الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم أفلا يبصرون ( 27 ) )

يقول - تعالى ذكره - : أولم ير هؤلاء المكذبون بالبعث بعد الموت ، والنشر بعد الفناء ، أنا بقدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة التي لا نبات فيها ، وأصله من قولهم : ناقة جرز : إذا كانت تأكل كل شيء ، وكذلك الأرض الجروز : التي لا يبقى على ظهرها شيء إلا أفسدته ، نظير أكل الناقة الجراز كل ما وجدته ، ومنه قولهم للإنسان الأكول : جروز ، كما قال الراجز :


خب جروز وإذا . . . .



ومنه قيل للسيف إذا كان لا يبقي شيئا إلا قطعه : سيف جراز ، فيه لغات أربع : أرض جرز ، وجرز ، وجرز وجرز ، والفتح لبني تميم فيما بلغني . [ ص: 197 ]

وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل .

ذكر من قال ذلك :

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا ابن عيينة ، عن عمرو ، عن ابن عباس ( الأرض الجرز ) أرض باليمن .

حدثنا ابن بشار قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا سفيان بن عيينة ، عن عمرو بن دينار ، عن ابن عباس قال : أرض باليمن .

قال : ثنا عبد الرحمن قال : ثنا عبد الله بن المبارك عن معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ) قال : أبين ونحوها .

حدثني زكريا بن يحيى بن أبي زائدة قال : ثنا عبد الرزاق بن عمر ، عن ابن المبارك قال : أخبرنا معمر ، عن ابن أبي نجيح ، عن مجاهد مثله ، إلا أنه قال : ونحوها من الأرض .

حدثني محمد بن عمرو قال : ثنا أبو عاصم قال : ثنا عيسى ، وحدثني الحارث قال : ثنا الحسن قال : ثنا ورقاء ، جميعا عن ابن أبي نجيح ، عن رجل ، عن ابن عباس في قوله : ( إلى الأرض الجرز ) قال : الجرز : التي لا تمطر إلا مطرا لا يغني عنها شيئا ، إلا ما يأتيها من السيول .

حدثنا ابن وكيع قال : ثنا محمد بن يزيد ، عن جويبر ، عن الضحاك ( إلى الأرض الجرز ) ليس فيها نبت .

حدثنا بشر قال : ثنا يزيد قال : ثنا سعيد ، عن قتادة ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ) المغبرة .

حدثني يونس قال : أخبرنا ابن وهب قال : قال ابن زيد في قوله : ( أولم يروا أنا نسوق الماء إلى الأرض الجرز ) قال : الأرض الجرز : التي ليس فيها شيء ، ليس فيها نبات ، وفي قوله : ( صعيدا جرزا ) قال : ليس عليها شيء ، وليس فيها نبات ولا شيء ( فنخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم وأنفسهم ) يقول - تعالى ذكره - : فنخرج بذلك الماء [ ص: 198 ] الذي نسوقه إليها على يبسها وغلظها وطول عهدها بالماء زرعا خضرا ، تأكل منه مواشيهم ، وتغذى به أبدانهم وأجسامهم فيعيشون به ( أفلا يبصرون ) يقول - تعالى ذكره - : أفلا يرون ذلك بأعينهم ، فيعلموا برؤيتهموه أن القدرة التي بها فعلت ذلك لا يتعذر علي أن أحيي بها الأموات ، وأنشرهم من قبورهم ، وأعيدهم بهيئاتهم التي كانوا بها قبل وفاتهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية