الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
1628 حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17342يحيى بن يحيى التميمي أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=12374إبراهيم بن سعد عن nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب عن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد عن nindex.php?page=showalam&ids=37أبيه قال nindex.php?page=hadith&LINKID=660084عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع من وجع أشفيت منه على الموت فقلت يا رسول الله بلغني ما ترى من الوجع وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي واحدة أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت أفأتصدق بشطره قال nindex.php?page=treesubj&link=14287_30483_31022_31108_29393_33175_14249_28276_30502_30510_18376_14255_27961_33615لا الثلث والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله إلا أجرت بها حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك قال قلت يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله إلا ازددت به درجة ورفعة ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم لكن البائس سعد بن خولة قال رثى له رسول الله صلى الله عليه وسلم من أن توفي بمكة حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة بن سعيد nindex.php?page=showalam&ids=12508وأبو بكر بن أبي شيبة قالا حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة ح وحدثني nindex.php?page=showalam&ids=12752أبو الطاهر nindex.php?page=showalam&ids=15708وحرملة قالا أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أخبرني nindex.php?page=showalam&ids=17423يونس ح وحدثنا nindex.php?page=showalam&ids=12418إسحق بن إبراهيم nindex.php?page=showalam&ids=16298وعبد بن حميد قالا أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق أخبرنا nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر كلهم عن nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري بهذا الإسناد نحوه وحدثني nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحق بن منصور حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=14147أبو داود الحفري عن nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان عن nindex.php?page=showalam&ids=15975سعد بن إبراهيم عن nindex.php?page=showalam&ids=16283عامر بن سعد عن nindex.php?page=showalam&ids=37سعد قال دخل النبي صلى الله عليه وسلم علي يعودني فذكر بمعنى حديث الزهري ولم يذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في سعد بن خولة غير أنه قال وكان يكره أن يموت بالأرض التي هاجر منها
قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ( عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع أشفيت منه على الموت ) فيه استحباب nindex.php?page=treesubj&link=18376عيادة المريض ، وأنها مستحبة للإمام كاستحبابها لآحاد الناس ، ومعنى ( أشفيت على الموت ) أي : قربته وأشرفت عليه ، يقال : أشفى عليه وأشاف ، قاله الهروي وقال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : لا يقال أشفى إلا في الشر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي : الوجع اسم لكل [ ص: 247 ] مرض . وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=19589_27686ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك ، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه .
قوله : ( وأنا ذو مال ) دليل على إباحة جمع المال ، لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلا لمال كثير .
قوله : ( ولا يرثني إلا ابنة لي ) أي : ولا يرثني من الولد وخواص الورثة ، وإلا فقد كان له عصبة ، وقيل : معناه : لا يرثني من أصحاب الفروض .
قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506260أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قلت : أفأتصدق بشطره . قال : لا . الثلث والثلث كثير ) بالمثلثة وفي بعض بالموحدة ، وكلاهما صحيح ، قال القاضي : يجوز نصب الثلث الأول ورفعه ، أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير فعل ، أي : أعط الثلث ، وأما الرفع فعلى أنه فاعل ، أي : يكفيك الثلث ، أو أنه مبتدأ وحذف خبره ، أو خبر محذوف المبتدأ .
وفي هذا الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية ، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : nindex.php?page=treesubj&link=14255إن كانت الورثة أغنياء استحب أن يوصي بالثلث تبرعا ، وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص من الثلث . وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن nindex.php?page=treesubj&link=14287من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته ، وأجمعوا على نفوذها بإجازته في جميع المال . وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح nindex.php?page=treesubj&link=14287وصيته فيما زاد على الثلث ، وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وروي عن علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهما .
وأما قوله : ( أفأتصدق بثلثي مالي ؟ ) يحتمل أنه أراد بالصدقة : nindex.php?page=treesubj&link=14249الوصية ، ويحتمل أنه أراد الصدقة المنجزة ، وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء ، لا ينفذ ما زاد على الثلث إلا برضا الوارث ، وخالف أهل الظاهر فقالوا للمريض مرض الموت أن يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح ، ودليل الجمهور ظاهر حديث : ( الثلث كثير ) مع حديث : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506261الذي أعتق ستة أعبد في مرضه فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة ) .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506262إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس العالة : الفقراء . ويتكففون يسألون الناس في أكفهم . قال القاضي - رحمه الله - روينا قوله : ( إن تذر ورثتك ) بفتح الهمزة وكسرها ، وكلاهما صحيح .
وفي هذا الحديث : حث على صلة الأرحام ، [ ص: 248 ] والإحسان إلى الأقارب ، والشفقة على الورثة ، وأن nindex.php?page=treesubj&link=18045صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد واستدل به بعضهم على nindex.php?page=treesubj&link=29544ترجيح الغني على الفقير .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506263ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها ، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك ) فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير . وفيه أن الأعمال بالنيات ، وأنه إنما nindex.php?page=treesubj&link=28324يثاب على عمله بنيته ، وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=24476الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى . وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=28273_28276المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ، ويثاب عليه ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة ، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح ، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى ، حصل له الأجر بذلك ، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى ، ويتضمن ذلك أن nindex.php?page=treesubj&link=28273_28276_28272الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة ، وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه ، وذلك nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى ، nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطا ، nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام ، وليقضي حقها ، ليحصل ولدا صالحا ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506264nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272وفي بضع أحدكم صدقة ، والله أعلم .
قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506265قلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال : إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به درجة ورفعة ) فقال القاضي : معناه : أخلف بمكة بعد أصحابي ؟ فقاله إما إشفاقا من موته بمكة ; لكونه هاجر منها ، وتركها لله تعالى ، فخشي أن يقدح ذلك في هجرته ، أو في ثوابه عليها ، أو خشي ببقائهبمكة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض ، وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى ، ولهذا جاء في رواية أخرى ( أخلف عن هجرتي ) قال القاضي : قيل : كان nindex.php?page=treesubj&link=26064حكم الهجرة باقيا بعد الفتح لهذا الحديث ، وقيل : إنما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح ، فأما من هاجر بعده فلا .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنك لن تخلف فتعمل ) طول العمر ، للازدياد من العمل الصالح ، والحث على nindex.php?page=treesubj&link=28276إرادة وجه الله تعالى بالأعمال . والله تعالى أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506266ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون وفي بعض النسخ ( ينتفع ) بزيادة التاء ، وهذا الحديث من المعجزات ، فإن سعدا - رضي الله عنه - عاش حتى فتح العراق وغيره ، وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم ، وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم ، وسبيت نساؤهم وأولادهم ، وغنمت أموالهم وديارهم ، وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق ، وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم . قال القاضي : [ ص: 249 ] قيل : لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها إذا كان لضرورة ، وإنما كان يحبطه ما كان بالاختيار ، قال : وقال قوم : موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان ، قال : وقيل : لم تفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506267اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم قال القاضي : استدل به بعضهم على أن nindex.php?page=treesubj&link=26064_26066بقاء المهاجر بمكة كيف كان قادح في هجرته ، قال : ولا دليل فيه عندي ; لأنه يحتمل أنه دعا لهم دعاء عاما ، ومعنى أمض لأصحابي هجرتهم : أي أتممها ولا تبطلها ، ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لكن البائس سعد بن خولة ) البائس هو الذي عليه أثر البؤس ، وهو الفقر والقلة .
قوله : ( يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة ) قال العلماء : هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل انتهى كلامه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لكن البائس سعد بن خولة ) فقال الراوي تفسيرا لمعنى هذا الكلام أنه يرثيه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوجع له ويرق عليه ; لكونه مات بمكة ، واختلفوا في قائل هذا الكلام من هو ؟ فقيل : هو nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وقد جاء مفسرا في بعض الروايات ، قال القاضي : وأكثر ما جاء أنه من كلام الزهري ، قال : واختلفوا في قصة سعد بن [ ص: 250 ] خولة فقيل : لم يهاجر من مكة حتى مات بها . قال عيسى بن دينار وغيره : وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف إلى مكة ومات بها . وقال ابن هشام : إنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد بدرا وغيرها ، وتوفي بمكة في حجة الوداع ، سنة عشر ، وقيل : توفي بها سنة سبع في الهدنة ، خرج مجتازا من المدينة ، فعلى هذا وعلى قول عيسى بن دينار سبب بؤسه سقوط هجرته ; لرجوعه مختارا ، وموته بها ، وعلى قول الآخرين سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان ، وإن لم يكن باختياره لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته والغربة عن وطنه إلى هجرة لله تعالى ، قال القاضي : وقد روي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف مع nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رجلا وقال له : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506268إن توفي بمكة فلا تدفنه بها وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى : ( أنه كان يكره أن يموت في الأرض التي هاجر منها ) وفي رواية أخرى لمسلم ( قال nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص : خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة ) وسعد بن خولة هذا هو زوج سبيعة الأسلمية .
