتَ مِنْ شَرْقٍ أَوْ غَرْبٍ فَاسْتَقْبِلْهَا .
1846 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنَا
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ، أَخْبَرَنِي
إِبْرَاهِيمُ ، عَنِ
ابْنِ أَبِي بَكْرٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ ، حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا قَالَ ،
الْكَعْبَةُ .
وَمُحْتَمِلٌ : فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ فِي دُعَائِكُمْ فَهُنَالِكَ وَجْهِي أَسْتَجِيبُ لَكُمْ دُعَاءَكُمْ ، كَمَا : -
1847 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ قَالَ : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنُ جُرَيْجٍ ، قَالَ
مُجَاهِدٌ : لَمَّا نَزَلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=60ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ ) [ سُورَةُ غَافِرٍ : 60 ] ، قَالُوا : إِلَى أَيْنَ؟ فَنَزَلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) .
فَإِذْ كَانَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، مُحْتَمِلًا مَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَوْجُهِ ، لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَزْعُمَ أَنَّهَا نَاسِخَةٌ أَوْ مَنْسُوخَةٌ إِلَّا بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا .
؛ لِأَنَّ النَّاسِخَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِمَنْسُوخٍ ، وَلَمْ تَقُمْ حُجَّةٌ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا بِأَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، مَعْنِيٌّ بِهِ : فَأَيْنَمَا تُوَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ فِي صَلَاتِكُمْ فَثَمَّ قِبْلَتُكُمْ ، وَلَا أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ نَحْوَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، أَمْرًا مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ بِهَا أَنْ يَتَوَجَّهُوا نَحْوَ
الْكَعْبَةِ ، فَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : هِيَ نَاسِخَةٌ الصَّلَاةَ نَحْوَ
بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، إِذْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَئِمَّةِ التَّابِعِينَ ، مَنْ يَنْكَرُ أَنْ تَكُونَ نَزَلَتْ فِي ذَلِكَ الْمَعْنَى ، وَلَا خَبَرَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثَابِتٌ بِأَنَّهَا نَزَلَتْ فِيهِ ، وَكَانَ الِاخْتِلَافُ فِي أَمْرِهَا مَوْجُودًا عَلَى مَا وَصَفْتُ .
[ ص: 535 ]
وَلَا هِيَ - إِذْ لَمْ تَكُنْ نَاسِخَةً لِمَا وَصَفْنَا - قَامَتْ حُجَّتُهَا بِأَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ ، إِذْ كَانَتْ مُحْتَمِلَةً مَا وَصَفْنَا : بِأَنْ تَكُونَ جَاءَتْ بِعُمُومٍ ، وَمَعْنَاهَا : فِي حَالٍ دُونَ حَالٍ - إِنْ كَانَ عُنِيَ بِهَا التَّوَجُّهُ فِي الصَّلَاةِ ، وَفِي كُلِّ حَالٍ إِنْ كَانَ عُنِيَ بِهَا الدُّعَاءُ ، وَغَيْرُ ذَلِكَ مِنَ الْمَعَانِي الَّتِي ذَكَرْنَا .
وَقَدْ دَلَّلْنَا فِي كِتَابِنَا : "كِتَابِ الْبَيَانِ عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ" ، عَلَى أَنْ لَا نَاسِخَ مِنْ آيِ الْقُرْآنِ وَأَخْبَارِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا مَا نَفَى حُكْمًا ثَابِتًا ، وَأُلْزِمَ الْعِبَادُ فَرْضَهُ ، غَيْرَ مُحْتَمِلٍ بِظَاهِرِهِ وَبَاطِنِهِ غَيْرَ ذَلِكَ . فَأَمَّا إِذَا مَا احْتَمَلَ غَيْرَ ذَلِكَ مِنْ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ أَوِ الْخُصُوصِ وَالْعُمُومِ ، أَوِ الْمُجْمَلِ ، أَوِ الْمُفَسَّرِ ، فَمِنَ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ بِمَعْزِلٍ ، بِمَا أَغْنَى عَنْ تَكْرِيرِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، وَلَا مَنْسُوخَ إِلَّا الْمَنْفِيُّ الَّذِي كَانَ قَدْ ثَبَتَ حُكْمُهُ وَفَرْضُهُ .
وَلَمْ يَصِحَّ وَاحِدٌ مِنْ هَذَيْنِ الْمَعْنَيَيْنِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=115فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، بِحُجَّةٍ يَجِبُ التَّسْلِيمُ لَهَا ، فَيُقَالُ فِيهِ : هُوَ نَاسِخٌ أَوْ مَنْسُوخٌ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( فَأَيْنَمَا ) ، فَإِنَّ مَعْنَاهُ : حَيْثُمَا .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( تُوَلُّوا ) فَإِنَّ الَّذِي هُوَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِهِ أَنْ يَكُونَ : تُوَلُّونَ نَحْوَهُ وَإِلَيْهِ ، كَمَا يَقُولُ الْقَائِلُ : "وَلَّيْتُهُ وَجْهِي وَوَلَّيْتُهُ إِلَيْهِ" ، بِمَعْنَى : قَابَلْتُهُ وَوَاجَهْتُهُ . وَإِنَّمَا قُلْنَا ذَلِكَ أَوْلَى بِتَأْوِيلِ الْآيَةِ ، لِإِجْمَاعِ الْحُجَّةِ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ تَأْوِيلُهُ ، وَشُذُوذُ مَنْ تَأَوَّلَهُ بِمَعْنَى : تُوَلُّونَ عَنْهُ فَتَسْتَدْبِرُونَهُ ، فَالَّذِي تَتَوَجَّهُونَ إِلَيْهِ وَجْهُ اللَّهِ ، بِمَعْنَى قِبْلَةُ اللَّهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : ( فَثَمَّ ) فَإِنَّهُ بِمَعْنَى : هُنَالِكَ .
[ ص: 536 ]
وَاخْتُلِفَ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : ( فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) فَقَالَ بَعْضُهُمْ : تَأْوِيلُ ذَلِكَ : فَثَمَّ قِبْلَةُ اللَّهِ ، يَعْنِي بِذَلِكَ وَجْهَهُ الَّذِي وَجَّهَهُمْ إِلَيْهِ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
1848 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنِ
النَّضِرِ بْنِ عَرَبِيٍّ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ : ( فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) قَالَ : قِبْلَةُ اللَّهِ .
1849 - حَدَّثَنَا
الْقَاسِمُ قَالَ : حَدَّثَنَا
الْحُسَيْنُ قَالَ : حَدَّثَنِي
حَجَّاجٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ قَالَ ، أَخْبَرَنِي
إِبْرَاهِيمُ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ ، حَيْثُمَا كُنْتُمْ فَلَكُمْ قِبْلَةٌ تَسْتَقْبِلُونَهَا .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ : ( فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، فَثَمَّ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْلِهِ : ( فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ ) ، فَثَمَّ تُدْرِكُونَ بِالتَّوَجُّهِ إِلَيْهِ رِضَا اللَّهِ الَّذِي لَهُ الْوَجْهُ الْكَرِيمُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : عَنَى بِ "الْوَجْهِ" ذَا الْوَجْهِ . وَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ : وَجْهُ اللَّهِ صِفَةٌ لَهُ .
فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ : وَمَا هَذِهِ الْآيَةُ مِنَ الَّتِي قَبْلَهَا؟
قِيلَ : هِيَ لَهَا مُوَاصِلَةٌ ، وَإِنَّمَا مَعْنَى ذَلِكَ : وَمَنْ أَظْلَمُ مِنَ
النَّصَارَى الَّذِينَ مَنَعُوا عِبَادَ اللَّهِ مَسَاجِدَهُ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ ، وَسَعَوْا فِي خَرَابِهَا ، وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ ، فَأَيْنَمَا تُوَجِّهُوا وُجُوهَكُمْ فَاذْكُرُوهُ ، فَإِنَّ وَجْهَهُ هُنَالِكَ ، يَسَعُكُمْ فَضْلُهُ وَأَرْضُهُ وَبِلَادُهُ ، وَيَعْلَمُ مَا تَعْمَلُونَ ، وَلَا يَمْنَعْكُمْ تَخْرِيبُ مَنْ خَرَّبَ
مَسْجِدَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَمَنْعُهُمْ مَنْ مَنَعُوا مِنْ ذِكْرِ اللَّهِ فِيهِ - أَنْ تَذْكُرُوا اللَّهَ حَيْثُ كُنْتُمْ مِنْ أَرْضِ اللَّهِ ، تَبْتَغُونَ بِهِ وَجْهَهُ .