الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        1335 حدثنا أبو اليمان الحكم بن نافع أخبرنا شعيب بن أبي حمزة عن الزهري حدثنا عبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود أن أبا هريرة رضي الله عنه قال لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر رضي الله عنه وكفر من كفر من العرب فقال عمر رضي الله عنه كيف تقاتل الناس وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله فقال والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة فإن الزكاة حق المال والله لو منعوني عناقا كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها قال عمر رضي الله عنه فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه فعرفت أنه الحق

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        وأما حديث أبي هريرة في قصة أبي بكر في قتال مانعي الزكاة فقد تقدم الكلام عليه في شرح حديث ابن عمر في باب قوله : فإن تابوا وأقاموا الصلاة ويأتي الكلام على بقية ما يختص به في كتاب أحكام المرتدين ، إن شاء الله . وقوله في هذه الرواية : ( لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان أبو بكر ) " كان " تامة بمعنى حصل ، والمراد به : قام مقامه .

                                                                                                                                                                                                        ( تكميل ) : اختلف في أول وقت فرض الزكاة ، فذهب الأكثر إلى أنه وقع بعد الهجرة ، فقيل : كان في السنة الثانية قبل فرض رمضان ، أشار إليه النووي في باب السير من الروضة ، وجزم ابن الأثير في التاريخ بأن ذلك كان في التاسعة ، وفيه نظر ، فقد تقدم في حديث ضمام بن ثعلبة ، وفي حديث وفد عبد القيس وفي عدة أحاديث ذكر الزكاة ، وكذا مخاطبة أبي سفيان مع هرقل وكانت في أول السابعة ، وقال فيها : " يأمرنا بالزكاة " . لكن يمكن تأويل كل ذلك كما سيأتي في آخر الكلام . وقوى بعضهم ما ذهب إليه ابن الأثير بما وقع في قصة ثعلبة بن حاطب المطولة ففيها : لما أنزلت آية الصدقة بعث النبي صلى الله عليه وسلم عاملا ، فقال : ما هذه إلا جزية أو أخت الجزية . والجزية إنما وجبت في التاسعة فتكون الزكاة في التاسعة ، لكنه حديث ضعيف لا يحتج به . وادعى ابن خزيمة في صحيحه أن فرضها كان قبل الهجرة ، واحتج بما أخرجه من حديث أم سلمة في قصة هجرتهم إلى الحبشة ، وفيها أن جعفر بن أبي طالب قال للنجاشي في جملة ما أخبره به عن النبي صلى الله عليه وسلم : ويأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . انتهى ، وفي استدلاله بذلك نظر ، لأن الصلوات الخمس لم تكن فرضت بعد ، ولا صيام رمضان ، فيحتمل أن تكون مراجعة جعفر لم تكن في أول ما قدم على النجاشي ، وإنما أخبره بذلك بعد مدة قد وقع فيها ما ذكر من قصة الصلاة والصيام ، وبلغ ذلك جعفرا ، فقال : " يأمرنا " . بمعنى يأمر به أمته ، وهو بعيد جدا ، وأولى ما حمل عليه حديث أم سلمة هذا - إن سلم من قدح في إسناده - أن المراد بقوله : يأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام . أي في الجملة ، ولا يلزم من ذلك أن يكون المراد بالصلاة الصلوات الخمس ، ولا بالصيام صيام رمضان ، ولا بالزكاة هذه الزكاة المخصوصة ذات النصاب والحول ، والله أعلم . ومما يدل على أن فرض الزكاة كان قبل التاسعة حديث أنس المتقدم في العلم في قصة ضمام بن ثعلبة وقوله : أنشدك الله . آلله أمرك أن تأخذ هذه الصدقة من أغنيائنا فتقسمها على فقرائنا . وكان قدوم ضمام سنة خمس ، كما تقدم . وإنما الذي وقع في التاسعة بعث العمال لأخذ الصدقات ، وذلك يستدعي تقدم فريضة الزكاة قبل ذلك . ومما يدل على أن فرض الزكاة وقع بعد الهجرة اتفاقهم على أن صيام رمضان إنما فرض بعد الهجرة ، لأن الآية الدالة على فرضيته مدنية بلا خلاف ، وثبت عند أحمد وابن خزيمة أيضا والنسائي ، وابن ماجه ، والحاكم من حديث قيس بن سعد بن عبادة ، قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بصدقة الفطر قبل أن تنزل الزكاة ، ثم نزلت فريضة الزكاة فلم يأمرنا ولم ينهنا ونحن نفعله . إسناده صحيح ورجاله رجال الصحيح إلا أبا عمار الراوي له عن قيس بن سعد ، وهو كوفي اسمه عريب - بالمهملة [ ص: 314 ] المفتوحة - ابن حميد ، وقد وثقه أحمد ، وابن معين ، وهو دال على أن فرض صدقة الفطر كان قبل فرض الزكاة ، فيقتضي وقوعها بعد فرض رمضان ، وذلك بعد الهجرة ، وهو المطلوب . ووقع في " تاريخ الإسلام " : في السنة الأولى فرضت الزكاة ، وقد أخرج البيهقي في الدلائل حديث أم سلمة المذكور من طريق " المغازي لابن إسحاق " من رواية يونس بن بكير عنه ، وليس فيه ذكر الزكاة ، وابن خزيمة أخرجه من حديث ابن إسحاق لكن من طريق سلمة بن الفضل عنه ، وفي سلمة مقال . والله أعلم .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية