الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        6167 حدثني عبد العزيز بن عبد الله قال حدثني سليمان عن ثور بن زيد عن أبي الغيث عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يعرق الناس يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم حتى يبلغ آذانهم

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        " 9761 قوله حدثني سليمان هو ابن بلال والسند كله مدنيون

                                                                                                                                                                                                        قوله يعرق الناس بفتح الراء وهي مكسورة في الماضي

                                                                                                                                                                                                        قوله يوم القيامة حتى يذهب عرقهم في الأرض سبعين ذراعا ويلجمهم العرق حتى يبلغ آذانهم في رواية الإسماعيلي من طريق ابن وهب عن سليمان بن بلال " سبعين باعا " وفي رواية مسلم من طريق الدراوردي عن ثور وإنه ليبلغ إلى أفواه الناس أو إلى آذانهم شك ثور وجاء عن عبد الله بن عمرو بن العاص أن الذي [ ص: 402 ] يلجمه العرق الكافر أخرجه البيهقي في البعث بسند حسن عنه قال يشتد كرب ذلك اليوم حتى يلجم الكافر العرق قيل له فأين المؤمنون ؟ قال على الكراسي من ذهب ويظلل عليهم الغمام وبسند قوي عن أبي موسى قال " الشمس فوق رءوس الناس يوم القيامة وأعمالهم تظلهم وأخرج ابن المبارك في الزهد وابن أبي شيبة في المصنف واللفظ له بسند جيد عن سلمان قال " تعطى الشمس يوم القيامة حر عشر سنين ثم تدنى من جماجم الناس حتى تكون قاب قوسين فيعرقون حتى يرشح العرق في الأرض قامة ثم ترتفع حتى يغرغر الرجل زاد ابن المبارك في روايته " ولا يضر حرها يومئذ مؤمنا ولا مؤمنة قال القرطبي : المراد من يكون كامل الإيمان لما يدل عليه حديث المقداد وغيره أنهم يتفاوتون في ذلك بحسب أعمالهم وفي حديث ابن مسعود عند الطبراني والبيهقي إن الرجل ليفيض عرقا حتى يسيح في الأرض قامة ثم يرتفع حتى يبلغ أنفه وفي رواية عنه عند أبي يعلى وصححها ابن حبان " إن الرجل ليلجمه العرق يوم القيامة حتى يقول يا رب أرحني ولو إلى النار وللحاكم والبزار من حديث جابر نحوه وهو كالصريح في أن ذلك كله في الموقف وقد ورد أن التفصيل الذي في حديث عقبة والمقداد يقع مثله لمن يدخل النار فأخرج مسلم أيضا من حديث سمرة رفعه إن منهم من تأخذه النار إلى ركبتيه ومنهم من تأخذه إلى حجزته وفي رواية إلى حقويه ومنهم من تأخذه إلى عنقه وهذا يحتمل أن يكون النار فيه مجازا عن شدة الكرب الناشئ عن العرق فيتحد الموردان ويمكن أن يكون ورد في حق من يدخل النار من الموحدين فإن أحوالهم في التعذيب تختلف بحسب أعمالهم وأما الكفار فإنهم في الغمرات

                                                                                                                                                                                                        قال الشيخ أبو محمد بن أبي جمرة : ظاهر الحديث تعميم الناس بذلك ولكن دلت الأحاديث الأخرى على أنه مخصوص بالبعض وهم الأكثر ويستثنى الأنبياء والشهداء ومن شاء الله فأشدهم في العرق الكفار ثم أصحاب الكبائر ثم من بعدهم والمسلمون منهم قليل بالنسبة إلى الكفار كما تقدم تقريره في حديث بعث النار قال والظاهر أن المراد بالذراع في الحديث المتعارف وقيل هو الذراع الملكي ومن تأمل الحالة المذكورة عرف عظم الهول فيها وذلك أن النار تحف بأرض الموقف وتدنى الشمس من الرءوس قدر ميل فكيف تكون حرارة تلك الأرض وماذا يرويها من العرق حتى يبلغ منها سبعين ذراعا مع أن كل واحد لا يجد إلا قدر موضع قدمه فكيف تكون حالة هؤلاء في عرقهم مع تنوعهم فيه إن هذا لمما يبهر العقول ويدل على عظيم القدرة ويقتضي الإيمان بأمور الآخرة أن ليس للعقل فيها مجال ولا يعترض عليها بعقل ولا قياس ولا عادة وإنما يؤخذ بالقبول ويدخل تحت الإيمان بالغيب ومن توقف في ذلك دل على خسرانه وحرمانه وفائدة الإخبار بذلك أن يتنبه السامع فيأخذ في الأسباب التي تخلصه من تلك الأهوال ويبادر إلى التوبة من التبعات ويلجأ إلى الكريم الوهاب في عونه على أسباب السلامة ويتضرع إليه في سلامته من دار الهوان وإدخاله دار الكرامة بمنه وكرمه




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية