الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                465 حدثني محمد بن عباد حدثنا سفيان عن عمرو عن جابر قال كان معاذ يصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ثم يأتي فيؤم قومه فصلى ليلة مع النبي صلى الله عليه وسلم العشاء ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف فقالوا له أنافقت يا فلان قال لا والله ولآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأخبرنه فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله إنا أصحاب نواضح نعمل بالنهار وإن معاذا صلى معك العشاء ثم أتى فافتتح بسورة البقرة فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم على معاذ فقال يا معاذ أفتان أنت اقرأ بكذا واقرأ بكذا قال سفيان فقلت لعمرو إن أبا الزبير حدثنا عن جابر أنه قال اقرأ والشمس وضحاها والضحى والليل إذا يغشى وسبح اسم ربك الأعلى فقال عمرو نحو هذا

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                باب القراءة في العشاء [ ص: 135 ] [ ص: 136 ] فيه حديث البراء بن عازب : ( أن معاذا - رضي الله عنه - كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ثم يأتي فيؤم قومه ، فصلى ليلة مع النبي - صلى الله عليه وسلم - العشاء ، ثم أتى قومه فأمهم فافتتح بسورة البقرة ، فانحرف رجل فسلم ثم صلى وحده وانصرف ، فقالوا أنافقت؟ . . . إلى آخره ) في هذا الحديث جواز صلاة المفترض خلف المتنفل لأن معاذا كان يصلي الفريضة مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسقط فرضه ، ثم يصلي مرة ثانية بقومه هي له تطوع لهم فريضة ، وقد جاء هكذا مصرحا به في غير مسلم ، وهذا جائز عند الشافعي - رحمه الله تعالى - وآخرين ، ولم يجزه ربيعة ومالك ، وأبو حنيفة - رضي الله عنهم - ، والكوفيون ، وتأولوا حديث معاذ - رضي الله عنه - على أنه كان يصلي مع النبي - صلى الله عليه وسلم - تنفلا ، ومنهم من تأوله على أنه لم يعلم به النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ومنهم من قال : حديث معاذ كان في أول الأمر ثم نسخ ، وكل هذه التأويلات دعاوى لا أصل لها فلا يترك ظاهر الحديث بها .

                                                                                                                واستدل أصحابنا وغيرهم بهذا الحديث على أنه يجوز للمأموم أن يقطع القدوة ويتم صلاته منفردا وإن لم يخرج منها ، وفي هذه المسألة ثلاثة أوجه لأصحابنا : أصحها أنه يجوز لعذر ولغير عذر ، والثاني لا يجوز مطلقا ، والثالث يجوز لعذر ولا يجوز لغيره ، وعلى هذا : العذر هو ما يسقط به عنه الجماعة ابتداء ويعذر في التخلف عنها بسببه ، وتطويل القراءة عذر على الأصح لقصة معاذ رضي الله عنه ، وهذا الاستدلال ضعيف لأنه ليس في الحديث أنه فارقه وبنى على صلاته ، بل في الرواية الأولى أنه سلم وقطع الصلاة من أصلها ، ثم استأنفها ، وهذا لا دليل فيه للمسألة المذكورة ، وإنما يدل على جواز قطع الصلاة وإبطالها لعذر . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فافتتح بسورة البقرة ) فيه جواز قول سورة البقرة وسورة النساء وسورة المائدة ونحوها ومنعه بعض السلف وزعم أنه لا يقال إلا السورة التي يذكر فيها البقرة ونحو هذا ، وهذا خطأ صريح ، والصواب جوازه ، فقد ثبت ذلك في الصحيح في أحاديث كثيرة من كلام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وكلام الصحابة والتابعين وغيرهم ، ويقال : سورة بلا همزة وبالهمزة لغتان ذكرهما ابن قتيبة وغيره ، وترك الهمزة هنا هو المشهور الذي جاء به القرآن العزيز ، ويقال : قرأت السورة ، وقرأت بالسورة ، وافتتحتها ، وافتتحت بها .

                                                                                                                [ ص: 137 ] قوله : ( إنا أصحاب نواضح ) هي الإبل التي يستقى عليها جمع ناضح ، وأراد إنا أصحاب عمل وتعب ، فلا نستطيع تطويل الصلاة .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( أفتان أنت يا معاذ ) أي منفر عن الدين وصاد عنه . ففيه الإنكار على من ارتكب ما ينهى عنه وإن كان مكروها غير محرم . وفيه جواز الاكتفاء في التعزير بالكلام . وفيه الأمر بتخفيف الصلاة والتعزير على إطالتها إذا لم يرض المأمومون .




                                                                                                                الخدمات العلمية