الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                صفحة جزء
                                                                                                                50 حدثني عمرو الناقد وأبو بكر بن النضر وعبد بن حميد واللفظ لعبد قالوا حدثنا يعقوب بن إبراهيم بن سعد قال حدثني أبي عن صالح بن كيسان عن الحارث عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور عن أبي رافع عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل قال أبو رافع فحدثت عبد الله بن عمر فأنكره علي فقدم ابن مسعود فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر يعوده فانطلقت معه فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع وحدثنيه أبو بكر بن إسحق بن محمد أخبرنا ابن أبي مريم حدثنا عبد العزيز بن محمد قال أخبرني الحارث بن الفضيل الخطمي عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور بن مخرمة عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ما كان من نبي إلا وقد كان له حواريون يهتدون بهديه ويستنون بسنته مثل حديث صالح ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه

                                                                                                                التالي السابق


                                                                                                                قوله : ( عن صالح بن كيسان عن الحارث عن جعفر بن عبد الله بن الحكم عن عبد الرحمن بن المسور عن أبي رافع عن عبد الله بن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : ما من نبي بعثه [ ص: 221 ] الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ، ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما لا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل قال أبو رافع : فحدثت عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما فأنكره علي ، فقدم ابن مسعود - رضي الله عنه - فنزل بقناة فاستتبعني إليه عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما يعوده ، فانطلقت معه ، فلما جلسنا سألت ابن مسعود عن هذا الحديث فحدثنيه كما حدثته ابن عمر . قال صالح : وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع )

                                                                                                                أما ( الحارث ) فهو ابن فضيل الأنصاري الخطمي أبو عبد الله المدني روى عن عبد الرحمن بن أبي قراد الصحابي . قال يحيى بن معين : هو ثقة .

                                                                                                                وأما ( أبو رافع ) فهو مولى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - والأصح أن اسمه أسلم ، وقيل : إبراهيم ، وقيل : هرمز ، وقيل : ثابت ، وقيل : يزيد ، وهو غريب حكاه ابن الجوزي في كتابه ( جامع المسانيد ) وفي هذا الإسناد طريفة وهو أنه اجتمع فيه أربعة تابعيون يروي بعضهم عن بعض : صالح ، والحارث ، وجعفر ، وعبد الرحمن . وقد تقدم نظير هذا . وقد جمعت فيه بحمد الله تعالى جزءا مشتملا على أحاديث رباعيات : منها أربعة صحابيون بعضهم عن بعض ، وأربعة تابعيون بعضهم عن بعض .

                                                                                                                وأما قوله : ( قال صالح وقد تحدث بنحو ذلك عن أبي رافع ) فهو بضم التاء والحاء . قال القاضي عياض - رحمه الله - : معنى هذا أن صالح بن كيسان قال : إن هذا الحديث روي عن أبي رافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من غير ذكر ابن مسعود فيه . وقد ذكره البخاري كذلك في تاريخه مختصرا عن أبي رافع عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وقد قال أبو علي الجياني عن أحمد بن حنبل - رحمه الله - قال : هذا الحديث غير محفوظ . قال : وهذا الكلام لا يشبه كلام ابن مسعود . وابن مسعود يقول : اصبروا حتى تلقوني . هذا كلام القاضي - رحمه الله - وقال الشيخ أبو عمرو : وهذا الحديث قد أنكره أحمد بن حنبل - رحمه الله - . وقد روى عن الحارث هذا جماعة من الثقات ، ولم نجد له ذكرا في كتب الضعفاء . وفي كتاب ابن أبي [ ص: 222 ] حاتم عن يحيى بن معين أنه ثقة . ثم إن الحارث لم ينفرد به بل توبع عليه على ما أشعر به كلام صالح بن كيسان المذكور . وذكر الإمام الدارقطني - رحمه الله - في كتاب " العلل " أن هذا الحديث قد روي من وجوه أخر : منها عن أبي واقد الليثي عن ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه وسلم - .

                                                                                                                وأما قوله : ( اصبروا حتى تلقوني ) فذلك حيث يلزم من ذلك سفك الدماء أو إثارة الفتن أو نحو ذلك . وما ورد في هذا الحديث من الحث على جهاد المبطلين باليد واللسان فذلك حيث لا يلزم منه إثارة فتنة . على أن هذا الحديث مسوق فيمن سبق من الأمم وليس في لفظه ذكر لهذه الأمة . هذا آخر كلام الشيخ أبي عمرو ، وهو ظاهر كما قال . وقدح الإمام أحمد - رحمه الله - في هذا بهذا عجب . والله أعلم .

                                                                                                                وأما الحواريون المذكورون فاختلف فيهم فقال الأزهري وغيره هم خلصان الأنبياء وأصفياؤهم . والخلصان الذين نقوا من كل عيب . وقال غيرهم . أنصارهم . وقيل : المجاهدون . وقيل : الذين يصلحون للخلافة بعدهم .

                                                                                                                قوله - صلى الله عليه وسلم - : ( ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف ) الضمير في ( إنها ) هو الذي يسميه النحويون ضمير القصة والشأن ، ومعنى ( تخلف ) تحدث وهو بضم اللام . وأما ( الخلوف ) فبضم الخاء وهو جمع خلف بإسكان اللام وهو الخالف بشر . وأما بفتح اللام فهو الخالف بخير . هذا هو الأشهر . وقال جماعة وجماعات من أهل اللغة منهم أبو زيد يقال : كل واحد منهما بالفتح والإسكان . ومنهم من جوز الفتح في الشر ولم يجوز الإسكان في الخير . والله أعلم .

                                                                                                                قوله : ( فنزل بقناة ) هكذا هو في بعض الأصول المحققة ( بقناة ) بالقاف المفتوحة وآخره تاء التأنيث . وهو غير مصروف للعلمية والتأنيث . وهكذا ذكره أبو عبد الله الحميدي في الجمع بين الصحيحين . ووقع في أكثر الأصول ولمعظم رواة كتاب مسلم ( بفنائه ) بالفاء المكسورة وبالمد وآخره هاء الضمير قبلها همزة . ( والفناء ) ما بين أيدي المنازل والدور . وكذا رواه أبو عوانة الإسفراييني . قال القاضي عياض - رحمه الله - : في رواية السمرقندي ( بقناة ) وهو الصواب . وقناة واد من أودية المدينة عليه مال من أموالها قال : ورواية الجمهور : ( بفنائه ) ، وهو خطأ وتصحيف .

                                                                                                                وقوله - صلى الله عليه وسلم - : ( يهتدون بهديه ) هو بفتح الهاء وإسكان الدال أي بطريقته وسمته .

                                                                                                                قول مسلم - رحمه الله - : ( ولم يذكر قدوم ابن مسعود واجتماع ابن عمر معه ) هذا مما أنكره الحريري في كتابه ( درة الغواص ) فقال : لا يقال اجتمع فلان مع فلان ، وإنما يقال اجتمع فلان [ ص: 223 ] وفلان . وقد خالفه الجوهري فقال في ( صحاحه ) : جامعه على كذا أي اجتمع معه .




                                                                                                                الخدمات العلمية