الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                        صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                        4298 حدثنا عبد العزيز بن عبد الله حدثنا إبراهيم بن سعد عن صالح بن كيسان عن ابن شهاب قال أخبرني عروة بن الزبير أنه سأل عائشة عن قول الله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فقالت يا ابن أختي هذه اليتيمة تكون في حجر وليها تشركه في ماله ويعجبه مالها وجمالها فيريد وليها أن يتزوجها بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره فنهوا عن أن ينكحوهن إلا أن يقسطوا لهن ويبلغوا لهن أعلى سنتهن في الصداق فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن قال عروة قالت عائشة وإن الناس استفتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد هذه الآية فأنزل الله ويستفتونك في النساء قالت عائشة وقول الله تعالى في آية أخرى وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم عن يتيمته حين تكون قليلة المال والجمال قالت فنهوا أن ينكحوا عن من رغبوا في ماله وجماله في يتامى النساء إلا بالقسط من أجل رغبتهم عنهن إذا كن قليلات المال والجمال

                                                                                                                                                                                                        التالي السابق


                                                                                                                                                                                                        قوله : ( اليتيمة ) أي التي مات أبوها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( في حجر وليها ) أي الذي يلي مالها .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بغير أن يقسط في صداقها ) في النكاح من رواية عقيل عن ابن شهاب " ويريد أن ينتقص من صداقها " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فيعطيها مثل ما يعطيها غيره ) هو معطوف على معمول بغير أي يريد أن يتزوجها بغير أن يعطيها مثل ما يعطيها غيره ، أي ممن يرغب في نكاحها سواه ، ويدل على هذا قوله بعد ذلك " فنهوا عن ذلك إلا أن يبلغوا بهن أعلى سنتهن في الصداق " وقد تقدم في الشركة من رواية يونس عن ابن شهاب بلفظ " بغير أن يقسط في صداقها فيعطيها مثل ما يعطيها غيره " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأمروا أن ينكحوا ما طاب لهم من النساء سواهن ) أي بأي مهر توافقوا عليه ، وتأويل عائشة هذا جاء عن ابن عباس مثله أخرجه الطبري ، وعن مجاهد مناسبة ترتب قوله : فانكحوا ما طاب لكم من النساء على قوله : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى شيء آخر ، قال في معنى قوله تعالى وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى أي إذا كنتم تخافون أن لا تعدلوا في مال اليتامى فتحرجتم أن لا تلوها فتحرجوا من الزنا وانكحوا ما طاب لكم من النساء ، وعلى تأويل عائشة يكون المعنى وإن خفتم أن لا تقسطوا في نكاح اليتامى .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( قال عروة قالت عائشة ) هو معطوف على الإسناد المذكور وإن كان بغير أداة عطف ، وفي رواية عقيل وشعيب المذكورين " قالت عائشة فاستفتى الناس " إلخ .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( بعد هذه الآية ) أي بعد نزول هذه الآية بهذه القصة ، وفي رواية عقيل " بعد ذلك " .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فأنزل الله ويستفتونك في النساء قالت عائشة وقول الله تعالى في آية أخرى وترغبون أن تنكحوهن ) كذا وقع في رواية صالح وليس ذلك في آية أخرى وإنما هو في نفس الآية وهي قوله ويستفتونك في النساء ووقع في رواية شعيب وعقيل " فأنزل الله تعالى ويستفتونك في النساء - إلى قوله - وترغبون أن تنكحوهن ثم ظهر لي أنه سقط من رواية البخاري شيء اقتضى هذا الخطأ ، ففي صحيح مسلم والإسماعيلي والنسائي واللفظ له من طريق يعقوب بن إبراهيم بن سعد عن أبيه بهذا الإسناد في هذا الموضع " فأنزل الله ويستفتونك في النساء قل الله يفتيكم فيهن وما يتلى عليكم في الكتاب في يتامى النساء اللاتي لا تؤتونهن ما كتب لهن وترغبون أن تنكحوهن فذكر الله أن يتلى عليكم في الكتاب الآية الأولى وهي قوله : وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء قالت عائشة : وقول الله في الآية الأخرى وترغبون أن تنكحوهن رغبة أحدكم إلخ كذا أخرجه مسلم من طريق يونس عن ابن شهاب ، وتقدم للمصنف أيضا في الشركة من طريق يونس عن ابن شهاب مقرونا بطريق صالح بن كيسان المذكورة هنا ، فوضح بهذا في رواية صالح أن في الباب اختصارا ، وقد تكلف له بعض الشراح فقال : معنى قوله " في آية أخرى " أي بعد قوله : ( وإن خفتم ) وما أوردناه أوضح والله أعلم .

                                                                                                                                                                                                        [ ص: 89 ] ( تنبيه ) :

                                                                                                                                                                                                        أغفل المزي في الأطراف عزو هذه الطريق أي طريق صالح عن ابن شهاب إلى كتاب التفسير واقتصر على عزوها إلى كتاب الشركة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : وترغبون أن تنكحوهن ، رغبة أحدكم عن يتيمته ) فيه تعيين أحد الاحتمالين في قوله : ( وترغبون ) لأن رغب يتغير معناه بمتعلقه يقال رغب فيه إذا أراده ورغب عنه إذا لم يرده ، لأنه يحتمل أن تحذف في وأن تحذف عن ، وقد تأوله سعيد بن جبير على المعنيين فقال : نزلت في الغنية والمعدمة ، والمروي هنا عن عائشة أوضح في أن الآية الأولى نزلت في الغنية ، وهذه الآية نزلت في المعدمة .

                                                                                                                                                                                                        قوله : ( فنهوا ) أي نهوا عن نكاح المرغوب فيها لجمالها ومالها لأجل زهدهم فيها إذا كانت قليلة المال والجمال ، فينبغي أن يكون نكاح اليتيمتين على السواء في العدل ، وفي الحديث اعتبار مهر المثل في المحجورات وأن غيرهن يجوز نكاحها بدون ذلك ، وفيه أن للولي أن يتزوج من هي تحت حجره لكن يكون العاقد غيره ، وسيأتي البحث فيه في النكاح ، وفيه جواز تزويج اليتامى قبل البلوغ ; لأنهن بعد البلوغ لا يقال لهن يتيمات إلا أن يكون أطلق استصحابا لحالهن ، وسيأتي البحث فيه أيضا في كتاب النكاح .




                                                                                                                                                                                                        الخدمات العلمية