وفي حديث سعد هذا : جواز nindex.php?page=treesubj&link=21252تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن بالسنة ، وهو قول جمهور الأصوليين ، وهو الصحيح .
[ ص: 251 ] قوله : ( حدثنا أبو داود الحفري ) هو بحاء مهملة ثم فاء مفتوحتين ، منسوب إلى الحفر بفتح الحاء والفاء ، وهي محلة بالكوفة كان أبو داود يسكنها ، هكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم بن حبان ، nindex.php?page=showalam&ids=14523وأبو سعد السمعاني وغيرهما . واسم أبي داود هذا ( عمرو بن سعد ) الثقة الزاهد الصالح العابد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري . وقال nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع : إن كان يدفع بأحد في زماننا - يعني البلاء والنوازل - فبأبي داود ، توفي سنة ثلاثة وقيل : سنة ست ومائتين ، رحمه الله .
قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص - رضي الله عنه - ( عادني رسول الله صلى الله عليه وسلم من وجع أشفيت منه على الموت ) فيه استحباب nindex.php?page=treesubj&link=18376عيادة المريض ، وأنها مستحبة للإمام كاستحبابها لآحاد الناس ، ومعنى ( أشفيت على الموت ) أي : قربته وأشرفت عليه ، يقال : أشفى عليه وأشاف ، قاله الهروي وقال nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : لا يقال أشفى إلا في الشر ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12352إبراهيم الحربي : الوجع اسم لكل [ ص: 247 ] مرض . وفيه جواز nindex.php?page=treesubj&link=19589_27686ذكر المريض ما يجده لغرض صحيح من مداواة أو دعاء صالح أو وصية أو استفتاء عن حاله ونحو ذلك ، وإنما يكره من ذلك ما كان على سبيل التسخط ونحوه فإنه قادح في أجر مرضه .
قوله : ( وأنا ذو مال ) دليل على إباحة جمع المال ، لأن هذه الصيغة لا تستعمل في العرف إلا لمال كثير .
قوله : ( ولا يرثني إلا ابنة لي ) أي : ولا يرثني من الولد وخواص الورثة ، وإلا فقد كان له عصبة ، وقيل : معناه : لا يرثني من أصحاب الفروض .
قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506260أفأتصدق بثلثي مالي ؟ قال : لا . قلت : أفأتصدق بشطره . قال : لا . الثلث والثلث كثير ) بالمثلثة وفي بعض بالموحدة ، وكلاهما صحيح ، قال القاضي : يجوز نصب الثلث الأول ورفعه ، أما النصب فعلى الإغراء أو على تقدير فعل ، أي : أعط الثلث ، وأما الرفع فعلى أنه فاعل ، أي : يكفيك الثلث ، أو أنه مبتدأ وحذف خبره ، أو خبر محذوف المبتدأ .
وفي هذا الحديث مراعاة العدل بين الورثة والوصية ، قال أصحابنا وغيرهم من العلماء : nindex.php?page=treesubj&link=14255إن كانت الورثة أغنياء استحب أن يوصي بالثلث تبرعا ، وإن كانوا فقراء استحب أن ينقص من الثلث . وأجمع العلماء في هذه الأعصار على أن nindex.php?page=treesubj&link=14287من له وارث لا تنفذ وصيته بزيادة على الثلث إلا بإجازته ، وأجمعوا على نفوذها بإجازته في جميع المال . وأما من لا وارث له فمذهبنا ومذهب الجمهور أنه لا تصح nindex.php?page=treesubj&link=14287وصيته فيما زاد على الثلث ، وجوزه أبو حنيفة وأصحابه وإسحاق وأحمد في إحدى الروايتين عنه ، وروي عن علي nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهما .
وأما قوله : ( أفأتصدق بثلثي مالي ؟ ) يحتمل أنه أراد بالصدقة : nindex.php?page=treesubj&link=14249الوصية ، ويحتمل أنه أراد الصدقة المنجزة ، وهما عندنا وعند العلماء كافة سواء ، لا ينفذ ما زاد على الثلث إلا برضا الوارث ، وخالف أهل الظاهر فقالوا للمريض مرض الموت أن يتصدق بكل ماله ويتبرع به كالصحيح ، ودليل الجمهور ظاهر حديث : ( الثلث كثير ) مع حديث : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506261الذي أعتق ستة أعبد في مرضه فأعتق النبي صلى الله عليه وسلم اثنين وأرق أربعة ) .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506262إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس العالة : الفقراء . ويتكففون يسألون الناس في أكفهم . قال القاضي - رحمه الله - روينا قوله : ( إن تذر ورثتك ) بفتح الهمزة وكسرها ، وكلاهما صحيح .
وفي هذا الحديث : حث على صلة الأرحام ، [ ص: 248 ] والإحسان إلى الأقارب ، والشفقة على الورثة ، وأن nindex.php?page=treesubj&link=18045صلة القريب الأقرب والإحسان إليه أفضل من الأبعد واستدل به بعضهم على nindex.php?page=treesubj&link=29544ترجيح الغني على الفقير .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506263ولست تنفق نفقة تبتغي بها وجه الله تعالى إلا أجرت بها ، حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك ) فيه استحباب الإنفاق في وجوه الخير . وفيه أن الأعمال بالنيات ، وأنه إنما nindex.php?page=treesubj&link=28324يثاب على عمله بنيته ، وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=24476الإنفاق على العيال يثاب عليه إذا قصد به وجه الله تعالى . وفيه أن nindex.php?page=treesubj&link=28273_28276المباح إذا قصد به وجه الله تعالى صار طاعة ، ويثاب عليه ، وقد نبه صلى الله عليه وسلم على هذا بقوله صلى الله عليه وسلم : حتى اللقمة تجعلها في في امرأتك لأن زوجة الإنسان هي من أخص حظوظه الدنيوية وشهواته وملاذه المباحة ، وإذا وضع اللقمة في فيها فإنما يكون ذلك في العادة عند الملاعبة والملاطفة والتلذذ بالمباح ، فهذه الحالة أبعد الأشياء عن الطاعة وأمور الآخرة ، ومع هذا فأخبر صلى الله عليه وسلم أنه إذا قصد بهذه اللقمة وجه الله تعالى ، حصل له الأجر بذلك ، فغير هذه الحالة أولى بحصول الأجر إذا أراد وجه الله تعالى ، ويتضمن ذلك أن nindex.php?page=treesubj&link=28273_28276_28272الإنسان إذا فعل شيئا أصله على الإباحة ، وقصد به وجه الله تعالى يثاب عليه ، وذلك nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272كالأكل بنية التقوي على طاعة الله تعالى ، nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272والنوم للاستراحة ليقوم إلى العبادة نشيطا ، nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272والاستمتاع بزوجته وجاريته ليكف نفسه وبصره ونحوهما عن الحرام ، وليقضي حقها ، ليحصل ولدا صالحا ، وهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506264nindex.php?page=treesubj&link=28273_28272وفي بضع أحدكم صدقة ، والله أعلم .
قوله : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=3506265قلت : يا رسول الله أخلف بعد أصحابي قال : إنك لن تخلف فتعمل عملا تبتغي به وجه الله تعالى إلا ازددت به درجة ورفعة ) فقال القاضي : معناه : أخلف بمكة بعد أصحابي ؟ فقاله إما إشفاقا من موته بمكة ; لكونه هاجر منها ، وتركها لله تعالى ، فخشي أن يقدح ذلك في هجرته ، أو في ثوابه عليها ، أو خشي ببقائهبمكة بعد انصراف النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه إلى المدينة وتخلفه عنهم بسبب المرض ، وكانوا يكرهون الرجوع فيما تركوه لله تعالى ، ولهذا جاء في رواية أخرى ( أخلف عن هجرتي ) قال القاضي : قيل : كان nindex.php?page=treesubj&link=26064حكم الهجرة باقيا بعد الفتح لهذا الحديث ، وقيل : إنما كان ذلك لمن كان هاجر قبل الفتح ، فأما من هاجر بعده فلا .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم : ( إنك لن تخلف فتعمل ) طول العمر ، للازدياد من العمل الصالح ، والحث على nindex.php?page=treesubj&link=28276إرادة وجه الله تعالى بالأعمال . والله تعالى أعلم .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506266ولعلك تخلف حتى ينفع بك أقوام ويضر بك آخرون وفي بعض النسخ ( ينتفع ) بزيادة التاء ، وهذا الحديث من المعجزات ، فإن سعدا - رضي الله عنه - عاش حتى فتح العراق وغيره ، وانتفع به أقوام في دينهم ودنياهم ، وتضرر به الكفار في دينهم ودنياهم فإنهم قتلوا وصاروا إلى جهنم ، وسبيت نساؤهم وأولادهم ، وغنمت أموالهم وديارهم ، وولي العراق فاهتدى على يديه خلائق ، وتضرر به خلائق بإقامته الحق فيهم من الكفار ونحوهم . قال القاضي : [ ص: 249 ] قيل : لا يحبط أجر هجرة المهاجر بقاؤه بمكة وموته بها إذا كان لضرورة ، وإنما كان يحبطه ما كان بالاختيار ، قال : وقال قوم : موت المهاجر بمكة محبط هجرته كيفما كان ، قال : وقيل : لم تفرض الهجرة إلا على أهل مكة خاصة .
قوله صلى الله عليه وسلم : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506267اللهم أمض لأصحابي هجرتهم ولا تردهم على أعقابهم قال القاضي : استدل به بعضهم على أن nindex.php?page=treesubj&link=26064_26066بقاء المهاجر بمكة كيف كان قادح في هجرته ، قال : ولا دليل فيه عندي ; لأنه يحتمل أنه دعا لهم دعاء عاما ، ومعنى أمض لأصحابي هجرتهم : أي أتممها ولا تبطلها ، ولا تردهم على أعقابهم بترك هجرتهم ورجوعهم عن مستقيم حالهم المرضية .
قوله صلى الله عليه وسلم : ( لكن البائس سعد بن خولة ) البائس هو الذي عليه أثر البؤس ، وهو الفقر والقلة .
قوله : ( يرثي له رسول الله صلى الله عليه وسلم أن مات بمكة ) قال العلماء : هذا من كلام الراوي وليس هو من كلام النبي صلى الله عليه وسلم بل انتهى كلامه صلى الله عليه وسلم بقوله : ( لكن البائس سعد بن خولة ) فقال الراوي تفسيرا لمعنى هذا الكلام أنه يرثيه النبي صلى الله عليه وسلم ويتوجع له ويرق عليه ; لكونه مات بمكة ، واختلفوا في قائل هذا الكلام من هو ؟ فقيل : هو nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص ، وقد جاء مفسرا في بعض الروايات ، قال القاضي : وأكثر ما جاء أنه من كلام الزهري ، قال : واختلفوا في قصة سعد بن [ ص: 250 ] خولة فقيل : لم يهاجر من مكة حتى مات بها . قال عيسى بن دينار وغيره : وذكر nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري أنه هاجر وشهد بدرا ثم انصرف إلى مكة ومات بها . وقال ابن هشام : إنه هاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية ، وشهد بدرا وغيرها ، وتوفي بمكة في حجة الوداع ، سنة عشر ، وقيل : توفي بها سنة سبع في الهدنة ، خرج مجتازا من المدينة ، فعلى هذا وعلى قول عيسى بن دينار سبب بؤسه سقوط هجرته ; لرجوعه مختارا ، وموته بها ، وعلى قول الآخرين سبب بؤسه موته بمكة على أي حال كان ، وإن لم يكن باختياره لما فاته من الأجر والثواب الكامل بالموت في دار هجرته والغربة عن وطنه إلى هجرة لله تعالى ، قال القاضي : وقد روي في هذا الحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم خلف مع nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص رجلا وقال له : nindex.php?page=hadith&LINKID=3506268إن توفي بمكة فلا تدفنه بها وقد ذكر مسلم في الرواية الأخرى : ( أنه كان يكره أن يموت في الأرض التي هاجر منها ) وفي رواية أخرى لمسلم ( قال nindex.php?page=showalam&ids=37سعد بن أبي وقاص : خشيت أن أموت بالأرض التي هاجرت منها كما مات سعد بن خولة ) وسعد بن خولة هذا هو زوج سبيعة الأسلمية .
وفي حديث سعد هذا : جواز nindex.php?page=treesubj&link=21252تخصيص عموم الوصية المذكورة في القرآن بالسنة ، وهو قول جمهور الأصوليين ، وهو الصحيح .
[ ص: 251 ] قوله : ( حدثنا أبو داود الحفري ) هو بحاء مهملة ثم فاء مفتوحتين ، منسوب إلى الحفر بفتح الحاء والفاء ، وهي محلة بالكوفة كان أبو داود يسكنها ، هكذا ذكره nindex.php?page=showalam&ids=13053أبو حاتم بن حبان ، nindex.php?page=showalam&ids=14523وأبو سعد السمعاني وغيرهما . واسم أبي داود هذا ( عمرو بن سعد ) الثقة الزاهد الصالح العابد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=16604علي بن المديني : ما أعلم أني رأيت بالكوفة أعبد من أبي داود الحفري . وقال nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع : إن كان يدفع بأحد في زماننا - يعني البلاء والنوازل - فبأبي داود ، توفي سنة ثلاثة وقيل : سنة ست ومائتين ، رحمه الله .