الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
القول في تأويل قوله تعالى : ( واذكر عبدنا أيوب إذ نادى ربه أني مسني الشيطان بنصب وعذاب ( 41 ) اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ( 42 ) )

يقول - تعالى ذكره - لنبيه محمد - صلى الله عليه وسلم - : ( واذكر ) أيضا يا محمد ( عبدنا أيوب إذ نادى ربه ) مستغيثا به فيما نزل به من البلاء : يا رب ( أني مسني الشيطان بنصب ) فاختلفت القراء في قراءة قوله ( بنصب ) فقرأته عامة قراء الأمصار خلا أبي جعفر القارئ : ( بنصب ) بضم النون وسكون الصاد ، وقرأ ذلك أبو جعفر : بضم النون والصاد كليهما ، وقد حكي عنه بفتح النون والصاد ، والنصب والنصب بمنزلة الحزن والحزن ، والعدم والعدم ، والرشد والرشد ، والصلب والصلب . وكان الفراء يقول : إذا ضم أوله لم يثقل ، لأنهم جعلوهما على سمتين : إذا فتحوا أوله ثقلوا ، وإذا ضموا أوله خففوا . قال : وأنشدني بعض العرب :


لئن بعثت أم الحميدين مائرا لقد غنيت في غير بؤس ولا جحد

[ ص: 210 ] من قولهم : جحد عيشه : إذا ضاق واشتد قال : فلما قال جحد ؛ خفف .

وقال بعض أهل العلم بكلام العرب من البصريين : النصب من العذاب . وقال : العرب تقول : أنصبني : عذبني وبرح بي . قال : وبعضهم يقول : نصبني ، واستشهد لقيله ذلك بقول بشر بن أبي خازم :


تعناك نصب من أميمة منصب     كذي الشجو لما يسله وسيذهب



وقال : يعني بالنصب : البلاء والشر ، ومنه قول نابغة بني ذبيان :


كليني لهم يا أميمة ناصب     وليل أقاسيه بطيء الكواكب



حدثني بشر بن آدم قال : ثنا أبو قتيبة قال : ثنا أبو هلال قال : سمعت الحسن في قول الله : ( اركض برجلك ) فركض برجله ، فنبعت عين فاغتسل منها ، ثم مشى نحوا من أربعين ذراعا ، ثم ركض برجله ، فنبعت عين ، فشرب منها ، فذلك قوله ( اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب )

وعنى بقوله ( مغتسل ) : ما يغتسل به من الماء ، يقال منه : هذا مغتسل ، وغسول للذي يغتسل به من الماء . وقوله ( وشراب ) يعني : ويشرب منه ، والموضع [ ص: 211 ] الذي يغتسل فيه يسمى مغتسلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية