الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        2730 حدثنا يحيى بن يوسف أخبرنا أبو بكر يعني ابن عياش عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعس عبد الدينار والدرهم والقطيفة والخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط لم يرض لم يرفعه إسرائيل ومحمد بن جحادة عن أبي حصين وزادنا عمرو قال أخبرنا عبد الرحمن بن عبد الله بن دينار عن أبيه عن أبي صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال تعس عبد الدينار وعبد الدرهم وعبد الخميصة إن أعطي رضي وإن لم يعط سخط تعس وانتكس وإذا شيك فلا انتقش طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه في سبيل الله أشعث رأسه مغبرة قدماه إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع وقال فتعسا كأنه يقول فأتعسهم الله طوبى فعلى من كل شيء طيب وهي ياء حولت إلى الواو وهي من يطيب

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        ثانيهما عن أبي هريرة : قوله : ( وزاد لنا عمرو ) ابن مرزوق هكذا ، وعمرو هو من شيوخ البخاري وقد صرح بسماعه منه في مواضع أخرى ، وجميع الإسناد سواء مدنيون ، وفيه تابعيان عبد الله بن دينار وأبو صالح ، والمراد بالزيادة قوله في آخره " تعس وانتكس إلخ " وقد وصله أبو نعيم من طريق أبي مسلم الكجي وغيره عن عمرو بن مرزوق وسيأتي مزيدا لهذا في التمني إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تعس عبد الدينار ) الحديث سيأتي بهذا الإسناد والمتن في كتاب الرقاق ونذكر شرحه هناك إن شاء الله تعالى ، والغرض منه هنا قوله في الطريق الثانية " طوبى لعبد آخذ بعنان فرسه " الحديث لقوله " إن كان في الحراسة كان في الحراسة " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( تعس ) بفتح أوله وكسر المهملة ويجوز فتحها وهو ضد سعد ، تقول تعس فلان أي شقي ، وقيل معنى التعس الكب على الوجه ، قال الخليل : التعس أن يعثر فلا يفيق من عثرته ، وقيل التعس الشر ، وقيل البعد ، وقيل الهلاك ، وقيل التعس أن يخر على وجهه والنكس أن يخر على رأسه ، وقيل تعس أخطأ حجته وبغيته .

                                                                                                                                                                                                        وقوله " وانتكس " بالمهملة أي عاوده المرض ، وقيل إذا سقط اشتغل بسقطته حتى يسقط أخرى . وحكى عياض أن بعضهم رواه " انتكش ، بالمعجمة وفسره بالرجوع ، وجعله دعاء له لا عليه والأول أولى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( وإذا شيك فلا انتقش ) شيك : بكسر المعجمة وسكون التحتانية بعدها كاف ، وانتقش : بالقاف والمعجمة ، والمعنى إذا أصابته الشوكة فلا وجد من يخرجها منه بالمنقاش ، تقول نقشت الشوك إذا استخرجته ، وذكر ابن قتيبة أن بعضهم رواه بالعين المهملة بدل القاف ، ومعناه صحيح لكن مع ذكر الشوكة تقوى رواية القاف . ووقع في رواية الأصيلي عن أبي زيد المروزي " وإذا شيت " بمثناة فوقانية بدل الكاف وهو تغيير فاحش ، وفي الدعاء بذلك إشارة إلى عكس مقصوده لأن من عثر فدخلت في رجله الشوكة فلم يجد من يخرجها يصير عاجزا عن الحركة والسعي في تحصيل الدنيا . وفي قوله : طوبى لعبد إلخ " إشارة إلى الحض على العمل بما يحصل به خير الدنيا والآخرة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( أشعث ) صفة لعبد وهو مجرور بالفتحة لعدم الصرف و " رأسه " بالرفع الفاعل ، قال الطيبي " أشعث رأسه مغبرة قدماه " حالان من قوله " لعبد " لأنه موصوف . وقال الكرماني : يجوز الرفع ولم يوجهه ، وقال غيره : ويجوز في أشعث الرفع على أنه صفة رأس ، أي رأسه أشعث ، وكذا قوله : مغبرة قدماه " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( إن كان في الحراسة كان في الحراسة ، وإن كان في الساقة كان في الساقة ) هذا من المواضع التي اتحد فيها الشرط والجزاء لفظا لكن المعنى مختلف ، والتقدير إن كان المهم في الحراسة كان فيها ، وقيل معنى " فهو في الحراسة " أي فهو في ثواب الحراسة ، وقيل هو للتعظيم أي إن كان في الحراسة فهو في أمر عظيم ، والمراد منه لازمه أي فعليه أن يأتي بلوازمه ويكون مشتغلا بخويصة عمله . وقال ابن الجوزي : المعنى أنه خامل الذكر لا يقصد السمو ، فإن اتفق له السير سار ; فكأنه قال : إن كان في الحراسة استمر فيها ، وإن كان في الساقة استمر فيها .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 98 ] قوله : ( إن استأذن لم يؤذن له وإن شفع لم يشفع ) فيه ترك حب الرياسة والشهرة وفضل الخمول والتواضع ، وسيأتي مزيد لذلك في كتاب الرقاق إن شاء الله تعالى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فتعسا ، كأنه يقول فأتعسهم الله ) وقع هذا في رواية المستملي ، وهي على عادة البخاري في شرح اللفظة التي توافق ما في القرآن بتفسيرها ، وهكذا قال أهل التفسير في قوله تعالى والذين كفروا فتعسا لهم .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( طوبى فعلى من كل شيء طيب ، وهي ياء حولت إلى الواو وهو من يطيب ) كذا في رواية المستملي أيضا والقول فيه كالقول في الذي قبله ، وقال غيره : المراد الدعاء له بالجنة ، لأن طوبى أشهر شجرها وأطيبه ، فدعا له أن ينالها ، ودخول الجنة ملزوم نيلها .

                                                                                                                                                                                                        ( تكميل ) :

                                                                                                                                                                                                        ورد في فضل الحراسة عدة أحاديث ليست على شرط البخاري ، منها حديث عثمان مرفوعا حرس ليلة في سبيل الله خير من ألف ليلة يقام ليلها ويصام نهارها أخرجه ابن ماجه والحاكم ، وحديث سهل بن معاذ عن أبيه مرفوعا من حرس وراء المسلمين متطوعا لم ير النار بعينه إلا تحلة القسم أخرجه أحمد ، وحديث أبي ريحانة مرفوعا حرمت النار على عين سهرت في سبيل الله أخرجه النسائي ، ونحوه للترمذي عن ابن عباس ، وللطبراني من حديث معاوية بن حيدة ، ولأبي يعلى من حديث أنس وإسنادها حسن ، وللحاكم عن أبي هريرة نحوه .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية