الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( إن الله يعلم ما يدعون من دونه من شيء وهو العزيز الحكيم ( 42 ) وتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها إلا العالمون ( 43 ) )

اختلف القراء في قراءة قوله : ( إن الله يعلم ما تدعون ) فقرأته عامة قراء الأمصار ( تدعون ) بالتاء بمعنى الخطاب لمشركي قريش ( إن الله ) أيها الناس ، ( يعلم ما تدعون إليه من دونه من شيء ) . وقرأ ذلك أبو عمرو : ( إن الله يعلم ما يدعون ) بالياء بمعنى الخبر عن الأمم ، إن الله يعلم ما يدعوا هؤلاء الذين أهلكناهم من الأمم ( من دونه من شيء ) .

والصواب من القراءة في ذلك عندنا ، قراءة من قرأ بالتاء ؛ لأن ذلك لو كان خبرا عن الأمم الذين ذكر الله أنه أهلكهم ، لكان الكلام : إن الله يعلم ما كانوا يدعون ، لأن القوم في حال نزول هذا الخبر على نبي الله لم يكونوا موجودين ، إذ كانوا قد هلكوا فبادوا ، وإنما يقال : ( إن الله يعلم ما تدعون ) إذا أريد به الخبر عن موجودين ، لا عمن قد هلك .

فتأويل الكلام إذ كان الأمر كما وصفنا : ( إن الله يعلم ) أيها القوم ، حال ما تعبدون ( من دونه من شيء ) ، وأن ذلك لا ينفعكم ولا يضركم ، إن أراد الله بكم سوءا ، ولا يغني عنكم شيئا ، وإن مثله في قلة غنائه عنكم ، مثل بيت العنكبوت في غنائه عنها .

وقوله : ( وهو العزيز الحكيم ) يقول : والله العزيز في انتقامه ممن كفر به وأشرك في عبادته معه غيره فاتقوا أيها المشركون به عقابه بالإيمان به قبل نزوله بكم ، كما نزل بالأمم الذين قص الله قصصهم في هذه السورة عليكم ، فإنه إن نزل بكم عقابه لم تغن عنكم أولياؤكم الذين اتخذتموهم من دونه أولياء ، كما لم يغن عنهم من قبلكم أولياؤهم الذين اتخذوهم من دونه ، " الحكيم " في تدبيره خلقه فمهلك من استوجب الهلاك في الحال التي هلاكه صلاح ، والمؤخر من أخر هلاكه من كفرة خلقه به إلى الحين الذي في هلاكه الصلاح .

وقوله : ( وتلك الأمثال نضربها للناس ) يقول - تعالى ذكره - : وهذه الأمثال ، وهي [ ص: 40 ] الأشباه والنظائر ( نضربها للناس ) يقول : نمثلها ونشبهها ونحتج بها للناس ، كما قال الأعشى :


هل تذكر العهد من تنمص إذ تضرب لي قاعدا بها مثلا



( وما يعقلها إلا العالمون ) يقول - تعالى ذكره - : وما يعقل أنه أصيب بهذه الأمثال التي نضربها للناس منهم الصواب والحق فيما ضربت له مثلا ( إلا العالمون ) بالله وآياته .

التالي السابق


الخدمات العلمية